ــ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
بداية أرحب بالفقيه الشافعي السني الدكتور سمير مراد..
ــ أهلا وسهلا بكم ونسعد بلقائكم إن شاء الله تعالى..
ــ نبدأ بسؤال صريح ومباشر وهو لماذا سمى أصحاب عقيدة التوحيد أنفسهم بالسلفية ؟
ــ بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛
أولا أقول أن التسمية إما أن تكون للتزكية والمدح والثناء المجرد، وهذا لا يجوز لقول الله تبارك وتعالى : ( ولا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)، والصحابة رضي الله عنهم مشوا على ذلك والسلف كذلك فإنهم لا يقبلون المدح من أحد ولا يمدحون أنفسهم، أما قضية إن أريد بالسلفية أو السلفي النسبة وهي قضية لغوية، فنحن نقول أردني لمن هو من الأردن، وأشعري لمن ينتسب إلى الأشعري، فنحن من هذا الباب ننسب أنفسنا إلى السلف رضي الله عنهم وهم القرون الثلاث الأولى المفضلة لقوله صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، ومن هنا نحن ننسب أنفسنا إليهم كتعريف لا كتزكية، والسبب الآخر أنه عندما كثر من ينتسب إلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإلى التابعين ومن بعدهم كان لا بد من التمايز و هو يحصل إما بإشارة وإما بحركة وإما بعمامة وإما بلغة…. ومن التمييز الذي كان يتميز به السلف في السابق إنهم كانوا يسمون بأهل العلم كما سماهم البخاري، وأحياناً بأهل الحديث كما سماهم الإمام أحمد رحمهم الله تعالى،
وعندما صارت التسمية مائعة، وما عاد أتباع السلف يتميزون باسم المحدثين، أو باسم أهل الحديث، أو أهل العلم أو غير ذلك صارت هذه الفرقة وهي الفرقة الناجية فيما نظن ونحسب والله أعلم صاروا إلى التسمية التي سألت عنها السلفيين لأنها تحمل أمرين اثنين..
فنقول: السلفيون يتميزون بالمنهج الغيبي الكلي في ما يتعلق بالعقيدة في الله سبحانه وتعالى، أو بما سيأتي في آخر الزمان من علامات الساعة وغيرها، وهم متفقون في هذا مع غيرهم إلا أن الاختلاف واقع في مسألة العقيدة في الله، والعقيدة في القدر، والعقيدة في الإيمان وغير ذلك من المسائل المعروفة بين السلفيين وغيرهم في مسائل الاعتقاد، وهذا هو المميز الأول، وهم يختلفون فيه عن باقي الفرق، فيختلفون مع فرقة في الأسماء والصفات، ومع فرقة في الصفات وحدها، ومع فرقة في القدر، ومع فرقة في الإيمان، ومع فرقة في الإمامة، ومع فرقة في الخلافة، ومع فرقة في كل هذه العناصر أو أكثرها.
و أما الأمر الثاني والذي يوافقهم فيه كثير من المسلمين فهو المنهج الاستدلالي الكلي، فهم يستدلون كاستدلال كلي بالكتاب والسنة والاجماع، ويخرج عن هذا الخوارج والرافضة.
ــ تحدثت سابقاً عن أمر يتعلق بكفر تارك الصلاة وأنه لا يعطي مبرراً للتكفيريين بأن يحكموا على من لم يحكم بما أنزل الله بالكفر، فهل توضح لنا أسباب انزلاقهم هذا ؟
ــ قبل أن نوضح أسباب الانزلاق أذكر حقيقة القضية وهي أنه يجب أن نفرق بين الإنكار لما شرع الله سبحانه وتعالى، وبين الإقرار بما شرع الله سبحانه وتعالى مع ترك العمل هذه قضية أخرى، ثم هناك تفريق آخر و هو أننا نفرق بين العقيدة وبين التكليف العملي، إن إنكار العقيدة كفر لمن يعلمها طبعاً بشروط معروفة: العلم والقدرة والاختيار، فمن أنكر العقيدة فقد كفر، وأيضاً من أنكر التشريع المتفق عليه أو الضروريات أو الثوابت يكفر، كمن ينكر الصلاة لأنه يرد على الله قوله بهذا الإنكار.
