حقيقة صادمة تلك التي أجدها في هذا الفضاء الممتدّ المتسع والذي لا تحدّه إلا حدود آفاقنا الذهنية والوجدانية. هي ذاتها الحقيقة التي نصارعها في واقع حياتنا. نحملها معنا أينما رحلنا أو ارتحلنا كلما اقتربنا من بعضنا البعض تفجّرت الشراين المحتقنة في وجوهنا. وتلطّخت ملامحنا بدماء بعضنا البعض – ولا أنزّه نفسي – كل من يكتب حمل وديع يتظلم، والغير ظالم، ظلوم، غشوم.
طوال ما مضى من عمري رافقني الكتاب، والكتاب كله لسان، لكنه لسان على استقامة واحدة، لا يرتد عليك، يمضي قدما، ولا يجادلك بل يدفعك لجدال نفسك. أنت وحدك السائل، والمجيب، والمُستنطِق. تغرف منه قدر سعة إنائك. وألسنة الناس كتب ناطقة لكنها بألف شعبة، تتوه بينها، أيتها على صواب وأيتها مخطئة. أيتها الصادقة وأيتها الكاذبة أو المنافقة.
شيء واحد لو التزمناه لما حدث كل ذلك. أن نحاسب أنفسنا كما نحاسب الغير، أن نقيس بالمعيار ذاته. أن نزن انفسنا وسلوكياتنا بالميزان الذي نزن به الآخرين. أعترف أنها مقولات قديمة قديمة، ولكن من منّا يُطبّقها.
وأعترف بأن كان لي قلب سليم لطّخته الظنون وآثامها، فقط كي لا يظن الآخرون أنني طيّبة حد السذاجة والغباء. لكنني وجدت في تلك البساطة والطيبة راحة افتقدها وأودّ استعادتها بأي ثمن حتى وإن احتاج الأمر أن أعود إلى صومعتي مع أصدقائي القدامى ذوي الألسنة التي لا تجادل. وأحسن الظن بالناس كل الناس وإن طعنت بألف خنجر في الصدر والظهر. لا لن أصادم بعد اليوم. قد تعبت من ارتداء جلد غير جلدي. أودّ شقه فقد ضاق عليّ.