“تأملات نقدية في بُنية القصيدة”
قصيدة (أدراج الرياح) إنموذجاً
للشاعر ماهر الأمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أجمل أنواع شعر الغزل هو شعر التخاطب ، لما يتسم به مِن شكوى واعتصار قوي باطنية فيّاضة ، وبيان فضاءات روحية تعكس طبيعة تلك العلاقة من حيث الجذب الوجداني ، والشد الروحي ، وترجمة الأحاسيس .
لذا فليس غريبا أن يتناول شاعرنا (ماهر الأمين) هذا التوظيف الرزين الرصين ليَنظِم قطعة شعرية مسبوكة بعناية وإتقان ، وكعادته لا يزيد عليها ولا ينقص ، بل هي هي ، كما أفرَزَتْها مَلَكَتهٌ الشعرية ، وكما جالَ به خاطره ، دون إجبارٍ أو حلبٍ أو اعتصارٍ بإكراه ، وهذا لَعَمري مِن طباع الشعراء الرواد .
هندسة النظم :
ـــــــــــــــــــــــ
تأملتُ النص فوجدته يقع في أربعة عشر بيتا شعريا ، حيث جعل الشاعر مطلع قصيدته في ثلاثة أبيات شعرية ، والمقطع في ستة أبيات ، وختامها في خمسة أبيات شعرية ، وبهذا تم البناء بأربعة عشر بيتا شعريا مترابطة الأجزاء ، وهذا بناء فاره ماهر ذكيّ .
ــ لنتأمل التوزيع لهيكل القصيدة في الجدول التالي :
المطلع :
1- قالت : أأنت؟! فقلتُ : لستُ بناطقِ === قدرٌ أُحِبُّ وأن يُعَذبَ خافقي
2- أو أن تُعَذّبَ من أحبّت مثلهُ ==== اثنان صارا تحت رحمةِ طارقِ
3- ثقةٌ بعهدي والتزامي نحوها === وأضرّها أملٌ ببحرٍ غارقِ
المقطع :
4- قد كان حلما أن يعانقنا المدى === ونذوق حلوا من رُضابٍ شائقِ
5- قطّعتُ وصلًا واحتملتُ مرارةً === وكتمتُ عنها سِرَّ قلبٍ عاشقِ
6- ومضيتُ أحملُ في الأضالعِ حبّها === نارا وماءً مثل جذوةِ بارقِ
7- الأمرُ أكبرُ من مُحِبٍّ مُبتلَى === أوفى لوجهك كل وعدٍ صادقِ
8- ما ضمّهُ صدرٌ ولا مُدّت لهُ === حُبًّا يدٌ من راحمٍ أو شافقِ
9- حينا يتمتم بالكلام ويكتفي === بالصمت حينا مثل طودٍ وامقِ
الخاتمة:
10- والعيشُ أصعبهُ الحياةُ بذلّةٍ === والأرضُ أضيقُ ما تكونُ بحانقِ
11- ما حيلةُ الإنسانِ في هذا الورى === إن لم تعنْهُ الحادثاتُ بفارقِ
12- عبثٌ وأدراجُ الرياحِ قصائدي === إن لم تسجّلْ ما يجيشُ بخافقي
13- إن لم تُصَوِّرْ في الحياة تجاربي === من سابقٍ فيما مضى أو لاحقِ
14- الناسُ أقدارٌ وتحتَ مشيئةٍ === ومُفارقٌ مَنْ عاشَ غيرَ مُفارقِ
ــ مما تقدَّم ، نجد الشاعر قد كثَّفَ (المطلع) والابتداء بثلاثة أبيات ، ليختصر تقديم القصة والعلاقة الحميمية بين العاشق ومحبوبته ، ثم جعل (المقطع) فضاءً استعراضياً للألم والشكوى في ستة أبيات شعرية ، وهو الهدف المرجو والمراد الذي ينبغي عرضه أمام ذائقة المتلقي ، وبعدها (الختام) بخمسة أبيات شعرية قد استعرضَ فيها العبرة والنصيحة والعِظَة ، وهذه هندسة بنائية عامرة وراسخة . حيث إن التكثيف وحصر النص ضمن مساحته الطبيعية، التي أفرزتها مَلَكَة الشاعر دون زيادة عليها هو المرجو ، فما زاد يُعتَبر تكلّفاً وإرغاماً لِزَجِّ أبيات شعرية أخرى ، وهذا ما لا يوافق التأليف والنظم الرصين ، فهو قد يؤدي إلى اختلاف في طبيعة النسج ، وشرشرة في قوة السبك وضعف في صياغة النظم كونه جاء مُتكلِّفاً ، وكونه لا يمثل درجة الإحساس ورتبة الشعور ذاتها حين وقت قدح المَلَكَة وإفرازها للنص دفعة واحدة .
