القاعة المستطيلة ذات الجدران الصارمة الخضرة ، تغفو في هدوء عميق ..
هدوء يحول رفة الهواء على حافة الستارة ، عندما فتحت الممرضة النافذة، إلى صفعة مفاجأة بلا سبب وجيه للمكان .
الخضرة الصامتة التي تجثم على الهواء ، تنتقم لغربتها ، ربما، ..
فالطاولة الفولاذية الأنيقة ، و الأثاث الفضي اللامع ، و حتى تلك الشجيرة المصطنعة قرب الباب ، لا يعوضها مجالها الأصلي .. هناك بين حقول السفانا و ضجيج الحيوات المتكاثرة بلا توقف تحت سماء صافية الزرقة .
الستارة يبدو أنها الوحيدة المتعاطفة باستمرار مع هذه الخضرة الصامتة الكئيبة ؛ إذ تقف أزهارها الصفراء بكل وقار و شموخ لتؤلف معها انسجاما مفترضا و ألفة ممكنة ..رغم أنه لا توجد أزهار صفراء بين أعشاب السفانا ، فربما اعتقدت الستارة أن هذه الخضرة مستقاة من غابات الاكوادور _ يا لجهلها الطيب_ .. هذه الخضرة الصامتة الشاحبة لا تحيا إلا تحت شمس حارقة ؛ ولا عتاب على الستائر ، فمعروف أنها تجهل علاقات المناخ بلون الأعشاب ولا دراية لها بالجغرافيا عموما .
الغريب حقا هو تلك الشجيرة الاصطناعية ؛ فرغم عدم أصالتها ، تصر على موقفها اللامبالي المتعجرف ، بل في بعض الأحيان تمعن في التكبر حتى تصبح النقطة الفارقة بالغرفة ، لكن بشكل مزعج للغاية .
.هذه اللوحة المشبعة بالخضرة و الصمت سرعان ما ترتبك و تتوه عن رزانتها الثقيلة كلما اقتحمها الوسيم بابتسامته الصاخبة و ثرثرته الضاحكة ؛ فتتوارى الجدران خحلة و تتخلى الستارة عن وقارها فتقف كالأبله لا تعرف كيف تلملم أزهارها التي تتناثر بلا رغبة منها ..
إلا الشجرة المتعجرفة فتلوي جدعها في محاولة فاشلة للتشبت بلامبالاتها الأثيرة.
و حينها أيضا يتوقف الصمت عن سرد حكاياه الغريبة بباحة نفسي المرهقة !