ثلاث ذبابات في بروكسل، الذبابة الثانية: “شَطّابة” خارج مهنة الشرف – أحمد حضراوي

0
456


الصحافة ليست مجرد مهنة أو وظيفة تؤدَّى مقابل أجر عظم أو هزل، هي أولا رسالة ومبدأ، يتجليان من خلال الكلمة الصادقة التي تنقل الخبر أو المعلومة أو الحقائق، بكل الوسائل المتاحة، التقليدية منها من قلم وحبر وورق وقنوات، أو الحديثة منها كالمواقع الافتراضية.
الصحافة تقتضي الكفاءة أولا ثم اختيار الوسائل التي تساعد في تنوير الآخر، حصافة، شجاعة، خلفية معرفية بالأحداث والأشخاص والمعطيات، ثم قرار داخلي بالقدرة على إطلاق رصاصة اليقين على صدر المشهد، وقرار الضغط على زناد الضمير. فالضمير وحده الإطار الشرعي لهذه المهنة التي تصبح سلطة أولى حقيقية، وقد غدت كذلك في واقعنا المعاصر، فلم تعد السلطة المتقهقرة إلى الصف الرابع.
لكن ماذا حين يكتب من لا ينتمي أصلا إلى أسرة الصحافة؟ هذا ليس إشكالا لأن الكتابة بالأسلوب التقريري تصبح لعبة الكتاب والمثقفين الذين يحسنون صياغة التراكيب وبناء المعاني بل ويتفوقون حتى على أهل المهنة أحيانا وفي جميع أنواع الكتابة الصحفية. وقد أعطت وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب فرصة لكثير كانوا حتى عهد قريب بعيدين عن المهنة، لكنهم أثبتوا ذواتهم بكفاءاتهم أولا، ومن خلال المادة التي قدموها، من خلال وسائل العصر التي جعلت من كثير منهم مهنيين أكثر من أولئك الذين تخرجوا من معاهد الصحافة والإعلام العليا، وأصبحوا مصدرا موثوقا ومهما لكثير من محطات الخبر العالمية. في حين اختار غيرهم المواضيع التافهة أو الخارجة عن الآداب ليس لتحقيق السبق الصحفي بل سبق “البوز” والشهرة بالفضائح ومواضيع الجنس وقذف المحصنين والمحصنات.
وماذا حين يحاول أن يتهجى من لا يمت للصحافة بأي صلة، مستبدلا الريشة بعصا مكنسة والدواة بمقلب قمامة والحبر بقيء نفسه الزاهدة في كل خصلة حميدة، الذي يخرجه من جوفه الهواء إلا من كل برميل ممتلئ تطرفا وحقدا على كل من خالفه الرأي والموقف -ورأيه العناد “تاغنانت” وموقفه العمالة لكل من يدفع-، وحين يصبح نافذة مفتوحة على كل ارتزاق، وبطنا مفتوحا على كل الموائد، فتلك الطامة التي ما بعدها طامة، ليست طامته هو فلا يمكن أن يكون أبدا رقما في معادلة مهما هانت، بل طامة من يحركونه بـ “télé commande”، لأنهم يفضحون سنوات استثمارهم في كفاءات مغاربة العالم، فلم يجدوا حين عسرتهم قلما واحدا يرفع عنهم بعض حملهم، أو مكنسة حقيقة غير مستأجرة تمسح عنهم ما شابهم من أدران.
هنا أفتح قوسا لابد منه، المقال لا ينتقص أبدا من مهنة رفعها الإسلام وجعل ما تقوم به إيمانا، فالنظافة من الإيمان. وأذكر حين كنا طلابا أواخر التسعينات، كانت مهنة التنظيف حلما لكثير من أمثالي حيث كانت تمكننا من متابعة الدراسة والاكتفاء بدخل شهري كاف نسبيا لتغطية مصاريفنا من تسديد لأجرة الكراء والأكل والشرب، بل وأحيانا لدفع ثمن تذكرة سفر لزيارة أهلنا في بعض العطل والمناسبات، وفيما يخصني اشتغلت سنوات دراستي في مطعم على الساحل البلجيكي، تمثلت مهمتي في غسل الصحون والأواني قبل أن أتعلم مهنة الطهي التي فتحت لي آفاقا مهنية أخرى.
ما تعلمته من مهنة تنظيف الصحون والأواني هو أن تغار ذمتي ويغار قلبي من دخول الأواني إلى آلة الغسل الأوتوماتيكي بمخلفات الطعام “الذنوب”، فتخرج من جهتها الأخرى نظيفة بيضاء تسر الناظرين، تلك العملية التي تكررت أمام ناظري فانعكست عليّ كل مرة أكثر وتوسعت في عامة جوارحي التي كانت تنظف مما يعلق بها من ظن بالناس وظن بالتراب وظن بالزمن، وإلا ما فائدة ألا تنعكس عليك مهنتك -ولو المؤقتة- وألا تستفيد منها.