• دلالة العنوان :
ــــــــــــــــــــــــــ
للعنوان دلالات كثيرة ، فهو مفتاح بيد المتلقي ، يتيح له الاطلاع على البعد الدلالي والرمزي للنص ، ومن هنا نوجّه ونوصي بأهمية سيميائية العنوان لأي نص أدبي .
ــ العنوان (أدراج الرياح)؛ جاء بصيغة المضاف والمضاف إليه ، حيث جاء مُقتَطَعاً من البيت الشعري الثاني عشر :
(عبثٌ وأدراجُ الرياحِ قصائدي === إن لم تسجّلْ ما يجيشُ بخافقي )
والمتتبع للعنوان يجد الشاعر قد جعل من نظمه غاية وهدفا نفسيا كبيرا ، فكل شعره سيكون هدراً في القول والخطاب ولا قيمة له إن لم يكن سِجِلّا حافلاً لما تتحرك به بواعث النفس وخلجاتها ، وما يفرزه القلب من روائع الكلم ، كي يكون نقشاً في ذاكرة التاريخ .
ثم إن هذه العبارة (أدراج الرياح) هي قطعة من مَثَلٍ معروف ( ذهبَ دمهُ أدراج الرياح)، والعبارات الشعرية عندما تكون دارجة ومفهومة ، ومِن وسط الفضاء اللغوي المتعارف عليه ، فهي ستعين على الفصاحة والبيان ، لكن الميزان هو كيفية نسجها ورصفها لتكون شعرا . ولذلك يعتبر العنوان لعبة بيد صاحبه ، يشارك المتلقي فيها ، وعليه إتقانها.
• دلالة القافية :
ــــــــــــــــــــــــــ
القاف (ق) صوتٌ شديدٌ مُقلقل ، والقلقلة عبارة عن تقلقل الصوت عند خروجه ساكنا لتسمع نبرته القوية ، والمبالغة في جهر الصوت . وإن بناء قافية النص على روي القاف يمنحه إيقاعا شديدا قويا حادا ، ليدل على (مقدار الاضطراب والخفقان وجهورة البوح).
يحاول الشاعر أن يجعل بُنية النص منسجمة من حيث اختيار الألفاظ والمعاني وصوت القافية ، فالقافية الذكية لها مدلولاتها المتوافقة مع المعنى ، كي يحدث التوافق والانسجام الذوقي لدى المؤلف والمتلقي ، ومع أن صوت القاف (ق) يعتبر صوتا عنيفاً يستعمل مع الأحداث القوية، مِن تطاحن رماح ، وقعقعة سلاح ، وتخويف وترهيب ؛ إلا أن الشاعر (ماهر الأمين) استطاع أن يبدع بتحويل هذا التوظيف بما يناسب حال قلب العاشق من حيث شدة الاضطراب والخفقان ، وهذا ما دَلَّ عليه البيت الشعري التالي في مطلع النص :
( قالت أأنت؟! فقلتُ لستُ بناطقِ === قدرٌ أُحِبُّ وأن يُعَذبَ خافقي )
والخافق هو القلب المضطرب السريع الخفقان والمنفعل ثائر النبض ، ولذلك نجد الشاعر قد أبان الأمر منذ الوهلة الأولى في ابتداء النص ، فجاء بروي قوي حاد يطرق السمع وهو القاف (ق) وهذا يُحسَب للشاعر . وكان بإمكانه إبدال (خافقي) بـ (قلبي) أو (فؤادي) مع إعادة رصف الألفاظ ونظمها ، إلا أنه عَمَدَ وقصدَ ذلك .
