Home Slider site خاطبوا تركيا مباشرة بعيدا عن توظيف دكاكين البقالة – بلال التليدي
النقاش حول تقييم اتفاقيات التبادل الحر، التي أبرمها المغرب مع عدد من الدول، ليس جديدا، وفي كل سنة تكرر الأسطوانة ذاتها التي تتحدث عن الربح الذي يحصله الآخرون ويخسره المغرب، مع أن قواعد اللعب موحدة، فالأمر ليس مرتبطا بتركيا، وإنما يعم الجميع، بما في ذلك مصر التي عاشت أسوأ لحظاتها الاقتصادية بسبب أوضاعها السياسية.
لنجعل المصلحة الوطنية للمغرب سقفا للنقاش، ولنمارس نوعا من التفكيك على خطاب السيد حفيظ العلمي وزير التجارة، ولنقتصر في الموضوع على الآثار التي أحدثتها شركة “بيم” التركية على أصحاب دكاكين البقالة، وعلى ضآلة الاستثمار التركي في المغرب.
لا نريد أن نطرح الانتقادات الوجيهة التي فجرتها عدد من التعليقات والتدوينات التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي حول انتقائية السيد الوزير، وكيف خص شركة تركية لوحدها دون بقية الشركات الفرنسية التي تناسل وجودها مؤخرا، في عدد من الأحياء الشعبية بمسميات مختلفة.
لكن نريد أن نسائله عن أي استراتيجية انتهجتها وزارته لحماية أصحاب الدكاكين التي ساهمت الشركات الفرنسية في خراب بيوتهم قبل أن تدخل شركة “بيم” إلى المغرب، فالرجل يعرف أن التحولات العالمية التي يعرفها قطاع التجارة والصناعة تتجه بشكل قسري وحتمي إلى القضاء على عدد من المهن، والصحافة الورقية نفسها تستقبل موتها ببطء لهذا السبب نفسه، فهل تفطنت الوزارة لمصالح هذه الدكاكين حتى جاءت شركة “بيم”؟ أم إنها تتعامى على واقع التحولات العالمية التي تجري في قطاع التجارة وتحكم على قطاعات بعينها بالفناء.
لا أعرف أن وزارة السيد حفيظ العلمي، على سبيل المثال، اتخذت قرارا من قبل بمنع فتح هذه المتاجر والأسواق الكبرى في الأحياء الشعبية، والترخيص لها فقط، في المساحات الكبرى خارج المدنية أو في هوامشها، حتى تضمن بذلك حماية مصالح دكاكين البقالة.
ويشعر الجميع أن لغة السيد الوزير متوازنة ولا تحابي الفرنسيين على حساب الأتراك، ولم نسمع منه أي رقم عن عدد دكاكين البقالة التي أُقفلت قبل دخول شركة “بيم”، التي لحد الآن لم تغط التراب الوطني، كما هو واقع عدد من متاجر الشركات الفرنسية، ولم نسمع منه على سبيل المثال أنه قام بمنع الشركة الفرنسية المالكة للأسواق التجارية بمنع خدمات الأكل السريع أو التقليدي حفاظا على مصالح المطاعم التي أضحت تعاني كسادا كبيرا بسبب ذلك، فالذين يعانون اليوم، ليسوا فقط دكاكين البقالة، بل حتى المطاعم التي لم تعد قادرة على المقاومة بفعل منافسة الشركات الفرنسية التي تملك الأسواق الممتازة.
ما قاله السيد حفيظ العلمي عن الاستثمار مهم، والمقارنة التي قدمها بشأن واقع الاستثمار التركي في المغرب والجزائر مهم أيضا، ولعلها تبين جزءا من خلفيات الموضوع، فالتوتر مع تركيا لم يتعمق ويشتد إلا بعد زيارة الرئيس أردوغان للجزائر، وبعدما أُقصي المغرب من الحضور لمؤتمر برلين حول المسألة الليبية، لكن لنبتعد عن البعد السياسي، ولنطرح السؤال عن سبب ضعف الاستثمارات التركية، وهل يعود الأمر إلى المغرب، أم يعود إلى توجه استراتيجي تركي.
لا أحب أن أسوق هنا قصة الشكل الذي استُقبِل به الرئيس أردوغان في المغرب، ولا الطريقة المهينة التي جرى بها التعامل مع وفد من المستثمرين الأتراك، فالوضوح يقتضي منا أن نكون صرحاء، فإذا كنا نخاف من الاستثمار التركي في المغرب ونسد الأبواب بطرق لئيمة أحيانا، معللين ذلك بالنفوذ التركي والتوغل الأردوغاني، فلا ينبغي أن نأتي بعد ذلك لنلوم الأتراك على حجم استثماراتهم الضئيلة، فالمغرب هو الذي لا يريد لهذه الاستثمارات أن تكبر.
الوضوح مهم ومرتبط بالجدية: إذا كنا نريد الاستثمارات التركية، فعلينا أن نعامل الأتراك كما نعامل غيرهم من المستثمرين الأجانب، خاصة الفرنسيين، وإذا كان لنا تقدير أن نخاصم تركيا أو نقلص من التعامل التجاري معها، فلنفعل ذلك بوضوح كامل، بعيدا عن توظيف دكاكين البقالة.