أما أن تصب في داخلك قمامة الشوارع التي تكنسها لتوحي لنا بالمظهر البراق في حين أن باطنك قد أصبح القمامة -والذي سرعان ما ينكشف- مع أول كلمة تتفوه بها، يراكم أسلوب وقذارة الشوارع والساحات حتى تصبح أنت القذارة نفسها، فتلك مصيبة كبرى وطامة أكبر.
ثم لماذا يتبرأ البعض من مهنة شريفة -قلت أنها كان حلم أمثالي في مرحلة معينة- وما زالت مصدر رزق لكثير من الأسر المغربية التي أرفع لها التحية من هذا الموقع، ولماذا يحاول تسويق نفسه للداخل المغربي -على افتراض أن صوته يصل إليه- على أساس كونه صحفيا وهو لم يقم سوى بنشر مقالات قليلة جدا لا تنم لا عن مبنى ولا معنى، بل مجرد تطبيل لجهات مغربية ليس بصفتها كمؤسسات دستورية مغربية ووفق العلاقة التي تربطها بمغاربة العالم كمواطنين، بل تنحصر العلاقة في “ضمان طرف الخبز” لا غير من خلال الاستعداد الطبيعي للانقضاض على كل فرصة أفضل.
هيأة دينية مغربية قد نفتح ملفاتها في فرصة قادمة هنا في بلجيكا تتلاعب بالمال العام المغربي الذي يدفعه المغاربة بكل روح وطنية لصناديق الدولة في إطار العقد الاجتماعي الذي يربطهم بها حبا وكرامة، والذي يحول إلى جمعيات “تمثلها هي ذاتها” تتلقى دعما سنويا يفوق الـ500 ألف يورو، صاحبنا صاحب المكنسة الاستثناء عن مهنة الشرف يتلقى من رئيس تلك “الهيأة الدستورية” حوالي 5000 يورو سنويا، وبشكل رسمي، رغم أن صاحبنا لا يمتلك جمعية مدنية وليس عضوا في تلك الهيأة “الدينية”، وليست لديه أي صفة رسمية أو غير رسمية، فما مبرر تلقيه هذه المبالغ كلها؟ وهذا ما ظهر من الأيسبيرغ، أما الأموال الأخرى التي يتلقاها إما نقدا أو عينا فحدث ولا حرج، إلى ما يستلزم ذلك من تذاكر سفر عبر الطائرة والحجز في الفنادق ذات النجوم المتعددة له ولكل أسرته، والمطاعم والمنتجعات السياحية إلخ إلخ.
سؤال أتوجه به إلى جهات المحاسبة المالية هنا في بلجيكا: هل تعلم بهذا أم لا، وهل يؤدي عن كل تلك المبالغ ضرائب أم لا؟ وبالنسبة للجهات المغربية: ما محل شخص غير مؤهل لا علميا ولا مهنيا ولا ثقافيا، ليصبح ورقة تتلاعب بها عدة هيئات ومجالس ومؤسسات، خاصة لتصفية حساباتها الضيقة مع من “يزعجها” من مغاربة العالم مثلي، وينغص عليها راحة انبطاحها في ملفات فسادها التي تزكم الأنوف؟!
سؤال آخر يلح علينا لنطرحه، ألا وهو كيف تُشغل هيئة دينية شخصا بمثل صفاته “اللاأخلاقية” ولو بشكل غير رسمي، مع ما تعرفه عنه جيدا -وواضح مما ينشره على صفحته في الفايسبوك- من انحطاط أخلاقي سلوكا ولسانا وفكرا رغم الشَّعَرات التي يزين بها وجهه، فإرخاء اللحية وحف الشارب لم يعودا سُنة نبوية محمودة، بل هما مفاتيح “الخير عليه” ومفاتيح الشر على غيره. إذ كيف يعقل أن تدفع هيئة يفترض فيها أن تدافع عن السمت الإسلامي العام بمثل هؤلاء إلى واجهة تصفية حساباتها “المادية الصرفة”، ولو أنها استثمرت في أهل الفكر والتربية والسلوك لوجدتهم في أيام عسرتها، لكنها لم تجد إلا من يورطها في وحل جديد.