ـ إن الشطر الأول تضمن عبارة (لستُ بناطق) مع أن المعنى منفي، إلا أن الشاعر قد قصد لفظ (ناطق) ولم يأتٍ بلفظ (متكلم) أو غيرها. لذلك عند قراءتنا للقصيدة سنتحسس وقع القافية وكأن الاضطراب والخفقان ملازمان لحال الحبيب في الصور الشعرية كلها .
دلالة اللفظ :
ــــــــــــــــــــ
من مقومات القصيدة هو سبك العبارة وانتقاء ألفاظها بعناية، كي توازي وتنسجم مع معانيها ، وإلا سيكون النظم مجرد رصف ألفاظ شتى لإنشاء جمل وعبارات تنتهي بقافية موحدة ، مع هيكلية قصيدة مُتضعضعة الأركان ضعيفة المبنى .
لذلك ومن خلال متابعتي للشاعر (ماهر الأمين) أجده دائما ينتقي ألفاظه بعناية ودراية كي تشرق عباراته بالمعنى المنسجم البليغ .
ــ لنأخذ مثلاً على ذلك :
• لنتأمل البيت الشعري التالي :
(قالت : أأنت؟! فقلتُ : لستُ بناطقِ === قدرٌ أُحِبُّ وأن يُعَذبَ خافقي)
إن الشطر الأول (قالت : أأنت؟! فقلتُ : لستُ بناطقِ) نجده يحتضن ألفاظاً مترادفة (قالت ، قلتُ ، ناطق) و(القول والنطق) كلاهما يقودان إلى معنى التخاطب بالكلام والصوت ، وهذا ما يتبادر إلى الذهن أساساً . لكن لو تساءلنا :
ــ ألم يكن بمقدور الشاعر أن يستبدل (قالت ، قلتُ) بلفظ مرادف آخر ؟
ــ ألم يكن بمقدور الشاعر أن يستبدل عبارة (لستُ بناطق) بـ (لستُ بقائلٍ) ؟
ــ ألم يكن بمقدور الشاعر أن يستبدل عبارة (لستُ بقائلٍ) بـ (إنني ساكتٌ) ولم يتغير في الوزن شيئا؟
الجواب نعم ؛ يستطيع ذلك ، ولكن هل ينسجم المعنى وهل يؤدي الغرض البليغ ؟
بالتأكيد لا .
فالمتلقي الخبير والمتذوق الحاذق سيدرك ذلك ، وهذا ماسنبينه في الآتي :
ــ إن لفظة (نطق) تختلف دلالتها ومعناها عن لفظة (قول) أو (كلام)، فرغم الترادف الموجود إلا إن لكل لفظ مدلولاته وصورته الذهنية التي تؤدي إليه، فالنطق يمكن أن يكون كلاماً أو غيره.
ـــ القول يخص العاقل وغير العاقل ، وليس شرطاً أن يكون القول كلاماً ، بل يمكن أن يكون (كتابةً ، إشارةً ، رائحةً ، صوتاً )
ـ فالإنسان يمكن أن (يكتب) كلاما كثيرا دون نطق حرف واحد .
ـ ويمكن أن يستخدم (إشارات) معينة للتعبير عن الكلام ، كالإشارة بالنفي والإيجاب ، أو رفع اليد للسلام ، أو الإشارات التي تستخدم في المرور وغيرها الكثير .
ولذلك عندما أرادت سيدتنا (مريم) عليها السلام ، إفهام قومها بأنها صائمة عن الكلام ، ولن تكلم أي بشر، استخدم القرآن لفظة (قالتْ) في الوقت الذي هي لم تتكلم أساساُ بل أشارتْ فقط ، كما في الآية الكريمة التالية :
( فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) مريم: ٢٦ .