العقيدة لها وجه واحد من التكليف آمنوا بالله ورسوله، إما أن تؤمن وأما أن تكفر، لكن عند القول احكموا بما أنزلت اليكم أو صلوا أو بروا بآبائكم وأمهاتكم فهنا لنا حالان؛ إما أن نقبل الأمر من الله ولا نعمل به، أو نقبله ونعمل به، فما كان له وجه واحد في التشريع لا يساوي ما له وجهان، فما كان له وجه واحد يكفر الشخص بمخالفته لأنه إما مؤمن وإما كافر، وهذا يتعلق بالاعتقاد. وأما التكاليف الشرعية فلأن لها وجهين فلا يكفر التارك لها إلا إذا كان منكراً مع الترك، ولعدم قدرة المكفرين على إدراك هذا الفرق انزلقوا ووقعوا في المحذور، وجعلوا كل الأوامر متساوية في الطلب، وكل المناهي متساوية في الترك، وهذا في حقيقته مذهب الخوارج وإن وافقهم فيه جهلاً بعض المنتسبين إلى دين الله تبارك وتعالى، ولذلك كان من أفهم وأوعى من تكلم في هذه القضايا مصرحاً بها ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد حين قال : وأما الذين كفروا تارك الصلاة فلم يكفروه إلا لأجل بعض الأدلة التي صرحت بالتكفير، يعني ليس لأن ترك الصلاة كفر بل لأن بعض الأدلة تحمل اسم التكفير فأطلقوا عليه حكم الكافر
وقد أطلقوه كليّاً لا حكماً معيناً يعني ما كفروا إنساناً بعينه تاركاً للصلاة، وإنما قالوا من ترك الصلاة فقد كفر، ولهذا نقل ابن قدامة في المغني: الإجماع العملي على أن تارك الصلاة لا يكفر فيرث ويورث ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، والكافر كما هو معلوم لا يفعل معه هذه الأمور.
وأمر آخر وهو أن هؤلاء الذين كفّروا المسلمين بغير حق لم يدركوا حقيقة الأحكام المتعلقة بالأسماء، ومعنى ذلك أن الأحكام التكليفية لا تكون إلا بناء على ألفاظ تحمل معان، وهذه الألفاظ إن دلت على غير المعنى المقصود شرعاً لا تقبل، آتي لك بمثال وأظن أني تفردت بهذا الكلام لم أقرأه لأحد قبلي عندما قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( العهد الذي بيننا و بينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، العهد الذي بيننا وبينهم من هم ؟ المحدثون والشراح قالوا : الكفار واليهود والنصارى، وأنا أقول هذا غير صحيح لأن العهد الذي بيننا وبين هؤلاء هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، إذن فمن يبقى وينطبق عليه قول – العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة – ؟ هو المنافق لذلك أرى أن هذا الدليل خاص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالمنافقون في زمنه لو تركوا الصلاة معه لتبين نفاقهم وكفرهم، ولذا لا يصح أن يقال هم الكافرون. نأتي إلى ألفاظ أخرى مثلاً : ما حكم النياحة ؟
لأدلل لك على الاسم يحمل حكماً لكن قد يصيب الموظف لهذا الحكم وقد يخطئ ولذلك لا بد من أخذ جميع ملابسات النص مع الواقع حتى نصل إلى النتيجة، لأن القضية الحكمية متعلقة بعدة قضايا؛ أولاً : النص، ثانياً : معنى النص، ثالثاً : وظيفة النص أو تأوله وتفسيره، رابعاً : تنزيل النص المسمى عند الفقهاء والأصوليين بتحقيق المناط هل يناسب الواقع أم لا يناسب الواقع، هل يناسب المسألة أم لا…. أقصد لا بد من أخذ جميع الملابسات للوصول إلى الحكم الصواب، فعندما نقول النياحة حرام اتفق العلماء على أن النياحة حرام، لكن اختلفوا هل الاجتماع عند الميت نياحة أم غير نياحة.
نأتي فنوظف النص …النص عندنا : نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن النياحة، هذا هو النص، توظيف النص : هل يناسب المعنى أم لا، ولا يظهر ذلك إلا بتفسير هو تنزيله هل الاجتماع عند الميت يساوي النياحة أم لا يساوي النياحة، عند الشافعي هو في معنى النياحة فيحرم الاجتماع، وفي رواية عن أحمد رحمه الله أنه لا يساوي النياحة فلا ينزل الحكم عليه. فهؤلاء الناس الذين تحدثت عنهم في سؤالك أخطأوا في هذه القضية، عرفوا النص لكن لم يعرفوا توظيفه، لم يعرفوا تأويله، حادوا به عن مساقه، ومن لم يعرف توظيفه وتأويله فقطعاً لن يستطيع أن يعرف تنزيله، ولذلك أخطأوا في كل القضايا ورددنا عليهم في جملة هذه الأمور
وهم وهذه مسألة مهمة لا يفرقون بين الحاكمية التي هي صفة الله وبين الحكم الذي هو صفة العبد المكلف، ومن قارن بين الصفتين فقد جعل العبد إلها ولازم قولهم أن عمر بن الخطاب كافر، لماذا ؟ لأن عمر في قرابة أربعة وعشرين قضية خالف النصوص الشرعية القطعية سأذكر قضية واحدة حتى لا أطيل :
قال الله عز وجل : “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” التوبة (60)
وعمر منع المؤلفة قلوبهم، لماذا ؟ قال لا حاجة، لأن المقصود تأليفهم على العبادة ليقوى دين الله والآن نحن لسنا بحاجة إليهم فلا يكون مخالفاً لدين الله تعالى، لكن على مبدأ من انزلقوا خالف شرع الله لأنهم لا يفرقون بين الحكم التكليفي العام وبين الإفتاء الخاص، بين القضاء وبين الحكم الذي هو سياسة وحكم سلطاني ولذلك جاء الفقهاء وألفوا الأحكام السلطانية لأنهم يدركون الفرق بين الأحكام السلطانية والقضاء والإفتاء والعلم والدعوة.
