لماذا تزامن نشر شريط الفتاة المغتصبة بحافلة بالدار البيضاء من طرف شباب مجرم “مشرمل” مع ذكرى ثورة الملك والشعب بالضبط ولم يسبقه بيوم أو يتعقبه بيوم آخر، أو ربما بلحظات قليلة قبل أن يجلس الملك على عرشه ويلقي خطابه؟ هل لنشر الشريط الفاضح ليس فقط في محتواه بل في مستوى عجز الشارع المغربي خاصة عن تغيير المنكر والاستنكار “ولو بالقلب وذلك اضعف الإيمان” على يد مراهقين!؟ هل ما زال الإسلام السياسي والدواعش وحدهم من يمثل تهديدا للوضع السياسي المغربي والنظام ككل أم أن هناك أطراف (مدنية علمانية معظمها من تركيبة المخزن ذاته) من تشكل الخطورة الأكبر؟ وهل جاء الشريط تنبيها أو ربما تهديدا من طرف ما أو أطراف ما كانت تعتقد أن الخطاب الملكي سيكون موجها إليها ويعنيها بالذات والصفة تماشيا مع خطاب العرش السابق؟
رأينا رأي العين الدور الذي لعبته العصابات الإجرامية المنظمة في إجهاض بعض ثورات ما سمي بالربيع العربي خاصة في من مصر حيث برز “البلطجية” كبديل للجهات التي رأت في وصول الإسلاميين للحكم تهديدا لوجودها ومصالحها واستطاع الاستحواذ على عرش الفراعنة لصالح العسكر الفاسد الذي موله والأجهزة الأمنية الفاسدة التي انضوت تحته، ورأينا نفس الشيء في سوريا حيث لم يمتص ثورة الشارع ضد بشار الأسد بدءا غير الشبيحة، وهي أيضا عصابات إجرامية منظمة نجحت فيما فشلت فيه الأجهزة الأمنية في قمع الشعب السوري بل والجيش السوري ذاته، قبل أن تنضاف إليها ميليشيات الشيعة المتطرفة سواء من داخل سوريا أو لبنان أو خارجهما.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا بزغت فجأة ظاهرة “أصحاب السيوف والسكاكين الطويلة” و”التشرميل” و”الشمكارة” بالمغرب، وتجاوز خطرها إمكانيات السلطات المغربية (أو هكذا يراد لنا أن نفهم!)، في حين أن الأجهزة الأمنية المغربية معروف عنها جدا حسها الأمني وقوة نجاعتها في تفكيك كل خطر يتهدد المغرب حتى قبل اكتمال تآمره، وهذا ما شهدناه ونشهده من تفكيك خلايا عدة لمجموعات مسلحة داعشية وغير داعشية بمجرد ما يصل خطرها جغرافية الوطن أو تنبثق كطرح عنيف في رؤوس فئة ضالة مغربية،بل وتستعين دول بحجم فرنسا بالتجربة المغربية في فك لغز مجموعة من الأعمال الإرهابية في بلدها أو أوروبا عموما، (قضية صلاح عبد السلام مثلا).
هاجم ملك البلاد في خطابه ما قبل الأخير الفساد الذي يعرفه المغرب من رأسه حتى أخمص قدميه ولم يستثن أحدا، ضرب على أيدي الحكومة والوزراء والنواب والمستشارين وكبار الموظفين وأطلق شعار المرحلة القادمة من الحكم: “من لم يستطع تحمل المسؤولية في هذا البلد فهو قابل للتعويض”، بمعنى أن سم الخياط يمكن أن يصبح ممرا لألف مسؤول وليس لجمل واحد فحسب. ولا أنكر أن التشرميل كان موجودا قبل ذلك غير أنه لم يكن مسوقا بمثل هذا الشكل وكل هذه الخطورة التي يبدو عليها أنه يريد أن يكتسح الساحة المغربية خاصة المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، بوجه مكشوف وتسجيلات صوت وصورة تملأ مواقع التواصل الاجتماعي واليوتوب، وكأن لسان حالها يقول: “نحن لا نخشى أحدا”. وممن يمكن لهذه التنظيمات الإجرامية أن تخاف في بلد نخر الفساد كل أجهزته الأمنية والقضائية والإدارية؟
إذا كانت المؤسسة الملكية قد عرفت أن معظم السياسيين والإداريين -أو بمعنى أدق رجال أعمال السياسة ومرتزقوها- قد أصبحوا عبئا عليها وحاجزا بينها وبين الشعب المغلوب على أمره والذي لم يعد يطمح –نظرا لكل هذه المستجدات- إلا في الأمن والاستقرار والعيش الكريم مع عزوفه الشديد عن السياسة لاعتبارات شتى، وعرف هؤلاء بدورهم موقف هذه المؤسسة –القديم الجديد- منهم، فهل يعقل أن يسكتوا وينصاعوا جميعا لها وهو الذين اغتنوا بالمناصب التي تبوؤوها في إطار مشهد سياسي مازالوا يدركون أنهم ليسوا صانعيه وأن المناصب التي يضعون يدهم عليها ليسوا هم الأحق بها وقد أفرز الشعب من هو أولى بها لكنه استبعد!
علينا أن نطرح ألف سؤال وسؤال عن كل هذا المشهد الإجرامي الذي يعم المغرب المختلط بكل ما يؤرق المغرب من ريفه إلى صحرائه! ونطرح سؤالا عمن يقف وراءه، وهل المغرب يعيش حربا باردة بين المؤسسة الملكية وبين مافيا الفساد والسياسة، ما نراه من تجليات حراكات وإجرام إن هي إلا أوراق ضغط منهم عليها، أم أن جيوش “التشرميل” التي تتأسس بشكل خطير ومنظم تؤسَّسُ لأجل تحقيق أجندة سياسية مستقبلية خطيرة يريد بعض “المهددة مصالحهم” منها إقحام المغرب فيها وأمنه واستقراره تحت أي مسمى كان وأي عنوان!!؟
غير أن السؤال الأبرز والصعب طرحه هو: هل سنشهد ثورة ملك وشعب جديدة وقريبة ضد كل هذا “التشرميل” وضد المافيا الواقفة خلفه؟؟؟