ـ وكثير من الحيوانات والحشرات تستخدم (الرائحة) الكيمياوية للتفاهم دون النطق .
ـ و(الأصوات) هي الأخرى مُعبِّرة عن الكلام ، منها صافرات الإنذار مثلا ، ومنبهات المواصلات والأجهزة وغيرها ، حيث نفهم كل شيء بمجرد سماع الصوت .
ـــ الكلام هو ألفاظ ومفردات تخرج من الفم والتي يمكن كتابتها ، ودليله الآية التالية :
( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) آل عمران: ٤٦ .
وهذا دليل على أن الكلام عبارة عن مفردات تخرج من الفم حتى وإن كانت غير مفهومة .
وقد يكون الكلام مكتوبا وغير منطوق ، ودليل ذلك الآية الكريمة التالية :
( مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) النساء: ٤٦.
و(الكَلِم) هو جمع (كلمة)
ومعنى الآية إن اليهود يبدلون كلام الله ، فيغيرون مواضع كلمات ويبدلون بعضها في التوراة ، لتغيير المعنى .
ـــ النطق هو مصدر الصوت المعبر عن القول أو الكلام ، ولذلك لو تأملنا الآية الكريمة التالية :
( قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ) الأنبياء: ٦٣ .
حيث تتضمن الآية قصة سيدنا (إبراهيم) عليه السلام ، حين كلَّم قومه وقال لهم بأن أصنامكم لا(تنطق) أي لا تتكلم ولا تأتي بإشارة أو فعل .
• لنرجع إلى قصد الشاعر في إحضار لفظتي (قالت ، ناطق)؛ فعندما نظم الصورة الشعرية وكأن محبوبته (قالت : أأنتَ ؟!)
(قال: لستُ بناطق)
أي إنه أشار إشارة فهمتها هي بأنه لا يريد الكلام أو القول، أي (ليس بناطق) ، حيث إنه لم يقل ( إنني ساكتٌ) لأن الشاعر يدرك أن (النطق) ضد (الصمت) وليس ضد (السكوت)، لأن السكوت هو التوقف بعد انتهاء الكلام، أما (الصمت) فهو عدم النطق أساساً . فلو قال (إنني ساكتٌ) أي كأنه تحدَّثَ معها ثم توقف عن الكلام ، ) وهنا بالتأكيد سيضيع المعنى البلاغي لهذه الصورة الشعرية ، وهذا نظم ذكيٌ جدا يُحسب للشاعر الماهر (ماهر الأمين).
• خاصية الجذب :
ــــــــــــــــــــــــ
أجمل ما في النص هو هندسة الشاعر لبُنيةِ النص وكيفية ابتدائه ، حيث استحضر خاصية الجذب منذ الوهلة الأولى حين ابتدأ بتساؤل حبيبته التعجبي (قالت: أأنت؟!) ، وفي ذات الشطر يحضر جوابه (فقلتُ : لستُ بناطقِ) وهنا شكَّل أول ركائزه القوية في استقطاب الذائقة في هذا التضاد الرائع ، فلقد نطق بالجواب وأردفه بالنفي بـ (ليس) فهو أراد بعبارة (لستُ بناطقٍ) شيئاً آخر ، وهو إخفاء الكثير من الآهات والشكوى .
• سلاسة التلقي :
ــــــــــــــــــــــ
بعد مطلع النص يبتدأ الشاعر باستعراض المقطع ببيت شعري :
(قد كان حلماً أن يعانقنا المدى === ونذوق حلوا من رُضابٍ شائقِ)
ــ حيث جاء بـ (قد) تلاها فعل ماض (كان) فصارت الفائدة (تحقيقاً) ، أي أن الأمر كان كالحلم الواقع فعلاً . وهذا استعراض متين المعنى ، فلقد بدأ بنظم حشو الذاكرة ، وهذا سياق طبيعي في هكذا نوع من الشعر ، حيث ابتعد عن التصنّع والتكلّف والغلو في استحضار الخطاب ، ورَصفَ مفردات وألفاظاً فصيحة واضحة المعاني ، ولذلك جاء النظم سلس التلقي .