يكفي أن يطلع المرء على صفحته ليرى مدى البذاءة في القول، وعبارات الشتم والسب والقذف لكل من لم يكن على هواه، داعية كان أم شاعرا أم كاتبا أو حتى زميل، إذ ما أكثر وشاياته بزملائه في العمل، فقط لأنهم تجرؤوا على الصلاة خفية اثناء ساعات عملهم الذي قد تصادف كنس محيط جامع في “مولامبيك”، والذي قد لا يصادف زمن استراحتهم، ففي نظر صاحبنا، هذه مخالفة كبرى تصلح أن تكون وشاية “سخونة” إلى رئيسه المباشر، الذي لا يتلقى منه امتيازات بل سخرية من قبيل: أنت مسلم، فكيف تشي بصديق لك مسلم اقتطع خمس دقائق من وقت عمله للصلاة، وقد عوضها بعشر دقائق عمل إضافية بعدها؟
هذا عن “إخوته في الإسلام”، فما بالك بمن خالفه في الدين، وخاصة إذا كان على ملة أخرى غير المسيحية، لنقل يهوديا مثلا، واليهودية ليست هي الصهيونية التي يعاديها الكثير من اليهود أنفسهم. فصاحبنا لا يسوؤه أن يستميت في الدفاع عن رئيس الهيئة إياها الذي يحل ضيفا كل مرة سرا وعلنا على جيش الاحتلال الصهيوني ويأتي محملا بحقائب الخيانة والمال، يهبه بعضا من فتاتها لاستمالة موالاته، لكنه لا يتورع في التهجم مثلا على يهود مغاربة مندمجين في المجتمع المغربي والمجتمع البلجيكي، ويمارسون طقوسهم الدينية مثلما مارسها يهود يثرب في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بكل حرية ومواطنة. الرجل يراهم العدو فقط لأنهم اختاروا دينا غير الدين “الذي يدر عليه المال”، ويتصدر الهجوم والتهجم عليهم لتشويه صورة الجالية المغربية في بلجيكا بل والعالم، ولأنه غير متشبع أصلا بقيم الإسلام التي تحث أول ما تحث على حسن المعاملة واحترام الآخر: “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن”. لماذا نفث سموم التطرف التي تؤدي حتما إلى الانتقال إلى الفعل الذي لا يمكن أن يخرج عن دائرة الإرهاب في مثل هذه القضايا الحساسة، خاصة إن تم في بلدية عانت من تهمة الإرهاب في فترة زمنية غير بعيدة هي بلدية “مولامبيك”! وتكفي العودة إلى مواقع إخبارية بلجيكية مشهورة للاطلاع على تفاصيل هذه القضايا وغيرها التي تورط فيها نجم هذه التدوينة لنعرف مستوى من يتهجم علينا بكل قذارة في صفحته، فقط لأنني انتقدت بمعطيات وحقائق دامغة أمين عام مجلس الجالية المغربية في الخارج السيد عبد الله بوصوف.
أن أكتب في إطار النقد الموضوعي عن السيد عبد بوصوف فهذا خط أحمر، لماذا؟ لأن الرجل معين بظهير ملكي. لكن أن يتهجم نفس الشخص الذي ينتقد كتاباتي عن بوصوف، أن يتهجم على رئيس الحكومة المغربية الحالي سعد الدين العثماني

باسمه وصفته، وعلى رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران، وسيدة برلمانية أخرى، في قضية اتفقنا أم اختلفنا معها، بعبارات منحطة وتخوين لا بل وبدعوة صريحة لمحاكمتهم فذلك جائز لصاحبها، ربما لأنه يعتقد أن منصب أمين عام مجلس الجالية أعلى مرتبة من منصب رئيس حكومة، أو فقط لأن أحدهم ابن مدينته والآخر لا، أي أجندة يمكن أن يشتغل عليها من يطلق مثل هذه التصريحات الخطيرة التي تمس بسيادة المغرب وكفاءة أداء حكومته التي عينها الملك إثر استحقاق شعبي، ولماذا يقوم بتصريحاته تلك من خارج الوطن وليس من داخله مثلما يقدمها أي معارض سياسي في إطار قواعد المعارضة السياسية المتعارف عليها، لا قواعد التصريحات الغبية من خارج الحدود والتي لا يمكن أن تكون إلا عمالة لجهة -ما- قد تتبين لاحقا؟
لكن لماذا يستميت في الدفاع عن عبد الله بوصوف تحديدا بنبز “فايسبوكي” رخيص منحط انحطاط أخلاقه التي لا تمت إلى المغاربة بصلة وشخصيتهم الكريمة المتسامحة التي اكتسبوها من تعاليم دينها الحنيف؟ يقول في إحدى تصريحاته الصوتية لمحطة إذاعية محلية أن تهجمي -أنا أحمد حضراوي- على عبد الله بوصوف -هكذا وصَف نقدي له- فقط لأنه ريفي وابن مدينة الناظور، وحسدا مني لأنه شخص ناجح !!!