ــ نريد أن نتكلم الآن عن التكفير والخروج، هل هناك انفصال بينهما من حيث المعنى والتأثير، أم أن التكفير يؤدي لا محالة إلى الخروج؟
ــ التكفير والخروج في الواقع ليس بينهما تلازم، لماذا ؟
لأن هناك من المكفرة لم يخرجوا على الحاكم وهم المعروفون بالخوارج القعدة أي قعدوا عن الخروج على الحاكم، ولهم نماذج في زماننا هذا، وهناك المكفرة الذين خرجوا على الحاكم، قبل أن أذكر سبب الخروج أقول: قضية التكفير في الواقع هي النقطة الجوهرية لأجل الخروج، لماذا ؟
لأن غالب المكفرة يأخذون بمبدأ تغيير المنكر باليد، من باب أن هذا كافر هذا ظالم يجب أن يُخرَج عليه، يجب أن يُغيَّر ليقام حاكم عادل مكانه، وإذا قام حاكم مكانه حكموا عليه فيما بعد بالتكفير وخرجوا عليه، ولا يزال الخروج قائما لأن القائم بالحكم لا يمكن أن يطبق كل ما في الكتب والفكر، لماذا ؟
لأنه سيتصادم مع الواقع، قضية التكفير وعدم التكفير والحكم على أنه مقبول أو غير مقبول قائمة على الواقع، لماذا أقول قائمة على الواقع ؟
لاختلاف الزمان والمكان، وكل حكم تكليفي لا بد أن يتعلق بالحكم الوضعي، لن تجد أبدا حكما تكليفيا غير متعلق بحكم وضعي، كيف ؟ الصلاة لها أسباب وشروط وموانع.
الحكم التكليفي ما هو ؟ الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح.
الصلاة واجبة، الحكم الوضعي سبب شرط مانع، لن تجد صلاة من غير أسباب وشروط وموانع، لن تجد ميراثا من غير أسباب وشروط وموانع، لن تجد جهادا من غير أسباب وشروط وموانع، لن تجد حكما ولا حاكما لا توجد له أسباب وشروط وموانع.
لماذا أقول هذا؟
لأنه لا بد من إطلاق الحكم لما يناسب الزمان والمكان، ولذلك عندما نتكلم عن قضية المهر مثلا نجد أن المهر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصدرا من حياة الصحابة والتابعين كان يدفع مقدما كله، ونادرا جدا يدفع كله مؤخرا لعدم ملكه للزوج، ثم تقادم الزمن كما يقول ابن القيم رحمه الله في أعلام الموقعين: ومع تقادم الزمن اصطلح الناس(حكم عرفي عادي) اصطلح الناس مع تغير الزمان والمكان أن يصبح المهر منقسما إلى قسمين؛ فقسم منه مقدم، وقسم منه مؤخر، وأيضا مع تقادم الزمان صارت المرأة تشاطر الرجل في المهر، وفي بعض الأماكن المرأة هي التي تدفع المهر كله كما في بعض دول إفريقيا.
ما هو السبب؟
السبب هو تغير الزمان والمكان، ربما يسأل سائل: من أين أتيتم بهذا الكلام؟ نقول من قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه رضي الله عنهم: أنتم في زمان لو عملتم بتسعة أعشار ما أومرتم به وتركتم العشر الآخر لهلكتم وسيأتي زمان على الناس لو تركوا تسعة اعشار ما أمروا به وعملوا بالعشر الآخر لنجوا، قالوا لمَ يا رسول الله قال: لأنكم تجدون على الحق أعوانا وهم لا يجدون على الحق أعوانا.
وقوله عليه الصلاة والسلام: “وسيأتي زمان على الناس” يدل على ارتباط الحكم التكليفي بالسبب، فالزمان سبب من أسباب الحكم.
ولو تأملنا الحديث السابق لعرفنا معنى قول العلماء أن من الأحكام ما يتعلق بالعادات والأعراف والسياسة الشرعية التي تتعلق بالمصالح والمفاسد، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: “مقام السياسة الشرعية على تحقيق المصالح ودفع المفاسد” لا بد من ذلك هكذا السياسة الشرعية، ومنها الجهاد في سبيل الله، فكل حكم من السياسة الشرعية أو الأمر والنهي وهو أوسع لم يحقق المصلحة يسقط ولا يعتبر إسقاطه خرما لدين الله كما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى: (فمن لم يستطع عمل الواجب فتركه لا يعد تارك واجب لأن الفعل متعلق بالقدرة والتمكن، ومن فعل الحرام لعدم قدرته إلا على ممارسته لا يعد فاعلا للحرام لأن التكليف متعلق بالقدرة والتمكن والأول غير قادر ولا متمكن والثاني غير قادر ولا متمكن).