• قوة الإخبار :
ـــــــــــــــــــــــــــ
إن حضور الصورة الشعرية وهي تحتضن الفعل الماضي تكون أقوى وأصلح في بناء الخبر ، لأن الشاعر أراد إخبار المتلقي بأن الحدث قد (مضى) ، وبهذا صار الغرض هو الإخبار لا غير ، فالفكرة كلها ترتكز على الذاكرة ، وهنا موطن ومحطة قوة ومتانة .
ــ ولذلك نجد الشاعر الكبير (لسان الدين بن الخطيب) قد ابتدأ موشحته الأندلسية بالإخبار بالماضي (جادكَ) كونه أشد قوة من إخبار زمن فعل آخر وكما يقول :
(جادكَ الغيـثُ إذا الغيـثُ همـى === يا زمان الوصلِ بالأنـدلـسِ)
ــ وبعدها تحوّلَ للنظم بالزمن المضارع (يكنْ) لإكمال الصورة الشعرية :
(لـم يكـنْ وصـلـكَ إلا حلـمـاً === في الكرى أو خلسـة المُختلـسِ)
ــ وكلما أراد الشاعر (لسان الدين بن الخطيب) بناء فكرة أخرى وصورة شعرية جديدة يبتدأ الإخبار بالزمن الماضي، لشدته وثباته الخبري ، كونه حدثٌا قد وقع فعلا ولا تحيط به احتمالية .
• الـدلالات :
ـــــــــــــــــــ
معظم جسد المقطع تَضمَّنَ عناصر الشكوى، وبث روح الألم والمعاناة على مساحة فضاء ستة أبيات شعرية ، حيث تتابعتْ الألفاظ التي عكستْ مدلولاتها خدمةً لبناء الصورة الذهنية ، كي تصبح معطيات ومجموعة أفكار للانطلاق ، لخدمة هدف النص وفكرته ، كالألفاظ في العبارات التالية :
(احتملتُ مرارةً ، نارا وماءً ، مُحِبٍّ مُبتلَى ، يتمتم بالكلام ويكتفي بالصمت حينا )
والتي عكسَتْ مقدار الألم المكبوت داخل الذات .
ـ لنتأمل الجدول الآتي لمعرفة دلالات بعض الألفاظ التي رصفها الشاعر بمهارة وإتقان :
اللفظ دلالة المعنى المقصود
يعذَبُ : استمرارية الألم.
خافقي : اسم فاعل يدل على ثبوت قلب العاشق الخافق والمضطرب باستمرار.
غارق : اسم فاعل يدل على ثبوت الغوص في الأمر.
رُضاب : اسم يدل على عذوب الريق.
شائق : اسم فاعل يدل على ثبات نزوع النفس وشدة الشوق إلى الحبيب.
احتملتُ : فعل التصبر والتجلد لما مضى من حال.
مرارة : الشعور بالغصَّة والألم.
قلبٍ
عاشق
نار وماء : تضاد اشتعال وانطفاء.
مُحِب : متعلق بولَهٍ وشغف ، وهو صيغة اسم فاعل يدل على الثبوت.
مُبتلى : اسم مفعول يدل على الوصف ، وهو اختبار وامتحان مدى تحمل الذات لهذا الشأن.
يتمتم بالكلام : حدث مستمر واقع ولم ينقطع ، صورة شعرية لحالة ضعف شعوري ، وهي التلكوء بالكلام والتعثر باللفظ.
يكتفي بالصمت : حدثٌ واقع مستمر ولم ينقطع، صورة شعرية مرافقة ومُكمِّلة لما قبلها ، وهي استغناء الشاعر عن النطق واقتناعه بالسكوت .
كل هذه الدلالات والمعطيات أحدثتْ تفاعلات ذاتية للانطلاق نحو صميم الفكرة أو الهدف المنشود .
