حوار مع الشاعرة والناقدة الأردنية الدكتورة جميلة الكجك – ذ. نصر سيوب

0
1899

 

– “مَنْ أكون”؟: هناك أناس يتفتح وعيهم على ما ترفضه عقولهم من واقع يعيشه العالم من حولهم. يهبون أعمارهم عن طيب خاطر من أجل إحداث فرق مهما كان بسيطا. كان هذا هاجس ابنة العشر سنوات وما يزال وقد تعدت الآن الستين من عمرها. سرّع والدها نمو براعم الوعي عندها بالقوة ذاتها التي نما فيها -هذا الوع – قراءات مبكرة لكبار المفكرين، وثقافة حرة من كل قيد. كانت تستوعب القليل آنذاك إلا أن الكثير استقر في فكرها كقاعدة انطلقت من خلالها إلى عالم التخصص في دراسة الفكر في ثوبه اﻷصيل -الفلسفة- بعد أن حالت الظروف دون دراستها للهندسة المعمارية التي كانت عشقها الحقيقي. لم تعمل في حياتها إلا عامين دراسيين في وزارة التربية والتعليم، درّست خلالهما مادة الرياضيات والعلوم العامة للصفوف من اﻷولى ابتدائي وحتى التاسعة؛ بعد حصولها على الشهادة الثانوية مباشرة. ثم تفرغت للدراسة والبحث، ولشؤون أسرتها الصغيرة بعد أن تزوجت. حصلت على الليسانس ودبلوم الدراسات العليا والماجستير، وهي في وقتها الحالي تحضّر لنيل شهادة الدكتوراه. لم تنشر شيئا من أبحاثها بعد، ولكنها تعمل على ذلك. وهي عضو في الجمعية الفلسفية اﻷردنية.

– “التعليــــم”:
* الثانوية العامة: مدرسة زين الشرف؛

* الشهادة الجامعية: درجة الليسانس في الآداب، قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية وعلم النفس -فرع الفلسفة- جامعة بيروت العربية؛
* درجة الدبلوم العام في الدراسات العليا – جامعة القديس يوسف؛

* درجة الماجستير – جامعة القديس يوسف؛
* درجة الدكتوراه -(مرحلة التحضير للرسالة)- جامعة القديس يوسف.
– “الأبحـــــاث” (ولم تنشر أيّا منها بعد):

* بحث في تحليل نص كتاب “فصل المقال” لابن رشد: الفلسفة والمنطق والشريعة – هل أوجب الشرع الفلسفة؟
* بحث في الفلسفة لنيل درجة الدبلوم العام في الدراسات العليا: نقد كتاب: موقف من الميتافيزقيا؛
* بحث مقدم لنيل درجة الماجستير في الفلسفة: المنهجية العقلانية والصوفية في فكر شيخ الأزهر (عبد الحليم محمود)؛
وتقوم الآن أقوم بالتحضير لأطروحتي في الدكتوراه تحت عنوان “النقد في فلسفة زكي نجيب محمود بين النظرية والتطبيق”.

-“الجمع بين الاختصاصات”: بالنسبة لجمعي بين اختصاصات: النقد، والبحث في مجال الفلسفة، والشعر والخاطرة؛ فهذا أمر طبيعي، ذاك أن ذات الإنسان ليست أحادية التكوين الثقافي أو العلمي أو المعرفي. الإنسان بحد ذاته متعدد الجوانب، متنوع الاهتمامات، وليس في ذلك تناقض بل هو محاولة لإثراء هذه الذات. وعلى كلّ هذه الاختصاصات تكمل بعضها البعض. فكتاباتي الوجدانية تحمل طابع فلسفتي الذاتية، والنقد لدي ينطلق من تلك الفلسفة، والفلسفة هي اليوم علم من العلوم، هي علم نقد الفكر أي فكر. ولهذا انصهرت تلك المقومات في أعماق ذاتي لتعطي لشخصيتي طابعها المميز لها. فإن قرأت لي بحثا أو خاطرة شاعرية، أو خاطرة نثرية ستجد سمات شخصية واحدة فيها.

