صَرِيعَاتُ الْحَاجَةِ ــ جليلة مفتوح

0
834

صريعات الحاجة..
ولا أقول قتيلات الجوع.. لأن الموت حصدهن وهن في طريقهن نحو قتل غول الجوع.
عنوان لأسطورة القوامة النسائية الغالبة في عصرنا المغبر،فالمرأة من تغامر أكثر داخل البيت وخارجه، لأجل لقمة أولادها وربما حماية والديها، وإخوة ذكور شلتهم البطالة أو هدهم الإدمان و الإعاقة، أو غيرهما من ابتلاء العصر والطبيعة.
لكن لا يخلو الأمر من عشوائية، سواء من المتدافعين نحو المساعدات، أو من الموزعين تحت أضواء الإبهار الإعلامية. فالجمعية التي تصدرت السوق الأسبوعي لتوزيع أكياس الدقيق، عليمة أن الناس هناك صعب تنظيمهم، وكان من الأولى المساعدة تحت رقابة أمنية حفاظا على الأرواح، وتتبعا لمآل المساعدات كما جودتها وصلاحيتها الآدمية، قبل أي إعلان عن توزيعها.
دراسة ميدانية تسبق أي تحرك في اتجاه الآخر، والوضع في حادث منطقة نواحي مدينة الصويرة المفجع حد إدماء الروح، افتقد المراعاة الإنسانية والتنظيمية لطبيعة مع من يتعاملون، ومدى استهانتهم بسلامتهم مقابل مساعدة بسيطة، قد تسد ثغرة في جدار احتياجات ذويهم. خاصة لو تعلق الأمر بمساعدة، قد تقيهم بعض الضيق عند قدوم فصل الشتاء، وتهون عليهم ثقل غيم الجفاف الذي أشرع ظلاله المميتة، فوق الأراضي الفلاحية بتعاقب السنوات العجاف إلا ما ندر منها. وهذا ما جعل الجموع تضخمت قدوما من كل صوب ناء أو قريب، فاستبدل الأمل المتواضع بموت فاق البشاعة.
المبكي المضحك بغض النظر عن المنابر الإعلامية الخارجية، والتي مهمتها الأهم هي الاصطياد في المياه العكرة، هو أنه في كل بلد يحاول النهوض، تخرج فئران الظلام من جحورها لتخترع أسباب الفواجع بميوع الاخلاق، وإهدار المال في مهرجانات موسيقية وغيرها. وكأن البلاد يجب أن تدخل كوكب حداد أبدي بعزلة أممية، لتفرح قلوبهم بالسبي الحلال وقطع اليد عند التجويع، ورجم المرأة المقاتلة لأجل العيش.
وأخرى تحمل النظام الحاكم وصولا نحو أعلى سلطة في البلاد، مسئولية شاملة عن كل شوكة في الطريق، رغم أن الكل يعمل والجمعيات تنتشر كالفطر… الصالح منها والطالح. لكنها ضربات سياسية لبلد كما غيره يعاكس التقسيم؛ وشعب يقاوم في كل مكان الفساد المستشري، مناضلا بخيرة أبنائه من الأطلس إلى الريف، لفك العزلة عن سكان الجبال بين الثلوج، وإيجاد مستشفيات ومدارس لائقة، وحق مشروع في المواطنة الكاملة.
الكل غاضب من أجل الحق الإنساني الأدنى في العيش الكريم، والبعض ينصب المشانق على نهج العصور الوسطى، مستغلا كما العادة كل فيضان الإسطبل لإغراق الدنيا حوله بالوحل. و ليس لفتح نهر من الدعم المعنوي والمادي، أولها البحث عن الأسباب ومحاربة القتلة منطقيا، لجرف الإسطبل إعادة لتأهيله، بخيول أحلام جديدة يركبها أهل الضحايا، ومن قلوبهم تنتفض ثورة للكرامة المهدرة، وعلى وجوه الغطرسة المختلفة أينما تكون.
ليس تبريرا لما يفعله البعض من نهب، فكل ضمير حي يناهض ما يقتل الناس سحقا وتجويعا وفقرا. لكنه العقل الذي آن الأوان لنجعله حكما، حين الفواجع بين أزمنة الغدر والتقسيم، بخلايا الوطاويط النائمة بيننا، ودعاة التفرقة وتجزئة المجزأ، خارج نظرية المؤامرة ولو وجدت.
ليس الاحتياج حكرا على منطقة دون أخرى، لكنه في كل مكان من كل بلد يشبه الآخر، ولو فكرا وصيرورة حياة. والحرب يجب أن تكون دون هوادة، ابتداء ممن أوصلتهم الناس إلى مقاعد الحكومة، والمجالس البلدية والقروية وقبة البرلمان، ومن ورائهم أهل الرأي والمشورة، من المثقفين والإعلاميين وذوي الاختصاص.
ما يحدث في أي مكان من عشوائية ولو خيرية، إفساد لمسار مجتمعاتنا نحو أي صف يليق بوهج أبنائها ويصنع تاريخها المضيء، في عصر لا يسمح فيه بالرجوع إلى الوراء، ولا يسمح بالفوضى الخلاقة لكل ركام ودمار وبركان. بل الحق الكامل في الحياة اللائقة، بإنسان مكرم على كل الأصعدة الكونية.
من سقطن مختنقات موتا، تركن وراءهن أيتاما بالمعنى الشامل للكلمة، والحداد الروحي عليهن هو دعم أسرهن، وإيجاد حل للكوارث الإنسانية المخجلة مثل هذه، باستئصال جذورها ابتداء بمحاربة الفساد وأذياله، وإيجاد السبل لجبر الضرر أينما يوجد.
حلم البناء والتشييد لا يمكنه أن يتحقق، إلا في أزمنة الأقوياء بالمصالحة مع الذات والغير، وبين أجواء التسامح والسلام.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here