ردا على الإذاعي محمد شاطر بإذاعة أرابيل بروكسل، فيما يخص تأجيل رمضان (ج1) – أحمد حضراوي

0
614

استمعت وأعدت الاستماع لفيديو الإذاعي المخضرم محمد شاطر الذي أحدث ضجة -حسب رأيه هو وبعض معجبيه- وقد تناول فيه مسألة صيام شهر رمضان الذي سيطل علينا بعد أيام قليلة من عدمه، واستمعت للفيديو الثاني الذي حاول أن يبرر فيه مجموعة من الأفكار التي فُهمتْ خطأ حسب رأيه دائما، بل ويتهم فيه جهات ما أو أشخاصا ما بتسريب الفيديو السالف الذكر بدون علمه وإذنه. وصولا إلى الفيديو الثالث الذي كرر فيه كثيرا مما قاله سابقا لكنه ركز على نقطة رئيسية ألا وهي: تسرع “المتلقين” في الحكم على ما قاله وعليه هو شخصيا، وصل ببعضهم -حسب رأيه دائما- إلى حد تكفيره.
ولنبدأ من حيث انتهى ثم نعود تدريجيا لتناول ما طرحه من آراء -سماها هو أسئلة لمختصين شرعا وطبا- في مسألة الصوم من عدمه في ظل تفشي داء كورونا، وسيتناول ردنا نقد كل ما طرحه السيد محمد شاطر من أفكار وآراء ولو في صيغة أسئلة كما يحاول أن يوهمنا، بعيدا عن كل ما هو شخصي، لأن دورنا كأدباء ومتابعين للشأن الديني والدنيوي لمغاربة العالم هو النقد البناء لا تعقب سقطات الناس وتتبع عوراتهم.