– “كتبي الصادرة”: بالنسبة لكتبي الصادرة لي عن دار النخبة فأقول بداية كان قد صدر لي كتاب في الأردن تحت عنوان “خواطر جميلة”، ضم مجموعة من خواطري التي سطرتها على صفحتي على الفيس، ثم بعد ذلك بعدة شهور صدرت الكتب الثلاثة؛ أولها:
1- ديوان “ليل العاشقين”: وأود أن أقدمه كما قدمه المبدع الشاعر “صبري شاهين” إذ قال مما قال فيه: “عندما تبحر في حروف المبدعة جميلة الكجك ترى الحب بمعناه الحقيقي الفلسفي الشامل.. فالخلق هو الحب، وأينما يتواجد الحب تتواجد الحياة.. وكما قالت هي: فلولا الحب ما أشرقت شمس الحياة ولا أمطرتنا السماء بقطرة ماء. رؤية جمالية تسمو بكل المخلوقات إلى أصل الخلق في ذاته.. يتصاعد فيه المخلوق الأزلي وهو الحب من الذات الجمعية للمخلوقات إلى درجات العشق والقرب من الأصل وهو الخالق، حينها تغتسل المخلوقات من كل الأشرار لتصعد وتسمو.”

2- الكتاب الثاني: “كيف تتحقق المعجزات”: هي قصة معجزة أثمرت ولكن بعد طول كد واجتهاد، تتشابه إلى حد كبير مع قصة إنبات الخيزران الصيني، فكل عمل عظيم يحتاج إلى صبر طويل وعمل دؤوب وآمال لا تنقطع خيوطه مهما طال الانتظار أو تلاشى الحلم خلف غيوم الإحباط والمحبطين.

3- الكتاب الثالث: “الإمام الأكبر، المعقول واللامعقول”: هو بحث منهجي في فكر الشيخ الإمام الأكبر الأسبق للجامع الأزهر -رحمه الله- تناولت فيه كيفية مزج هذا الشيخ بين منهجيتين متقابلتين تمام التقابل (الفلسفة – التصوف).

– “المبدع والمعاناة”: ليس الشعراء فقط هم من يعانون من التشظي والألم والغربة، بل كل مبدع في مجاله، كل مبدع خلاق مبادر بنشر إبداعه أو محاولة الكشف عنه وإظهاره، فالناس في أي مجتمع يرتاحون لما يألفونه ويستصعبون التغيير أو حتى مجرد الاعتراف بالجديد الذي يرونه غريبا غير مألوف. فكل مبدع في مجتمعه غريب وربما يصفونه بالعته والجنون والغرائبية. وربما يظن الناس أن الشاعر بما هو متصل بالشعور والتعبير عنها هو أرق خلق الله وأكثرهم حساسية وقدرة على التعبير عن المشاعر. والحقيقة أن المبدع في أي مجال هو كذلك، فما تقول في الموسيقار أو الرسام أو المغني؟ وأنا أرى أن العالم أو المخترع أو الباحث المبدع هو بذات الحساسية التي يتمتع بها الشاعر، ولذا هو يستشعر ذات الغربة والألم والتشظي فهو غريب في مجتمعه، غريب بين أصدقائه، وقد يكون غريبا بين أهله ذاتهم. وهنا الغربة تكون غربة روحانية إذ يستشعر أنه يعايش من لا يتفهمون احتياجاته الروحانية تلك. لا يستوعبون حالات يمر بها، أو يلزمونه بما لا يود الالتزام به، أو أقله لا يشعر هو بأهميتها. هذا اللاتوافق يؤدي به فيما بعد الى غربة حقيقة قد يعيشها المبدع. حقيقة بالنسبة لي كل ما سبق أعطاني المزيد من الوقت لأنفرد بذاتي وأعمل على الارتقاء بها، لأكون أنا ذاتي دون أن أتأثر بمن هم حولي وأحافظ على أصالتي العميقة كما هي. كل تلك المعاناة في النهاية أعطتني مزيدا من الثقة بالنفس والقدرة على مواجهة المختلف ورفض الذوبان في محيط عام أنا ذاتي أرفضه. كانت ردة فعلي ليس العمل على التماثل بل الإصرار على المضي بعيدا في الاختلاف مهما كان الثمن. وربما أن الحزن منحني مزيدا من رهافة الحس، والقدرة على الإحساس بالآخرين وبخاصة من يمرون بما مررت به حتى نضجت تجربتي نوعا ما. وأما التشظي فقد منحني أن أعيد تركيب ذاتي كما أريد أنا ذاتي.