هذا هو ابن تيمية الذي قدمه الخوارج والتكفيريون بصورة بشعة جدا. إذاً لا تلازم بين التكفير والخروج، قد يكفر ولا يخرج، وقد يخرج حالة كونه مكفرا والعياذ بالله، والتكفير في نظري ليس أخطر من الخروج، لماذا ؟
لأن قضية التكفير قد تقع من فقيه معتبر، فإسحاق بن راهاويه والإمام أحمد رحمهما الله في الرواية المعتمدة عنده في المذهب يكفر تارك الصلاة ولم نره يخرج أليس كذلك؟
وهناك صور أخرى؛ تارك الزكاة مثلا الإمام أحمد عنده خمس روايات في القضية يكفر تارك الصلاة فإذا صلى ولم يزك يكفره، صلى وزكى ولم يصم يكفره، صلى وزكى وصام ولم يحج يكفره، والرواية الخامسة لا يكفر أحدا من هؤلاء إلا إذا ترك التوحيد.
والرواية الخامسة لا يكفر أحدا من هؤلاء إلا إذا ترك التوحيد المقصود أنه قال بالتكفير ولم يخرج واحد من أتباعه قط، إذن فلا تلازم بين التكفير والخروج، ولكن أي التكفير الذي قد يؤدي إلى الخروج؟ التكفير الذي قد يؤدي إلى الخروج هو الغلو في تكفير الحاكم، هذا الذي قد يؤدي إلى الخروج، ولم نر خروجا إلا بسبب تكفير الحاكم، لماذا؟ قالوا: لأنه لا ينصلح ولا يتوصل إلى الحكمة المرادة إلا بالخروج. و لهذا خرجوا على عثمان رضي الله عنه وخرجوا على علي رضي الله عنه، ولا يزال الخوارج إلى أن تقوم الساعة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في صحيح البخاري: ( لا يزال الخوارج يخرجون فيكم حتى يكون آخرهم مع الدجال) عياذا بالله تعالى، وخطر الخوارج كبير جدا أي الخوارج الذين يخرجون بالسيف يقاتلون الإمام ومن وافقه، ولذلك لا تجد نصا فيه تغليظ العقوبة على شيء بالقتل الجماعي كتغليظ العقوبة على الخوارج، قال صلى الله عليه و سلم: ( لا يزال الخوارج يخرجون فيكم…. وفي نهاية الحديث أمر بقتلهم قال: فاقتلوهم)، يقول العلماء رحمهم الله: وهذا يدل على مشروعية القتل الجماعي في الذي سيئه وسوءه لا يمكن أن يجتث أو يقطع إلا بذلك، ولهذا قال عليه الصلاة و السلام :
يغزو جيش الكعبة يخسف بأولهم و آخرهم (قتل جماعي لهم و هم الخوارج ومن كان على شاكلتهم من الشيعة بأطيافها الرافضة والإسماعيلية والعلوية لماذا كان هذا؟ نص حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري: ( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) وعاد كيف قتلوا؟ قتل جماعي. وهذا القتل الجماعي ما كان إلا في هؤلاء وفي أمثالهم.
نقطة جوهرية جدا وهي أن الأئمة الأربعة رحمهم الله على أن كل خارج على الحاكم فهو خارجي، لماذا أقول هذا؟ لأن من الفقهاء من رأى فرقا بين الخروج على الحاكم غير أمير المؤمنين العام كعثمان فهذا خارجي، و أما الخروج على الولاة المتعددين إن كان عندهم شيء من الحق قال هؤلاء بغاة، والأظهر والأحسن والأصلح والأقوم ما قاله الأئمة الأربعة إن كل خارج على الحاكم فهو خارجي، لماذا؟ لأجل ما قاله العلماء كابن حجر في فتح الباري قال: “فنظرنا إلى الخروج على الحكام فما وجدنا خروجا يأتي بخير” فلا يوجد خروج أتى بخير على أمة الإسلام، ولذا كل من يخرج عندنا على الحاكم المتبع من رعيته ولو في دولة ذات حدود محددة ومعينة يعتبر خارجيا، إذا خرج بالقول أُدّب أو عُزّر بأي طريقة بعد المناظرة والمحاججة، فإذا خرج بالسيف فليس له إلا القتل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لأقتلنهم قتل عاد”، والله أعلم.