ما علاقة هذا بذاك؟ وما دخل الانتماء الجهوي أو العرقي في مسألة تتعلق بوظيفة سامية همها الأوحد هو خدمة مصالح مغارب العالم؟ ثم إذا كان المجلس مؤسسة دستورية فهي قائمة على أكتاف مجموعة من الكفاءات والطاقات تنتمي لجغرافية المغرب كله -أو يفترض فيها ذلك-. وأكثر من ذلك هو أني أنا شخصيا قد فتحت عيني في هذه المدينة بالذات -الناظور- وقضيت فيها سنوات عمري الأولى، فيها اشتغل والداي قبل أن ننتقل إلى منطقة أخرى، بل وحاليا يوجد بدائرتها محل لإقامتي بالمغرب، اخترتها تحديدا لما حباها الله به من طبيعة خلابة وشعب كريم طيب مضياف، لم يكتسب من خصاله ومقوماته صاحبنا شيئا للأسف الشديد.
علاقته بالسيد عبد الله بوصوف بكل اختصار هي علاقة مصلحة لا غير، وكأنه يريد أن يتقرب إليه أكثر ليحصل على امتيازات أكثر بتقديم رأسي قربانا له كما قدمت سالومي رأس سيدنا يحيى قربانا على صحن العهر. هو ليس سوى خادم من خدام الجغرافية التي يحتلها ظهر عبد الله بوصوف على كرسي المنصب، فإن مات أو تم استبداله تراه أول من يطأ على ذكراه ليبايع بنفاقه إست الجالس الجديد، لضمان استمرار المنح التي يدرها صاحب المنصب على رعاياه من تذاكر طائرات ودعم مواقع إليكترونية تافهة، ومقابل المقالات التي يكتبها له بين الفينة والأخرى مثل غيره كثير.
يمكن استخلاص مما سبق مجموعة من النقاط:
– عنصر مشبوه يروج خطابا طائفيا عرقيا دينيا متشددا، لا يمكن أن يخلق إلا الكوارث في نسيج مغاربة بلجيكا.
– عنصر لم يستوعب بعد أنه مغربي، فكل اهتمامه منحصر في منطقة معينة، هي أول من تتبرأ من ميولاته القبلية البائدة وتوجهاته الخطيرة.
– عنصر متناقض يحيل مظهره إلى غير مبطنه.
– عدم تورعه عن مهاجمة أي شخص بشكل لا أخلاقي ولو بسبب اختلاف بسيط، مثلما يحصل مع الإعلامي المتخصص في المجال الديني الآن، ولو استطاع أن ينافسه في مجال الدعوة أو الإمامة لفعل لكنه يعلم قدره فلا يستطيع غير كيل الألفاظ النابية.
– عنصر سهل التوظيف في معارك لا يفقه أسبابها ولا مداخلها ولا مخارجها.
– عنصر يتسلق دائما ما يفوق حجمه من قضايا، يعود خائبا كل مرة حين يكتشف حجمه الطبيعي أمامها.
– اجتهاده الديني منحصر في مسألة محددة: “كلوا واشربوا”.
– وجهات نظره: هي فقط السب والقذف والتجريح، مما جر عليه قضايا متعددة أمام المحاكم البلجيكية والمغربية، وسيجر عليه غيرها كثير.
– أفكاره هي فقط السموم التي يبثها بين صفوف الجالية بحثا عن شهرة بأي وسيلة من الوسائل ولو بالنميمة والغيبة والتحامل، فما حل بمكان إلا وتفجرت فيه الصراعات وتصيد العورات، يثبت كل مرة أنه تاجر للفتن بامتياز.
– عدم انتصاره في أي معركة دخلها من قبل، فلم يجنِ إلا خسائر وهزائم متتالية، ويكفي أن نعود إلى رؤساء البلديات الذين يشتغل في إطارها لنتبين أنه بمجرد ما يتم تهديده بالطرد -لزلاته العديدة- يخضع لكل شروطهم حتى لا تصادر مكنسته.
ختاما أقول: مثل هذا الشخص، تجسيد لكل جهل وتعصب وتخلف ووقوف ظاهري عند الانتماءات الضيقة والحسابات القبلية التي لم تعد مكون الدولة المدنية الحديثة التي يسعى المغاربة إلى إسقاط مفهومها على الجميع، فكل مغربي هو قيمة للمغرب سواء كان من الشمال أو الجنوب، عربيا كان أو أمازيغيا -مع استحالة التمييز بينهما واقعا- سوسيا أو ريفيا أو بركانيا أو مراكشيا، مغربي أولا والباقي تفاصيل.
وفي الأخير أتوجه إليه: “إذا استيقظت من غفوتك فلا تغمس فمك في الكلام حتى تمضمضه ثلاثا، فإنك لا تدري أين بات لسانك.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here