– “تحفيز الطاقة الإبداعية”: بالنسبة لتحفيز الطاقة الإبداعية لدى المبدع فنحن لا نعلم بالضبط أي العوامل التي قد تحفزه، ويبقى أي حديث في هذا الموضوع إن هو إلا استنتاج من مجريات الأحداث التي يعيشها، يختبرها أو تمر به. فالمبدع لديه حساسية فائقة إلى درجة أن كلمة واحدة قد تدفعه إلى الأمام أميالا وأخرى تقعده مكانه دون حراك، ولذا كان إيمانه بذاته هو أهم العوامل التي تصلب عوده وتمنحه الطاقة للاستمرار. ما قدمه الناقد أيوب صابر حول دور المعاناة في تحفيز الطاقة الإبداعية وجهة نظر تستحق الاهتمام، لكن وجهات النظر في هذا الموضوع عديدة بتعدد النقاد وقدرتهم على التقاط المؤثرات والمحفزات لدى مبدع أو أكثر. ولا شك أن المعاناة متجذرة في حياة كل إنسان، ولذا لن يغيب تأثيرها عن ذات المبدع فقد تلون إبداعه بلون معين أو تعطيه طابعا معينا ما، وقد يعي المبدع هذا الأمر في ذاته وعلى الأغلب لا يدرك حتى يأتي ناقد متمرس فيلتقط تلك المؤثرات ويعلن عنها، ولكنها تبقى اجتهادات. وإن لم نعتبرها كذلك لتَوقّف النقد وتوقف النقاد عن الإبداع في مجالهم.

– “المكوّن الفني نِتاج المكوّن النفسي”: بالتأكيد أن المكون الفني هو نتاج المكون النفسي، ونفس الفنان أو المبدع هي البئر الذي يستنبط منه إبداعه، فكل ما شكل هذه الذات له تأثير مباشر أو غير مباشر على إبداعاته. أما بالنسبة لي فتجربتي ما زالت في بدايتها وعندما تأخذ طابعها المتميز والثابت يمكن للنقاد أن يقولوا كلمتهم فيها. أما أنا فأقول أن تحليلي ونقدي لما قد تراه أنت إبداعا لي، فهذا يحتاج مني دراسة معمقة وهي ممكنة بالطبع.

– “الرقابة الذاتية”: بالطبع أمارس رقابة ذاتية على كتاباتي، لكنها تكون حاضرة في أعماق وعيي وأنا أكتب، ولذا لا أحتاج أن أكتب وأشطب أو أتحايل. ولذا أجد أنني أقول ما أريد أن أقوله ويمكنني الدفاع عنه بكل ثقة.

– “التّقصّد والعفوية في الكتابة”: بكل صراحة عندما أتقصد الكتابة لا تكون بالمستوى ذاته التي تكونه حين تأتيني عفو الخاطر كأنما هي تملى علي، لذا أجدني أسارع إلى تسجيل ما يطرأ لي في ذهني حال وروده وإلا لضاع وانمحت تفاصيله كما تنمحي تفاصيل حلم “منام” إذ نصحو.

– “الشاعر والجنون”: أليس غريبا أن يتهم المبدع عامة أو الشاعر خاصة بالجنون، ثم يتشدق المتشدقون بأنه يعيش غربة وآلاما ونرجسية و.. وهم من يغلفونه بغلالات واحدة بعد أخرى. كيف لمجنون أن يعبر إلى ذاته يستخرج ما في أعماقها بأجمل العبارات أو اللوحات الفنية أو.. ثم هو يقيم هذا الجسر الروحي بينه وبين نفوس الآخرين للدرجة التي يستشعر القارئ كأنما المبدع يقرأ ما في أعماقه هو. بل الشاعر إنسان عاقل إلى الدرجة التي أصبح فيها العقل ذاته شاعرا والعاطفة فيه عاقلة.

– “الجمال في الشعر”: إنني امرأة تحب الجمال، والجمال في الشعر أو الكتابة الأدبية مصدرها الأساسي هو في تلك التشبيهات والاستعارات، كما تستهويني الرموز فهي تضفي عمقا وسحرا على الكتابة فيحلق معها الذهن في فضاءات خيالية ممتدة، يحلق فيها القارئ كيف يشاء حسب ثقافته ومعارفه وقدرات مخيلته.

– “الصعوبات”: حقيقية لم أواجه صعوبة في كوني زوجة وأم وطالبة في وقت واحد، الصعوبة بدأت عندما أصبحت جدة، أخذني أحفادي من دراساتي وأبحاثي كما السحر، وبدأت أهمل العمل فيها، وتحولت إلى سلحفاة تكاد لا تحقق تقدما ملموسا في العمل بهذه الأبحاث. وها أنا أحاول استعادة نشاطي.

فكوني جدة هو من أجمل مراحل حياتي، وهم كما قلت -أي الأحفاد- ذاك السحر الذي أخذني من عالمي الخاص الذاتي الشديد الخصوصية إليه، لكنه جعلني أعيش صراعا حقيقيا بينهم وبين انشغالي بتحقيق ذاتي، ينتصرون هم حينا وتنتصر تطلعاتي وطموحاتي حينا آخر. وحقيقة هما يكادان يتكافآن أهمية بالنسبة إلي ولهذا كان الصراع.