_ المنتمون إلى السلفية زورا وبهتانا الذين يشوهون صورتها تجدهم يتبنون أفكارا لا تمت لها بصلة، بل هي مزيج من أفكار حزب التحرير والاشتراكية وغيرها من المذاهب الهدامة، فكيف استطاعت هذه المذاهب أن تخترقهم؟ أم أنهم تعمدوا أن يكونوا هذا الخليط بين عقيدة التوحيد وأفكار التكفير والخروج والثورة ؟
ــ الحقيقة أن الأمرين موجودان، الاختراق الحقيقي موجود من أناس _نحسن الظن ولا نتهم أحدا في نيته _ لكن ظاهر عمله باطل، أرادوا في زعمهم الخير فخلطوا بين التكفير والعقيدة السلفية، وسبب ذلك عدم فهم كلام العلماء السابقين خصوصا ابن تيمية رحمه الله لأن الكل يحمل أقواله لشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن هنا دائما نحذر ونقول: لا يتكلم في دين الله إلا من يفهم دين الله، لأنه قد لا يدرك المطلق من المقيد، ولا العام من الخاص، ولا المشكل من المفسر، ولا المجمل من المبين، قد لا يدرك هذه القضايا فيأخذ النص ثم يفسره بفهمه ثم يحمل دين الله فهمه، هذه جريمة. ومن الناس من جاء إلى كلام ابن تيمية فتعامل معه بنفس التعامل، فأخذ بعض الاطلاقات أو بعض الكلام الذي لم يبين مراده منه رحمه الله إلا في مواطن أخرى فأخذ هذا المقطع على أنه لا يوجد غيره ثم نشره للناس على أنه قول ابن تيمية، مع أنه هو فهمه وقوله شخصيا لا قول ابن تيمية، أو أنه أخطأ في النقل عن ابن تيمية رحمه الله، ولهذا في كل مجال أحاول أن أبين ما أخطئ فيه على شيخ الإسلام رحمه الله ليتبين الصواب للناس.
إذن الاختراق الحقيقي موجود، كيف؟ أنت تعلم أنه في كل طائفة وفي كل فرقة من قد يستغفل، من قد يضحك عليه، من قد يمكن أن يزج إليه شيئا من الكلام فيوهم أنه من كلام أئمته وعلمائه فيحمله ويطير به، ثم يبدأ بنشره على أنه شيخ متبع، ومنهم من يقدم درجة الدكتوراه فيخطئ في فهم كلام ابن تيمية، ولولا أن الله عز وجل منّ عليه وجعل له مشرفا يعي أن ابن تيمية لم يقل بهذا الكلام لخرجت رسالة الدكتوراه وحمل ابن تيمية فهمه هذه جريمة كبرى في الواقع.
وقدم أحد الإخوة رسالة ماجستير إلى الأزهر عنوانها: (الخصومة العلمية ابن تيمية نموذجا)، يقول لي شخصيا: إن هذا الرجل _ابن تيمية _ مظلوم، قلت له لماذا؟ قال: لأنه لم يخاصم أحدا على أرض الواقع، وإنما كان يتناظر مع العلماء برحمة، وأما العوام فما كان يعاملهم إلا بأحسن المعاملة، وخصوماته العامة لا توجد إلا في الكتب و الأوراق. وقال: يتكلمون عليه في قضية الصفات وأنا وقفت على مقولة له: “والله ما خاطبت عاميا في الصفات”، هذا ابن تيمية الذي شُوّه رحمه الله.
إذن هناك اختراق حقيقي إما بسوء نية وإما بحسن نية، وأكثر ما حصل من الاختراق بسبب ثلاث شخصيات: الأولى مجموعة وتنظيم والشخصيات الأخرى أفراد، فأما التنظيم فهو حزب التحرير الذي حمل في تفكيره السياسي الفكر الشيوعي لأنه أصلا شيخه تقي الدين النبهاني بعثي شيوعي سابق، فظلت مخلفات الشيوعية في ذهنه وقلبه وأعطاها الإطار الديني ثم بثها بين الناس وبين المسلمين فحملها السذج وطاروا بها.
الثاني والثالث وهما شخصيات منفردة سيد قطب من الأخوان المسلمين في مصر، وأبو الأعلى المودودي من المنظرين في القارة الهندية، هؤلاء قدموا فكر الخوارج للناس على أنه الفكر السني، والفكر الإسلامي السني بريء من ذلك، هناك أيضا دول اخترقت أفكار الجهلة منا وحملوهم الفكر المسلح فجيشوا أمة من المسلمين بحجة الجهاد في سبيل الله وهم “الرافضة”، الذين يحملون فكرة تصدير الثورة، فإيران صدرت الثورة بحجة الإسلام، والثورة المسلحة بحجة الجهاد في سبيل الله، وإقامة دولة الإسلام والمسلمين. هذا من ناحية الاختراق الحقيقي المقصود من البعض بسوء نية ومن البعض الآخر قد يحصل بحسن نية،
وإما أن هناك أسبابا أخرى جعلت بعض من ينتسب للدعوة السلفية وجعلت الدعوة السلفية رحما ينتج بعض هؤلاء الخوارج، والسلفية منهم براء. حتى لا يفهمني أحد خطأ السلفية بريئة من الطرف الأول ومن الطرف الثاني، لكن هؤلاء هم في الواقع يعتقدون في الغيب العقيدة السلفية يعني هم يعتقدون في الغيب في الأسماء والصفات العقيدة السلفية لكن في الاستدلال وفهم الاستدلال وتنزيل النص هم لا يعرفون منهج أهل السنة والجماعة أو الفقه السني الصحيح في ذلك، لأن الفقه السني يشمل الأشاعرة ويشمل الماتريدية وغيرهم، لأن الفقه لا علاقة له بالعقيدة أرجو التبين والتنبه.
