لماذا لا تتوقف السعودية – ونحن الذين علقنا آمالا عديدة على الملك سلمان الذي أعلن الحرب على الانقلابيين في اليمن ومن ورائهم إيران ومشروعها الرافضي الذي يهدف إلى سحق ثورات الربيع العربي، ولا تتوقف دولة الإمارات العربية ومن ورائها مملكة البحرين عن كيل التهم المبيتة لقطر؟ وهل اصطفت كل هذه الدول لتنسف وحدة الخليج التي ظلت لسنوات العقد العربي الوحيد المتماسك أمام حالة الترهل العربي الممزقة، فلا الوحدة بين مصر وسوريا دامت، ولا اتحاد المغرب العربي تحقق ولا مشروع مصر والسودان دام أمده، بل أدت كل هذه المشاريع الوحدية إلى تجزئة أكثر ليس فقط على المستوى السياسي بل والجغرافي أيضا (مصر والسودان كنموذج).
وانقلب الجيش (جيش مصر العظيم) الذي تصادف هذه الأيام ذكرى هزيمته النكراء أمام العدو الإسرائيلي سنة 1967 والتي لم يرفع منذ يومها رأسه في معركة مشرفة، (ولا تحدثوني عن حرب 1973) التي لم تكن في واقع الأمر إلا هزيمة أخرى تنضاف إلى سجله البئيس عكس ما يحاول أن يصوره الإعلام المصري الذي ينعدم في معظمه لأدنى شروط المهنية والموضوعية. انقلب الجيش المصري على مشروعية الوطن ليجعل من مصر البلد العربي الأكبر والأهم مجرد أمعاء فارغة تطلب منحة “الرز” الخليجي أو بالأحرى السعودي، وكذلك كل ما تحتاجهمصر من مواد أولية خاصة البترول.
وأمام هذا الترابط العميق الذي يربط بين السيد”الخليج” وعبده أو مولاه “مصر”، كان لابد أن يملي السيد على مولاه ما يشتهي حين يريد ومتى يريد، وما للمولى إلا فم بل أبواق تردد ما يشاء السيد، أو ساعد ينفذ ما شاء من عمل قذر لا يتستر بليل لتنفيذه بل يتبجح بقبح فعلته وصنيعه جهارا نهارا، فـ “اللي اختشوا ماتوا” !
تحشد القاهرة إعلامها منذ سنوات وبطلب مبيت من صاحب الرز وقد انكشفت المؤامرة جلية الآن، تضرب الدوحة فوق الحزام وتحته، وتستل الخناجر لتطعنها صدرا وظهرا غير أنها لم تؤت نتيجة، ويصطف الموعز مع قطر المتآمَر عليها في مواجهة العدو المشترك: النظام السوري المقيت ومن حشد حوله من مرتزقة في سوريا في حرب ضروس لأجل تحرير الشعب السوري من قبضة نار وحديد، وتصطف قطر مع الخليج في حربه ضد الامتداد الإيراني في اليمن، تؤجر فيه مصر عساكرها بـ “الراس” كما أبى إلا أن يصف ذلك قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، ذلك أن حسابات العسكر المصري لم تعد لها علاقة بالاستراتيجية أو التحالف أو المبدأ أو العهد، بل فقط بالمردودية، وقد جعل من “خير أجناد الأرض” مجرد مرتزقة تؤجر خدماتهم -أرواحهم- مقابل “الرز”.
قطر، البلد العربي الوحيد الذي شاهد العالم كله كيف انتقلت فيه السلطة بشكل سلمي وحِبي من أب لابنه (اتفقنا أو اختلفنا مع توريث السلطة)، تنعته الجارة السعودية التي يزكم الدم المتعاقر بين أسرتها الحاكمة الأنوف، وتنعتها البحرين وتنعتها الإمارات التي تحاول الظهور بأكثر من حجمها الجغرافي والسياسي بالإرهاب، أصبحت دولة قطر دولة راعية للإرهاب وكأنها هي من صدرت القاعدة للعالم وربيبتها داعش، وكأن أئمتها هي من ليس لهم هم إلا تكفير هذا وهدر دم ذاك. إرهابية لأنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقيادته الحقيقية وليس الانقلابية في رام الله، قيادته التي رفعت لواء المقاومة في وجه المشروع الصهيوني والتي هزمته رغم انعدامها للإمكانيات في جولات عدة، لم تستطع جيوش هذا المحور مجتمعة أن تصمد أمامه ولو ساعة من ليل أو نهار، ولا أتحدث عن مصر التي لم تعرف ويعرف جيشها غير الهزائم أمام إسرائيل.
مصر تتلقى الصفعة تلو الأخرى في سيناء، واللطمة تلو الأخرى على الحدود الجنوبية، ولا تستطيع أن تولي شطر غزة إلا لتهديد أهلها العزل ومحاصرتهم، غير أن فتوتها تظهر في ليبيا في معارك لا تخصها في شيء، ولا تلوح بغزو غير قطر مستميتة في سبيل “الرز الخليجي” مهما كلفها الأمر حتى وإن كان انقلابها على الجغرافيا بمنحها جزيرتي تيران وصنافير للملك سلمان قربان تبعية له، فالمنقلب لا ينفك من سمته، ولا ينعدل ذيل غدره أبدا.
اكتملت الحلقة إذاً وكاد المخطط يتحقق راكبا على تصريحات ملفقة لحاكم قطر صرح أكثر من مرة أنها لا تخصه ولا تعنيه في شيء، بل أنها نسبت إليه زورا وكذبا بعدما تم اختراق حسابه، والسؤال هو لماذا تصر دول محور الشر على تكذيب حاكم قطر ولا تأخذ تكذيبه لما نسب إليه على محمل موقف الرسمي!!!
الجواب لأنه “في ناس تخاف متختشيش”، والآن وقد دخل سيد المنطقة القديم الذي حكم الحجاز ومصر لقرون من قبل وخبر الكرام فيها وخبر اللئام، كيف سيكون رد مصر ومن ورائها شيوخ الفتنة في كل من السعودية والبحرين والإمارات، وهم الذين عملوا على إطاحة الحكم الشرعي في تركيا من خلال انقلاب أبى الشعب التركي إلا أن يفشله، فالترك ليسوا من نفس طينة الأعراب والعسكر؟
أصحاب البيادة المتعثرة في جثث ضحايا بلدهم المساكين، وأصحاب الفتنة في بيوت حكام كل من السعودية والإمارات والبحرين أدرى بالخازوق التركي، ويعلمون جيدا أنه قد جاء هذه المرة على مقاسهم جدا ومقاس عروشهم المتهلهلة، ولن يضر قطر حصار بري أو جوي أو بحري ما دام الله معها وأحرار هذا العالم.