اتهام المتلقي في مداركه العقلية والإيمانية:
صعب جدا أن نخوض فيما لا نعلم، وصعب جدا أن نتحدث في مجال لا نضبط أسرار أحكامه وخبايا أموره، فقد تتطلب سياقةُ حافلة مثلا شهورا من الدرس والتدريب للتمكن من ذلك، بل والكثير من المال والمصاريف فقط لنقل مجموعة من الناس من مكان إلى آخر قد لا يتجاوز بضعة كيلوميترات، وقد لا يتطلب من الزمن إلا ساعة أو بضع دقائق.
أما حين نتحدث في الجانب الإيماني والعقدي لفئة معينة من الناس أكثرية كانت أو أقلية في مجتمع ما، أو ديانة يعتنقها ملايين من البشر ينتشرون في كل بقاع الدنيا، ونتحدث عن رحلتهم من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة وما ينتظرهم فيها من ثواب أو عقاب، فإن الأمر يغدو أسهل وأهون على كثير من الناس -بعلم أو بدون علم-، الذين ينبرون لقضاياهم التعبدية فتراهم يتجرؤون على الفتوى حتى وإن تظاهروا بأنهم لا يقومون سوى بطرح أسئلة شرعية ليس على عامة الناس -كما فهم المتلقي من الفيديو الأول-، وإنما على أهل الحل والعقد كما -برر صاحب الفيديوهات- في مطلع الفيديو رقم 2، لكن ما يدحض تبريره هذا هو أنه لم يشر ولا مرة واحدة إلى اسم أحدهم، وكان ذلك أجدر به لو كان صادقا.
حين نعجز عن الإدلاء بالحجة وحين تُفضح هزالة رصيدنا المعرفي، وحين نعجز عن إيصال الفكرة إلى الآخر -رغم اشتغالنا بالإعلام لأزيد من 30 سنة كما نزعم-، فمعناه أن نتهم الآخر -الذي لم يحدده- بعدم الفهم، والتسرع في استصدار الأحكام التي بلغت حد تكفيره كما أورد هو نفسه، ولا نعلم معنى إثارة مسألة التكفير في هذا السياق إلا إذا كانت هناك نية مبيتة من صاحب الفيديو في خلق معسكرين اثنين في قضيته: معسكر المتجرئين على الله ورسوله، ومعسكر الملتزمين بعبوديتهم التامة لله سبحانه وتعالى الممتثلين لأوامره ونواهيه، المقيمين لشعائر دينه كلها وأركانه الخمس دون انتقاص ركن منها، الذين أُلصقت به -في نفس السياق- تهمة التكفير بحبكة أسلوب رجل إذاعي، تمرن على تمرير الخطاب منذ سنين طويلة.
يصر السيد محمد شاطر الإذاعي في محطة “أرابيل” على أن الفيديو الأول قد تم تسريبه، ويعاود سؤال الناس عن فهمهم، وكأنه يعتقد أن الحجر الصحي على صحتهم هو حجر على عقولهم وعلى أهليتهم، ففقدوا المدارك بعد أسابيع من لزومهم بيوتهم. يكرر في ذات الفيديو أن كل ما طرحه من تساؤلات والتي جرت عليه وابلا من النقد لم يتوقعه، كانت موجهة إلى مشايخ، زعم أنه تلقى منهم اعتذارات بعد أن “أفهمهم جيدا” دوافع طرحه. ونلمس هنا مقارنة غير موفقة بين مستواه العلمي والفقهي الذي تطلب من علماء الدين وقتا طويلا ليفهموا مقاصده، وأول ما تجلى لهم الفهم كما أراده السيد محمد شاطر سارعوا إلى الاعتذار له والتنويه بدرجة علميته. ونحن من هذا الموقع نطلب من السيد محمد شاطر فقط أن ينشر لنا لائحة أسماء هؤلاء العلماء والمشايخ، واعتذاراتهم له وثناءهم عليهم، ولا نظن أن سيكون لديهم مانع في ذلك ما داموا قد قاموا به فعلا.
لكن ما إن يسد السيد محمد شاطر هذه الثغرة حتى يعاود نقض ما بناه، ويعود للحديث عن إمكانية تأجيل رمضان، وهو تعبير خاطئ جاهل بمعنى الشهر الكريم. فلو تعذر على الإخوة المسيحيين مثلا الاحتفال بعيد ميلاد المسيح، هل كانوا سيقومون بتأجيل شهر ديسمبر من التقويم الميلادي مثلا؟ نفس الشيء بالنسبة لشهر رمضان، فرمضان هو جزء من التقويم الهجري أولا، وهو الشهر نفسه الذي يفترض صومه، فكان أجدر بالسيد شاطر أن يتحدث عن قضاء شهر رمضان لا تأجيله لأن صومه قد -وأقول “قد”- يتسبب في أضرار للصائمين، والفدية التي يتم إخراجها مقابل ذلك وقد قال تعالى في محكم بيانه: “فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”. (البقرة 185). والمرض في هذه الآية جاء بشكل عام يمكن أن تندرج فيه كورونا أو أي جائحة قد تعرفها البشرية مستقبلا.
أما حديثه عن أن هناك مجموعة من العلماء والأطباء الذين يتدارسون مسألة “تأجيل رمضان” كما سماها هو، فنسأله أولا عن مصدر المعلومة، ناهيك عن جهله البين بمصادر التشريع في الإسلام التي أولها القرآن الكريم، وثانيها الحديث الشريف، ولا يحتل الإجماع إلا المرتبة الثالثة، بعده القياس وهذه لا خلاف على ترتيبها وأسبقيتها على بعضها لدى كافة الفقهاء، ثم المصلحة والاستحسان والاستصحاب والعرف وغيرها كثير، وهذه يقدمها البعض ويؤخرها الآخر كل حسب مدرسته الفقهية أو مرجعيته المذهبية.
وهنا نقدم تساؤلين: أولا متى اجتمع هؤلاء وكيف خاصة وأننا في فترة حجر صحي عالمي، ومن هم، وتحت أي إطار اجتمعوا، وما هي نتيجة إجماعهم، ولماذا توصل بها فقط السيد محمد شاطر ولم نتوصل بها نحن -المنقبون عن المعلومة في وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي؟
ثانيا، هل ينقض الإجماع حكما شرعيا، ناهيك عن إسقاط ركن من أركان الإسلام هكذا على إطلاقه، دون تخصيص كل حالة أو فئة بحكم خاص؟
وثالثا، متى تم للأمة الإسلامية إجماع على حكم شرعي أو فقهي، لاستحالة الإجماع ممارسة، مما جعل كثيرا من الفقهاء والعلماء يستبدلونه في مناهجهم بصوت الأغلبية.
ثم ما إلزامية هذا الإجماع حتى لو افترضنا تجاوزا أنه تم وتحقق، وقد أشار السيد محمد شاطر بداية شريطه الأول إلى تأجيل رمضان بناء على “توصيات منظمة الصحة العالمية” و”المتخصصين الدوليين”؟ فهل سيحتكم المسلم إلى توصية من ليس من دينه وملته -ولو كان ظاهر التوصية إنسانيا بحتا-، طبعا لا يجوز وغير مقبول لأن الفتوى في المسائل الدينية والاجتهادات فيها لا تكون إلا من داخل الديانة نفسها، وهذه مسالة قتلها العلماء بحثا فلا داعي للتفصيل فيها أكثر.
إذاً بعد أن ناقشنا السيد محمد شاطر فيما ختم به الفيديو الثالث، والذي اتهم فيه الناس بعدم الفهم والجهل بمقاصده، أحالنا إلى مرجعية طرحه، ودعانا إلى إعادة الاستماع إلى الفيديو الأول، وهو للعلم نفس الفيديو الذي قال إنه تسرب منه دون علمه، وهدد كل من يعيد نشره وتقاسمه على أي منبر كان.

-يتبع بكل تأكيد-

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here