لهذا لا يعرفون الفقه السني الصحيح فحملوا أفكار حزب التحرير، وأفكار الإخوان المسلمين الثورية، وأفكار الخوارج، وأفكار الرافضة بتصدير الثورة، وأفكار غيرهم فظنوها من دين الله ومن الفقه السني، فحملوها على أنها جهاد، ولذلك خرج عندنا من يسمي نفسه بالسلفية الجهادية. وأنا كان لقائي على قناة الحقيقة قديما فقلت للمحاور وهو يعتبر نفسه من السلفية الجهادية، قلت له عفوا ومن قال لك أن الجهاد مقصور على السلفيين، ماذا تقول في صلاح الدين، أشعري صوفي إشراقي، مجاهد أم أنه ليس مجاهدا، مجاهد بل وحقق فتوحات ضخمة للإسلام وللمسلمين.
مراد الأول، ومراد الثاني، وسلاطين الدولة العثمانية كلهم أشاعرة، وصوفية وكانوا مجاهدين. السلاجقة أشاعرة وفيهم شيء من التصوف، وكلهم مجاهدون. المماليك لم يكن منهم سلفي فيما أعلم إلا قطز، وأما بيبرس والآخرون فلم يكونوا أصلا طلاب علم. وطالب العلم الوحيد هو قطز، رحمهم الله جميعا.
بيبرس من أعظم قادة الإسلام، العائلة القلوونية من أعظم قادة الإسلام، وكلهم أشاعرة، وكانوا مجاهدين.
فمن قال لكم أن الجهاد مقصور على السلفيين؟
بل بعض الصوفية في زمن شيخ الإسلام رحمه الله، كانوا من أكبر المجاهدين، وهم من أصحاب الطرق والتحقيق في الطريقة الصوفية، وجاهدوا مع ابن تيمية رحمه الله، في معركة شقحب وغيرها. إذن قصر تسمية الجهاد على السلفيين من الباطل والزور، لأن الجهاد سمة الإسلام وليس سمة فرق الإسلام، ينبغي أن نفرق، مثل الصلاة، لماذا لا تسمون السلفية المصلين، لأنهم يريدون رفع الهمة ورفع الرؤوس، ولذلك داعش لما جاءوا ليضحكوا على المسلمين قالوا: الخلافة أو الدولة الإسلامية. نقول نحن: لا، الخلافة لا تكون في آخر الزمان إلا للمهدي بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز لكم أن تسموها الدولة بـ أل لأن الدولة بـ أل تعني الدولة الكاملة، وأنتم دولة ناقصة هذا لو كنتم دولة، احذفوا الألف واللام واجعلوا التسمية دولة لو قبلناكم، ونحن لا نقبلكم لا جملة ولا تفصيلا. وعليه فإن الاختراق حاصل إما بجهل وإما بغير جهل، ومن أسباب الاختراق وأرجو أن أفهم جيدا من الجميع نبذ التقليد، تكلموا عن التقليد ونبذه، والصحيح هو أن نبذ التقليد هو للأئمة، فالإمام لا يقلد وهذا الكلام ذكره ابن الجوزي وغيره من الأئمة، قالوا إلا إذا عجز عن إيجاد جواب جاز له أن يقلد غيره في مسألة ما، أما ان نقول للعوام انبذوا التقليد، فالعامي لا يعرف معنى النص، لماذا؟ لأن وظيفة المجتهد التي نريد نقل العامي إليها هي وظيفة تحليل النص، ومن يعرف مدلول اللغة العربية يعرف أن هناك فرقا بين تحليل النص، وبين معرفة النص المجرد. العوام مثلا يعرفون معنى قول الله عز وجل “الحمد لله رب العالمين” ولكتهم لا يعرفون معنى ( ال) من كلمة الحمد هنا لا يعرفون ما معناها، لكن الذي يعرف مدلول اللغة العربية يعرف معناها، وكذلك لله، فكيف أقيم العوام مقام الشافعي رحمه الله في وظيفة تحليل النص، هذا لا يمكن، لكن لما فتحنا المجال للحابل والنابل أن يصير مجتهدا خرجوا علينا بأحكام التكفير، وبالأحكام التطرفية، وحكموا في المال والعرض والدم وفي الضروريات الخمس، حكموا فيها وهم لا يزالون صغارا. والواجب أن نعرف قدر العلماء كما أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من التربية والسلوك الحسن الذي يجب أن يتحلى به طالب العلم الشرعي، فبعض السلفيين كانوا سببا من أسباب خروج الخوارج بسبب حجة نبذ التقليد.
إذن فالواجب علينا أن نسارع إلى العلاج، والعلاج هو أن إيجاد حصانتين في المجتمع كله على وجه العموم، وفي السلفيين على وجه الخصوص؛
الحصانة الأولى: حصانة الذات المسلمة أو السلفية في تعليمها المنهج الغيبي والمنهج الاستدلالي ليكون عندها مصدات ودروع لصد الوارد إليها من الثقافات الأخرى، سواء شيوعية أو قومية أو بعثية أو ممن ينتسبون إلى الأحزاب الإسلامية.
