حين أقرأ أخبار فراعنة هذا الزمان وجنودهم وما يحلُّ بهم من سوء العاقبة والمصير، أعود إلى قصة فرعون وبني إسرائيل، ففي قصته العبرة والموعظة.
بعد أن أرسل الله موسى وأخاه هارون (عليهما السلام) إلى فرعون وقومه فآمن من آمن وكفر من كفر، ثم بدأت بعدها المواجهة بين المؤمنين والكافرين. وحين خرج بنو إسرائيل فارين بدينهم وأرواحهم من فرعون وجنوده تتجلى كثير من العِبر والصور النابضة بالحياة التي لا يحدها عصرٌ ولا يحتويها مكان أو زمان، بل هي لجميع الأمم المؤمنة في مواجهة طواغيتها وفراعنتها وجنودهم.
يقول تعالى عن حال قوم فرعون معه: “فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ”.
ويقول في موضع آخر: “وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ ۖ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ، يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ ۖ وَبِئْسَ الوِرْدُ المَوْرُودُ”.
نلاحظ في هاتين الآيتين الكريمتين أمرين جليين:
الأول: استخفاف الطواغيت بعقول شعوبهم.
الثاني: طاعة الطواغيت واتباع أوامرهم والموت على ملتهم مُوجبة للنار والعياذ بالله.
كثيرا ما أتوجه إلى رأس الهرم فرعون في بحثي الرئيس في قصته، لكني آثرت هذه المرة التوجه إلى جنود فرعون.
يقول تعالى: “إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِين”.
ويقول بعد أن اتَّبعَ فرعون وجنوده بني إسرائيل في المواجهة العسكرية الأخيرة: “فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ، وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى”.
ويقول: “وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ”.
ويقول: “وَاتْرُكِ البَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ”.
نقرأ في الآيتين الأوليتين أن اتباع جنود فرعون له في البحر لم يحصنهم من الغرق والموت على ملة طاغوتهم، وفي الثالثة خصَّ الجند بالذكر فقال “إنهم جند مغرقون”. لا ندري ما حال هؤلاء الجنود أثناء الغرق ولا ندري حالهم قبل الانضمام إلى جيش فرعون، ربما كانوا مضطرين للانخراط في الجيش قد يقول أحدهم، أو ليس لديهم سبيل للعيش إلا بالانضمام إلى جيش فرعون قد يقول ثانٍ، أو كسب الجيش أسهل وأسرع وأكثر لذا انضموا إلى جيش فرعون قد يقول ثالثٍ، أو إن جنود كثيرون بحاجة إلى إعالة أهاليهم وجيش فرعون يُوفِّر الفرصة لهذا قد يقول رابع. وقد يكون لسان حال قوم فرعون المدنيين: “إن جند فرعون يقومون بعمل جليل فهم يحافظون على أمن البلاد والعباد، ويحاربون الخارجين على أمر فرعون الذين يثيرون الفساد ويحرضون الناس على ولي الأمر الشرعي فرعون الإله، فبارك فرعون جنوده الباسلين الساهرين على حمايتنا من المخربين والمندسين”. وهكذا تطول الأعذار والأسباب لانضمام جند فرعون إلى جيشه لكن السؤال هل تنفع هذه الأعذار في الانضمام إلى جيوش الطواغيت والفراعنة؟ هل تنفع هذه الأعذار في قتل النفوس ظُلما وسرقة الأقوات قهرًا واغتصاب الأعراض بغيًا وإذلال الناس بأمر الفراعنة والطواغيت؟
قطعا لا، وهيهات هيهات لمن يفعل هذا أن ينتظر جزاءً غير النار، يقول تعالى: “يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا”.
فيا جند فرعون إن طاعة الله ورسوله أولى من طاعة سادتكم وكبرائكم، فالأولى نهايتها جنة الخلد والأخرى مآلها نار تلظّى.