– “الطبيعة”: بالتأكيد أحب الطبيعة والطبيعة البكر بالذات. أحب البحر والصحراء، الجبال والوديان والحقول والبساتين.. أحب التمتع بالنظر إلى كافة مخلوقات الله.  ولو كان لدي وقت لكتبت لك في ذلك شعرا، وكم أتمنى أن تكون حياتي كلها رحلة متواصلة في تلك الأماكن.

– “اللحظات العربية التاريخية والراهنة”: بالتأكيد هذه اللحظات التاريخية العربية والراهنة تطالب بما هو أكثر من موقف شعري وأدبي مني ومن غيري، وأنا أحاول جهدي أن أقوم بدوري ولكن ليس عن طريق الشعر والأدب فقط رغم أني أحاول ذلك من خلال خواطري، إضافة إلى أداة أراها أقدر هي أداة البحث العلمي.

– “أحب التحليق”: وأنا أحلق مع كل كلمة أقولها، أحب التحليق أكثر من الرقص أو المشي، وكم أحب أن يرافقني قارئ كلماتي ذاك التحليق في فضاءات أود أن تكون خاصة بي لم يسبق لغيري أن حلق فيها، وكم أحب أن أطرق المجهول من تلك الفضاءات!

– “هوايتي”: هوايتي التي لا ولن أمل منها هي المطالعة.

– “علاقة الإبداع بالهوية”: إذا علمنا أن هوية الإنسان الثقافية تتشكل من خلال هويته المحلية ممزوجة بكل ما طالع واستقر في أعماقه وما مر به من خبرات وتجارب، وما حصل من علوم ومعارف، وحتى ما عارض ورفض. كل ما سبق له تأثيره على شعره خاصة وكتاباته عامة. فلن تستطيع أن تعزل المبدع عن مكوناته الذاتية، بل إنك تستطيع أن تستشف هويته الذاتية من خلال شعره وكتاباته، كما تستطيع أن تستنتج قيمه ومبادئه، ما يؤمن به، وما يوقره وهكذا إلا إذا كان متصنعا وغالبا لا يكون الشاعر متصنعا بل يقول ما يقوله عن أصالة.

-” ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺸﻌﺮﻳﺔ ﺑﺎﻟﺬﺍتي ﻭﺍﻟﻤﻮﺿﻮعي”: الشاعر وهو يكتب عن مشاعره ويعبر عن ذاتيته بكل الصدق فهو يعبر عن تجربة إنسانية يشترك بها معه كل من مر بها. وهو إذ يتخذ موقفا ما إن هو إلا يسجل مواقف أمثاله منها. وهو أي الشاعر عندما يكتب الشعر فهو يحول الذاتي إلى موضوعي ينفصل عنه انفصالا جزئيا من خلال كينونة القصيدة التي أصبحت هي ذاتها موضوعا له أو لغيره، وهو يهضم الموضوع في ذاته ليتنفسه قصيدة وكذلك الأديب والفنان.

– “وظائف الشعر”: بالتأكيد الشعر هو من الأدوات الثقافية إلى جانب كونه جمالا نتمتع به، وأهم وظائفه هي القدرة على التأثير على قارئه. وأهم تأثير يمكن أن يكون هو أداة تغيير إلى ما نصبو إليه من قيم نود أن تسود في مجتمعاتنا.

– “قصيدة النثر”: الشعر أداة ثقافية مثلها مثل أية أداة ثقافية أخرى تتأثر بالتطور الذي يحدث في الثقافة ذاتها المحلية والعالمية، ونحن لسنا بمعزل عن العالم وخاصة في ظل كل هذا الانفتاح على فضاءات الثقافات قاطبة. والتطور حق مشروع، فإذا ما سادت قصيدة النثر هذا العصر سيادة تقاسم فيها قصيدة الشعر الموزون، وأثبتت جدارتها والتزامها بشروط الشعر كافة إلا الوزن فهذا يدفعنا إلى الاعتراف بها خاصة أنها تؤدي ما عليها من مهام جمالية وثقافية في المجتمع، وقد تتجاوز قصيدة الشعر الموزون أيضا، عندئذ لا يصح الاعتراض عليها.

– “قصيدة العمود”: قصيدة العمود ليست عاجزة عن مواكبة التطور كما يظن البعض لكن الأذواق تغيرت، ولو لم تتغير هذه الأذواق لتطورت قصيدة العمود لتواكب أي تغير يحدث فإرادة التغيير هي الأساس وليست الأداة.