الحصانة الثانية: تربية الجيل السلفي على العلم لا على الجهل، لأن أكثرهم _أقصد عامة السلفيين _جهلة لا يختلفون عن العوام بشيء إطلاقا إلا من تولاه الله سبحانه وتعالى، والعلم لا يكون إلا مرحليا منهجيا يمر الطالب في كل العلوم بمراحل مختلفة حتى يصير طالب علم حقيقي، قد يصير مع الأيام عالما، بهذا ننجح.
ومن المقاتل ما ذكره بعض أشياخ السلفية فنحن نعرف أن الناس ينقسمون إلى قسمين: عالم وعامي، قال سبحانه و تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، فإذا بالبعض يقولون ببدعة جديدة وهي أنهم ثلاث طبقات : عالم وطالب علم وعامي، فنسألهم ما وظيفة طالب العلم، قالوا: هو وسيط بين العالم والعامي، هذا كلام باطل، طالب العلم إما عالم من جهة وإما جاهل من جهة، أو هو جاهل أو هو عالم فنرجع الى التصنيف الرباني: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون).
أما وظيفة طالب العلم التي ذكروها التي جعلت من يقرأ كتابا يعد نفسه طالب علم فقد أدت هي ونبذ التقليد إلى عدم اعتداد كثير من هؤلاء بمرجعيات العلم، ولهذا لما تذكر أمام بعضهم عالما لا يتبعه ولا يقلده لأنه يرى عدم جواز التقليد، فإنه يطعن به ولا يقبله. ولهذا في مسائل يقبل الشيخ الألباني رحمه الله، وفي مسائل يقبل الشيخ ابن باز رحمه الله، ولو فحصت أكثر السلفيين لوجدتهم شوكانيين أو حزميين للأسف مع أن الشوكاني زيدي وليس سلفيا، وابن حزم لا يقول بالقياس وأنتم جماعة قياس ولذلك تجد عندهم من التناقض في قضايا الاستدلال الكلي ما لا يعلمه إلا الله.
_ ظاهرة استنفار الكتب الفقهية لاستخراج مسألة ما لم تنتشر بسبب عدم اقتناع العلماء بصحتها ما هي أسبابها ؟
ــ أسباب هذه الظاهرة أحد أمرين: الأمر الأول: حب الظهور، وكما قيل حب الظهور يقصم الظهور، شخص ذكره خامل مع أن مكتبته عامرة بالكتب وبالمخطوطات وله جمهور فخدع بجمهوره فظن نفسه شيخا، لكن ليس عنده شيء يتميز به عن العلماء والمشايخ، فاستخرج مسائل مهملة عند العلماء السابقين رحمهم الله وأراد أن يشهرها مثل مسألة إدخال منظفة الأذنين إلى الأذنين مفطرة، فهذه الفتوى ليست صحيحة.
الأمر الثاني: وهو في نظري أخطر وهو أن هناك بعض المشيخة لم يربوا طلبة العلم على احترام الأئمة والعلماء، واحترام العلم والفتوى التي تصدر منهم، ولهذا يخرج علينا من يقول نحن رجال وهم رجال، آتيك ببعض الأمثلة:
ظاهرة الجمع بين الصلاتين في المطر هي ظاهرة منتشرة جدا وصلت إلى حد التساهل والتسيب والتعدي على شرع الله،
من الذي قال بالجمع بين الصلوات على هذه الصورة؟ الشافعي وأحمد فقط، والمتوسع في الأوقات هو الشافعي (ظهر وعصر ومغرب وعشاء) حتى أنهم قالوا بالجمع بين الجمعة والعصر وهو الراجح، وأحمد مضيق في الأوقات لا يرى الجمع إلا بين المغرب والعشاء لأنه فعل السلف. أما الأعذار فأحمد أوسع فيها فأجاز للفران (الخباز) إذا خاف على العجين أن يجمع، وعليه يقاس الطبيب وغيره، ولكن الشافعي مع كونه الأوسع في الأوقات ويرى الجمع حتى مع الجمعة والعصر ما هو مذهبه في الجمع؟
قال الشافعي: والجمع خلاف الأولى لأنه لم يثبت عن الصحابة فعل ذلك خلاف الأولى، يعني الأولى أنك لا تجمع.
الليث بن سعد عندما خاطب الإمام مالكا في المدينة وذلك في إنكاره على ربيعة بن أبي عبد الرحمن: (ولا يزال أهل الشام على ترك الجمع مع كونهم أكثر مطرا وثلجا منكم أهل المدينة فلماذا تجمع وهم لا يجمعون)، فأنا أقصد أن الطلاب ربوا على استسهال الأمور فاليسر لا يعني التساهل.
