3
“بيروت؛ عيون القلب”
كيف سأكتب عن بهائك أيتّها العروس الحسناء، ولم أزرك يومًا، المدن الجميلة لا تحتاج أن تطأ أقدامنا ترابها كي نرسم معالم جمالها، الصّبية المختالة بزرقة البحر وعراقة التاريخ ومعالم الحضارة ترقد في قلوبنا منذ دهر وأكثر، فنراها بهيّة بطلّة الشّمس.
لعلّي أطلّ عليك من قلب ينبض في قلبي رغم الغياب، والدي الّذي ما فتئ يومًا عن قصّ ذكريات شبابه في المدينة الّتي احتضنته طالًبا في إحدى كلّياتها، رأيتك بتوق عينيه إلى أشجارك الباسقة وحواريك الموشومة بخطوات العاشقين، رأيت سماءك المزدانة بنجوم الحريّة حينما كان يحدّثني عن أجنحة الطّيور المحلّقة في فضائها.
وها أنذا أراك اليوم في بهجة عيون صديقتي الّتي أمسكت بيدي حينما تَعثَّرْت بضيق الغربة، أراك في ورودها المغروزة في حديقتي، المروية بيديّ البيروتيّة الحسناء.
في مرافئ السّلام، يدوي الانفجار، تتناثر الجثث، تتساقط المباني؛ وعلى مقربة منها تلتقط العروس أنفاسها الأخيرة.
أيها الطّغاة، أيّها المغتالون، دعوا البسمة البريئة تنتشر في الفضاء، دعوا الحمام يغرّد فوق شواطئ الحبّ، دعوا الورود تتمايل بين أيدي العاشقين، دعوا الياسمين يتسلق جدران الأمل.
بيروت تنادي بأغنية مخنوقة؛ يا خناجر الغدر كفّي، اتركي الشعوب عاشقة الحياة تتنفّس ذرّات الحريّة، بعيدًا عن طائفيّتك المقيتة. دعي الجذور تتّحد لتورق أشجار الأرز بسلام.
ستنهضين ثانية يا بيروت؛ عروسًا تتمايل بعنفوان، ستكسرين كلّ نابٍ حاول غرز سمومه في غصنك الطريّ.
سنراك يا جميلة العواصم، وعنوان الحضارة والتّراث، وأيقونة الحريّة والسّلام، وأنت تقفين منتصبة القامة، تحملين بقبضتك أغصان النّصر والقوّة والسّلام كما عهدناك دومًا؛ فلا الحرائق ولا الزّلازل، ولا الحروب ولا الطّائفية استطاعت يومًا أن تحني ظهرك المرفوع. وسنشدو لك جميعًا بكلّ فخر واعتزاز بأوتارٍ فيروزيّة شامخة ” لبيروت من قلوبنا سلام”.