ألم تكن قصيدة العمود قد واكبت سائر الموضوعات الثقافية كافة خلال العصور؟ فلِمَ نتشكك في هذا؟ أليس في عصرنا الحالي قصائد تناولت الموضوعات السياسية؟! فأين نضع أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، ومعروف الرصافي، وجميل صدقي الزهاوي، وعلي محمود طه، وأبو القاسم الشابي، وإبراهيم طوقان، ومحمد مهدي الجواهري وغيرهم؟ المشكلة في الأذواق وليس في القصيدة العمودية.

– “الأوزان الخليلية”: الأوزان الخليلية تقيد الشاعر نوعا ما، والشاعر المتمكن يستطيع التعامل مع هذه الأوزان بكل كفاءة، لكن التطورات التي طرأت مؤخرا على كيفية النظم جعلت كتابة القصيدة أكثر سهولة وأيسر، والنفس الإنسانية ترغب بذلك اليسر وتطلبه خاصة إن كان يواكب ما هو عصري، ويتوافق مع التحديثات التي طرأت على كافة المجالات الأدبية والحياتية، والشعر ليس بمعزل عن واقع الأحداث والناس وأذواقهم.

– “الغثّ أكثر من السمين”: الفن بكافة ألوانه وأشكاله هو جسر يقيمه المبدع بين ثلاثة محاور، نفسه وما يعتمل فيها من مشاعر ومجتمعه وما يجري فيه من أحداث والإبداع الذي ينتجه، فقد يكون الفنان قيمة بحد ذاته فينتج إبداعا متميزا يكون قمة في التعبير كما حدث مع درويش ونزار قباني ومظفر النواب وغيرهم، وقد يهبط إلى ما دون ذلك بكثير. لكن لا يخلو عصر من العصور أو فترة من فترات الزمن من أولئك العمالقة، وفي أيامنا هذه التي نعيشها أقول أن نعم الغث في الأدب أكثر من السمين.

– “تدنيس الثوابت وتمجيد الهامشي”: كيف يمكن أن يجتمع ما هو جميل مع تدنيس الثوابت أو تمجيد الهامشي؟! نحن أمة لها ثوابتها التي إن تم تدنيسها فقد العمل الإبداعي جمالياته، وأهم ثوابتها إيمان بمبادئ ديننا الحنيف وأخلاقيات رسولنا الكريم، وما عدا ذلك يمكننا أن نتعامل معه على أنه من تراث البشر يمكن تعديله أو حتى التخلي عنه إن لم يعد يخدم الإنسان أو يرتقي به.

– “التقليد والتجربة الشخصية”: الشاعر يقدم تجربته هو ومهما كان مقلدا لغيره فلن يقدم إلا تجربته الخاصة كما هي، كما يتمكن من صياغتها لا أكثر ولا أقل.

– “النقد الأدبي”: بالنسبة للنقد الأدبي فأنا أرى أنه لم يتمكن من مواكبة الإبداعات الشعرية الحديثة، فالفكر النقدي هو أضعف إبداعات الثقافة العربية المعاصرة وعلى كافة الأصعدة.

– “أهمية الشعر”: يمكننا اعتبار الشعر من أدوات استشعار لطموحاتنا إلى المستقبل لكنه ليس هو المركز، إذ أرى أن البحث العلمي هو مركز الاستشعار وأداة تحقيق الطموح إلى المستقبل الذي نطمح إليه. لكنه أي الشعر هو بالفعل من أهم ضرورات توازننا الروحي ولكنه يأتي بعد الدين وفهمنا السليم لنصوص هذا الدين وقيمه ومبادئه.

– “وَهَج الشعر ومكانته”: أعتقد أن التحولات الثقافية والمعرفية والتقنية التي هبت على العالم في العقود الأخير لم تنل من الشعر ومن وهجه الساحر، بل بقي له وهجه كما هو، فالشعر حاجة نفسية وثقافية لا يمكن الاستغناء عنها في أي حال من الأحوال، ومهما هيمن غيره من أدوات ثقافية سيحافظ على وجوده وإن بدا تراجعه قليلا عما كان عليه سابقا. وما نرى من شعر ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وشعر يصدر في مطبوعات ورقية يؤكد ما ذهبت إليه.          

– “أزمة الشعر العربي”: كل ما صدر من دراسات عن وجود أزمة في الشعر العربي المعاصر لم تكن بالشمول الذي يمكننا من الحكم، ولا هو بالدقة التي تجعلنا نطمئن لهذه الآراء اطمئنانا تاما. المسألة تحتاج إلى دراسات مطولة وعديدة ليكون الحكم صائبا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here