منذ مدة لم تدخل لصفحتها على الفيسبوك ولم تزر تلك الصالونات الأدبية الإلكترونية التي أصبح مرتادوها يبالغون في مجاملة بعضهم البعض مبدين إعجابهم بالجيد والرديء على قدم المساواة .
أنهت دراستها الجامعية وأصبحت تنتظر كما الجميع فرصة عمل قد تلوح في الأفق..أنهكها الانتظار وأصبحت الأيام تمر دون بارقة أمل والملل يقتل لا محالة ..ينبغي أن تشغل نفسها بشيء ما ..دخلت على صفحتها هذه المرة بنية التسلية والقضاء على الروتين ..فجأة أثار انتباهها مقال لشخص كان قد طلب منها الصداقة مؤخرا وكانت قد قبلته أصلا لما رأت أن اهتماماته كلها أدبية أو اجتماعية .كان المقال يتحدث عن الحيف والظلم الذي لازالت بعض النساء تتعرض له ونحن في القرن الواحد والعشرين.كان الكاتب يدافع عن الجنس الآخر بشكل موضوعي وجاد .لم تقرأ لرجل تأخذه الحمية على النساء قبل ذلك كما يفعل هذا الكاتب.أُعجبت بأفكاره وتحليله ونظرته التي فيها الكثير من التقدير والإعظام للمرأة. قررت أن تكتب له بعض الكلمات تعبر فيها عن إعجابها بما كتب..رد عليها بكل تواضع واحترام فزاد إعجابها به .شيئا فشيئا أصبحا يتحدثان على الخاص ..يناقشان مواضيع مختلفة عن الأدب والسياسة والمجتمع وعن أحلامهما وطموحاتهما في الحياة ..كانا يفكران بنفس الطريقة وينظران إلى الحياة بنفس النظرة ..في يوم من الأيام ،فتحت الميسنجر ووجدت الرسالة التالية:” هل تقبلين الزواج مني؟” ..تفاجأت وابتسمت قليلا ثم ردت عليه :” كيف تطلب الزواج من امرأة لم يسبق لك أن رأيتها ولم تر صورتها وشكلها ولم تسمع حتى صوتها ؟” رد عليها بدوره :” ما أهمية الشكل والصورة بعدما تلاقت أرواحنا وتلاحمت أفكارنا وصارت عقولنا تفكر في نفس الأشياء وقلوبنا تنبض وتنطق بنفس المشاعر والأماني وبعدما أصبحنا مدمنين على قراءة رسالات بعضنا البعض كما ندمن شرب الماء واستنشاق الهواء !”
أقنعها كلامه كما العادة ..أخبرت أسرتها وحددت له موعدا مع أبيها ..أخيرا تعارفا وتلاقت النظرات و تحركت المشاعر أكثر فأكثر ..بعدما تزوجا وأغلقا عليهما باب الغرفة ،قال لها ضاحكا ومبتهجا :” كنت متأكدا أن جمال الروح لا يمكن إلا أن ينعكس على الجسد !”
بعد ذلك بأيام وجدت مليكة وظيفة وارتقى حسن في عمله وأصبح مدير مصلحة ..استبشرت الزوجة خيرا وخاصة بعدما حملت وأوشكت أن تصير أما..
في الأشهر الأولى من الزواج ،كانت حياتهما في منتهى السعادة وكادت مليكة أن تصدق بأنها أسعد امرأة في العالم ،لولا أن شاءت الأقدار غير ذلك..فجأة ،لم يعد حسن ذلك الرجل المثالي الذي كلما دخل بيته قبل زوجته وسألها عن صحتها وصحة الجنين وهرول مسرعا لمساعدتها في شؤون البيت رغبة منه في تخفيف بعض الحمل عنها ،لأنها تشتغل خارج البيت أيضا. أصبح يتذمر باستمرار ويزعم دائما أنه متعب من العمل الذي أثقل كاهله واستنزف كل قواه ..بل أكثر من ذلك لم يعد يتورع في نهر مليكة وكسر خاطرها كلما طلبت منه أن يشاركها مشاهدة فيلم رومنسي كما كانت عادتهما في نهاية كل أسبوع. حاولت الزوجة الصالحة جاهدة أن تستوعب مزاجه السيء وأن تتفهم حالته وأن تجد له الأعذار في كل مرة .لعله فعلا يعاني من كثرة العمل وتراكم الملفات في الإدارة التي يشتغل بها ، لعله يشعر بمسؤولية أكبر بعد معرفته بحمل زوجته المفاجئ ،لعله يحس ببعض الضغوطات المؤقتة التي سوف يتغلب عليها مع الوقت ..فاتحته في الموضوع وطلبت منه أن يشاركها همومه و متاعبه رفض الأمر و أجابها بغلظة شديدة ” وماذا تعرفين أنت عن عملي ؟ لا تتدخلي فيما لايعنيك أحذرك من المحاولة مرة أخرى”
خابت مساعي مليكة في محاولتها اليائسة لتفهم حال زوجها ومساعدته على تجاوزه ..وشيئا فشيئا فقدت حتى الرغبة في التحدث إليه وخاصة بعدما أصبح يتناول الخمور كل ليلة ويعود متأخرا ثم يبدأ بشتمها ومعايرتها بأفظع الألقاب ..
وفي يوم من الأيام لم تتحمل مليكة كل تلك الإهانات فتشاجرت معه محاولة تذكيره بكل ما دار بينهما في الميسنجر ومؤكدة على أنها قبلت الزواج منه لأنها اعتقدت أنه مختلف وأنه يحترم المرأة ويقدرها..لكن للأسف اكتشفت بعد فوات الأوان أنه شخص ماكر وأناني بل ومنحرف ..كشر الرجل عن أنيابه ،ضربها بكل ما في يديه من قوة على بطنها وهي في شهرها التاسع ..انهارت مليكة ،سقطت على الأرض والدماء تسيل كالوادي من تحت ثيابها ..صرخت في وجه حسن للمرة الأخيرة قبل أن تفارق الحياة ” لقد قتلتني وقتلت ابنك!”
يقيم حسن اليوم في مستشفى الأمراض العقلية ولا يتوقف عن ترديد الكلمات التالية: ” الميسنجر،مليكة ،قتلتهما !”