
أصبح الرهان على الثقافة، ضرورة ملحة في مجتمعاتنا المحاولة للسير في طريق النمو. ففي عام 1993 كتب صمويل هونتيكتن عن صدام الحضارات، وأكد على أن اشتداد الصراعات سيكون مستقبلا حضاريا وثقافيا.
وهذا يحتم علينا محاربة الأمية الفكرية والحرفية، حتى يتسنى لأفراد مجتمعاتنا امتلاك قوة الحياة على جميع الأصعدة، وحتى يمتلكوا أسباب الدفاع عن مجتمعاتهم حالما تعرضت هاته الأخيرة إلى اعتداءات ثقافية، سياسية، اقتصادية، وإرهابية كما يحدث الآن. حينها سيكون المجتمع المثقف قويا وباستطاعته أن يرد على الإعتداءات سواء كانت داخلية أو خارجية.
الرهان على الثقافة، ليس فقط ذا شأن داخلي ضيق، بل له دور كبير أيضا في تبادل الاحترام والتعاون الدوليين.
إننا نراهن على سلوكيات من يعملون في مجال الثقافة كعمل تنموي مستقبلي، ولهذا عليهم أن يتعاملوا في هذا الصدد بامتياز المفكرين الحقيقيين لا الهواة السطحيين، غير المبالين بما هو منوط بهم من مواقف ومسؤوليات. نراهن على تغيير التركيبة الفكرية عند مثقفينا، أي أن يبنوا صرحا ثقافيا معتمدين على مبدأ التنافسية الحقيقية، المؤسسة على قواعد معرفية أصيلة وعلى ابتكار وإبداع الفكر المستقبلي، كما كان يعبر المرحوم المهدي المنجرة في أطروحاته عن الثقافة والمستقبل.
نراهن على مثقفين بأفق واسع في النظرة إلى المجتمع، وبعيدين عن النظرة الشوفينية الضيقة كالاهتمام بالجنس البشري أو العرقي، حتى لا يسقطوا في لعبة الإلهاء التي تريدها بعض اللوبيات الاقتصادية والسياسية.
كما نؤكد على الثقافة الحرة ضد ثقافة الولاءات، كيفما كان نوعها. فقط بهاته الأنماط النسقية نستطيع أن نؤسس لمستقبل متقدم وراق على كل الأصعدة. وهذا ما نبهنا إليه البروفيسور نعوم تشومسكي في مداخلاته الكثيرة على ضرورة الوعي الثقافي ضدا في ثقافة التسطيح خدمة لجهات ولوبيات عديدة.