• انتقال الأفكار :
ــــــــــــــــــــــ
بعد اكتفاء الشاعر من استعراضه لصورهِ الشعرية ؛ تَجهَّزَ للانتقال إلى خاتمة النص ، وهذه الانتقالات تُعد مِن أهم الجوانب الواجب رعايتها من قبل الشعراء ، فهي يجب أن لا تُحدِث تنافرا مع ما قبلها ومع ما بعدها من نظم ، ولا تعارضاً في المعنى ، لذا ؛ فالناظم الشاطر هو مَن يأتي بانتقال سَلسٍ متدرج الورود إلى ذهن المتلقي ، وهذا ما فعله شاعرنا (ماهر الأمين) فبعد الانتهاء من استعراض مقطع النص بآخر بيت شعري :
(حينا يتمتم بالكلام ويكتفي === بالصمت حينا مثل طودٍ وامقِ)
نجده قد انتقل إلى أول الختام والذي نظمه بخمسة أبيات رائعة ، فجاء الانتقال السلس بهذا البيت الشعري ، والذي جاء كأنه يجري مجرى الأمثال والحكمة :
(والعيشُ أصعبهُ الحياةُ بذلّةٍ === والأرضُ أضيقُ ما تكونُ بحانقِ)
البيت الشعري تضمن رفض فكرة عيش الحياة بضيق ومذلة ، وهو تصوير بارع شامل لما تقدم من معاناة عشق وعذاب غرام ، فالراصد لإحداثيات الانتقال من المقطع إلى الختام يجد عذوبة وانسجام في المعنى ، وعدم حدوث طفرة مفاجئة للأفكار مما يشكل تنافرا ذوقيا لدى المتلقي .
• الاستفهام الذكي :
ـــــــــــــــــــــــــــــ
جاء الشاعر باستفهام متحير ، مستفهما بـ (ما) في البيت الشعري التالي :
(ما حيلةُ الإنسانِ في هذا الورى === إن لم تعنْهُ الحادثاتُ بفارقِ)
هذا الاستفهام هو نسج ذكي ، فهو من أروع الأساليب الشعرية وأكثرها تفاعلا مع ذائقة المتلقي ، فما دام الخطاب استفهامي ؛ إذا لا بد للجواب أن يكون حاضراً في عقل المتلقي بعد ربطه بما تقدم من معان في (مطلع النص ومقطعه) .
الجمال في هذا الاستفهام هو كونه لا يخص الشاعر ، بل تعمَّدَ شاعرنا القصدية في إعلام المتلقي بها .
• إحداثيات الخاتمة :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمضي الشاعر قُدماً في هندسة بُنية النص من خلال ضبط إحداثيات الخاتمة ، فما زال ينفث بروائع النظم ورصف الألفاظ السلسة والمعاني المناسبة في أبيات محشوّة داخل صور شعرية غاية في الدقّة وروعة الانسجام ، وكأنها سلال حكمة وفوائد وموعظات … منها:
إن لم تُصَوِّرْ في الحياة تجاربي === من سابقٍ فيما مضى أو لاحقِ
الناسُ أقدارٌ وتحتَ مشيئةٍ === ومُفارقٌ مَنْ عاشَ غيرَ مُفارقِ
• بُنيَة القصيدة :
ـــــــــــــــــــــ
إن بنية القصيدة كبنية الجسم الذي تكون أجزاؤه مركبة يعين بعضها بعضا ، لتكوّن في النتيجة جسداً متعافياً يسرّ الناظرين ، ويدل على وحدة الانسجام البعيد عن النشاز.
وهكذا جسد القصيدة يجب أن يكون من بداية مطلعه حتى آخر ختامه، متجانسا متوافقا نحتا ونظما ونسجا ورصفا بما ينسجم مع الفكرة والهدف ، دون نفور بين أجزائه أو تقاطع بين أفكاره أومطبّات بين تنقلاته ، وبهذا يكون الشاعر مهندسا رائدا في نظم الشعر ، وبنّاءً مجتهدا في إقامة الدعائم بما يطابق الإحداثيات .