فنأخذ الآن مسألة عكسية في نوع من التسيب؛ ماذا تقولون في صيام يوم السبت لغير مناسبة؟ جائز بإجماع ( بإجماع سابق)، أكثر ما قالوا فيه أنه مكروه كراهة تنزيه، فإن كان في مناسبة وسبق بيوم أو أتبع بيوم جائز بلا خلاف، ومنهم من قال حتى التخصيص جائز، فالحديث ليس صحيحا كما قال بعض أهل العلم. ولما جاء الإمام الألباني رحمه الله (هو عالم) وقال يحرم إلا في الفريضة في رمضان أو في قضاء رمضان أو في نذر هذه الفرائض المعروفة، حسنا كلام نحترمه لكن لماذا بعض إخواننا يقاتلون الناس على ذلك مع أنه لم يقل بقول الشيخ رحمه الله عالم ممن سبق لا أقصد أنني أهاجم الشيخ الألباني كما ظن البعض غفر الله لهم، فظاهرة استخراج الفتاوى التي ذكرت ظاهرة يجب أن نحذر ونحذر الناس منها، ولا يمكن علاجها إلا بطلب العلم المنهجي، و إذا ترك الحبل على غاربه كما نرى فإن السلفية لن تزال في تراجع لأنها لم تقدم إلى الآن ما تحتاجه الأمة على طريقة السلف لا أخلاقا و لا علما.
وأكثر شكاية المجتمع من السلفيين شكاية أخلاقية، فأنا أخالفك في الرأي لا بأس ولكن لماذا أتكبر عليك لماذا أسبك وأشتمك؟
فالله عز وجل عندما تكلم في كتابه الكريم تكلم بإجمال، تكلم عن اليهود: {كمثل الحمار يحمل أسفارا} من هم اليهود المذكورون؟ فالله عز وجل لم يذكر أشخاصا والنبي صلى الله عليه وسلم عندما كان يحذر كان يتكلم بالإطلاق ولا بتكلم بالخصوص، فلا يصلح أن نتكلم أو نكتب منكرين على شخص ووصفه بما وصف الله في كتابه، ولذلك لا يمكن أن ينتج العلم إلا إذا اقترن بالتربية، ولهذا رسائل الأنبياء لها جناحان؛ الجناح الأول: التربية والتدين. والجناح الثاني: العلم والتعليم والدعوة العلمية، ولذلك يقول شيخ الإسلام وغيره من أهل العلم: من تعلم ولم يترب يعني لم يتدين لم يتعبد صار أقرب إلى المعتزلة، ومن تدين وتربى وتعبد ولم يتعلم صار أقرب إلى التصوف، وأهل السنة وسط بين هذا وهذا نأخذ من العلم حظنا ونأخذ من التربية والتعبد حظنا أيضا، لماذا؟ قالوا لأن الإنسان فيه شبهة وشهوة، فأما الشبهة فعلاجها العلم، وأما الشهوة فعلاجها العبادة، ولهذا من غلب أحد الأمرين وقع في الأخطاء كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى.
واتفق الجميع على أن فساد التعبد أهون من فساد العلم، لماذا؟ لأن العلم يخيل لصاحبه أنه دين، أما المتعبد فقد يعلم من خلال نصيحة تأتيه أنه على خطأ وجهل فينتقل عنها إلى غيرها، ولذا اتفقوا على أن المأمور به أحب إلى الله من المنهي عنه لأن المأمور به فيه كلفة في الفعل، لأن المأمور به معدوم عندما تفعله توجد معدوما، وأما المنهي عنه فأصله معدوم وإعدام المعدوم سهل، ولذلك رجوا لفاعل الشهوة التوبة، وخافوا على فاعل الشبهة عدم التوبة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا توبة لمبتدع) لأنه يراه دينا فكيف يتوب. وبعض السلفيين في أيامنا هذه يقعون في الشهوات ( لا على التحديد) ويقعون في الشبهات ويسيجون ذلك بسوء الأخلاق.
فنحن وظيفتنا وظيفة ( يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، دعوة يكتنفها جناحان؛ جناح الإصلاح من جهة أي بالتربية والتعبد، وجناح الإصلاح من جهة أخرى أي بالتعليم والدعوة، ومن غير هذا لا يمكن أن نصل ولا يمكن أن نؤثر ولا يمكن أن يكون لنا وجود، ولذلك نحن في بلدان كثيرة الآن بدأنا نصل إلى أمر وهو من الذي يسيطر على الساحة؟ الأشاعرة والصوفية عندهم علم وعندهم تربية وعندهم مرجعية، أما نحن فللأسف طريقتنا في التعليم نبذ المرجعية ومنهم الآن (السلفيون) وللأسف يحتقر بعض العلماء ويرفع بعضهم إلى درجة التعصب في تقليده للأسف هذه نتيجة تربيتنا، ولذلك لما تذكر الشافعي لا يجرؤون على الكلام أو النيل من الشافعي، و لما نقول الشافعية يقولون لك: أصحاب الكتب الصفراء، نحن رجال وهم رجال، وهذا ليس صحيحا، فأين نحن منهم في التربية والأخلاق والتدين والعلم والانتماء الحقيقي إلى دين الله والعلم المنقول عن السلف، فلو قالوا ( أي الشافعية) نحن السلفيون من الناحية العلمية لحق لهم ذلك لأنهم أقرب إلى علم السلف منك إلى علم السلف.
ذ. زيد الطهراوي