خيوط لعبة الحزن في زمن كورونا – فكري بوشوعو

0
308

إن الشعور الذي اجتاح ذواتنا رغما عنا في ظل ما يعيشه العالم بأسره يُدْخلنا في قراءات عديدة يكون عنصر الصراع الداخلي مدخلها الأساسي، وهو الصراع الذي يكاد يقتل كل المحاولات من التي تسعى إلى بناء إحساس أساسه الأمل في غد أفضل، ولِتكون رؤْيتنا للأمور بصورة لا غبار عليها، بحيث تتضح فيها ملامح وجوهنا مع ابتسامة تجرد الواقع من كل الصور والروايات القادمة من أمكنة مختلفة عنوانها ضربة موجعة ضربت الكائن البشري عبر العالم لتكون سنة 2020 سنة الإحصائيات والأرقام بامتياز.
ومن خلال العودة إلى القراءات المتعددة التي عبرت عنها مجموعة من العقول النيرة بطريقة أو بأخرى وهي تتابع أو بالأحرى تعيش بوجدانها ما أصاب العالم جراء البصمة الحزينة التي أبصم عليها فيروس كورونا، نجد أن من بين هذه القراءات هناك من يد تقتصر تعبيراتها عن حالة الملل التي أصبحت واقع كل الذوات الإنسانية، وحديث كل الجدران المنزلية حتى أصبح الملل هاجسا يحيط بالفرد والأسرة والمجتمع رغم كل ما يفعله المرء من محاولات لكي لا يكون ضحية هذا الملل الذي يؤدي إلى حالة من الاستسلام التام، وهو الشعور الذي أصبح قائما رغم ما يمتلكه هذا الإنسان اليوم من آليات حديثة تشغله وتجنبه أي إحساس يؤدي به إلى مثل هذه الحالات التي تقوم على حقائق وأمور وروايات الألم الناتجة عن معاناة العالم بأكمله، الذي يعيش مرحلة الذهول والهلع والترقب والحزن.
قد نتساءل في ظل ما تطرحه حالة الملل من أحاسيس عنا يربطها بعناصر الحزن، هنا يمكن أن تستحضرنا تجربة فريدة من نوعها وجد مهمة عملت على معالجة الجانب المأساوي في حياة الإنسان، وهي معالجة قائمة على آليات وقراءات وفق وعاء عقلاني روحاني باستطاعتنا عبر محاولتنا للتواصل مع ذواتنا، أن نحول كل حالة ملل وشؤم وهم إلى حالة سرور، أي لا يقف الأمر عند معالجة الملل بل يتعداه إلى مواجهة ما قد يطرحه من عناصر ذات طابع مؤلم وحزين، وهذا بالطبع ما نجده في تجربة الدكتور والشيخ السعودي عائض القرني وفي ما يلخصه كتابه المعروف ” لا تحزن”، وهو الكتاب الذي راودني وأنا أبحث عن إجابات لكل ما قد يُطرح من إشكال أو تساءل حول واقعنا اليوم، وفهم هذا الملل ومدى قدرته التأثيرية على باقي العناصر داخل ذواتنا، وما تطرحه أيضا عملية تذكيرنا. إننا أمام واقع مؤلم وحزين، لا يمكن أن نمضي دون أن يكون من حاجياتنا اليومية، بل أكثر من ذلك أصبح واقعا لأحاسيسنا.
وإن كان الأمر بالفعل متعلقا بشعورنا وأحاسيسنا بالدرجة الأولى، فإن الجوانب التي تناولها كتاب “لا تحزن” الذي صدر سنة 2003 ونال إعجاب العديد من القُرَّاء عبر العالم، تجعلنا نقف أمام واقعنا اليوم وقفة تأَمُّل كذوات بشرية ميزتها الأولى الاستمرار في ظل الظروف الحالية بمبدأ المواجهة والشجاعة، لأن الحياة لن تقف بالحزن أو بدونه على حد قول الدكتور القراني، وأن نعمة الألم تقابلها نعمة المعرفة لتحقيق نعمة السرور والحد من فوضى الحواس أو فوضى الحياتية التي يفرضها واقعنا اليوم، الذي يسارع فيه العالم الوقت والزمن من أجل إيجاد دواء يخلص البشرية من تداعيات فيروس كورونا، فيما نصارع نحن كأفراد مجموعة من الأحاسيس التي تحاصرنا داخل أربعة جدران رغم محاولاتنا للخروج من هذا الفراغ بشتى الطرق المتاحة، المادية منها والمعنوية والعقلية، ناهيك عن من يصارع المرض بمعنويات جد ضعيفة.
إن في تذكيري لكتاب ” لا تحزن” واعتباري له أنه الأجدر بالاهتمام، نابع من إيماني بكل الشرور التي تصارعنا وتضربنا في أي لحظة تعيد فيها قوانا توازنها بحقائق الأمور المؤلِمة والمأساوية، والمعاناة التي تأْتينا من كل رواية موت أو نجاة، ومع كل الإحصائيات والأرقام التي تحصي ما خلفته جائحة كورونا. وفي تذكيري أيضا إنصاف لحروفي التي حاصرها الملل والإحباط منذ مدة، وهي ليست حروف من أجل أن تثبت شيئا من الاستحقاق خلال عبورها ومرورها، بقدر ما هي انتفاضة في وجه كل ما هو حزين، ومواجهة لكل حقيقة تجعل من الذات لعبة الألم والحزن على خيط حالة عابرة من الملل.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here