على كرسي جلدي مريح، جلست أنتظر، أنتظر، أنتظر.. أدركت لتوي أن التغير قد حدث فعلا. سابقا كنا ننتظر على كراسي خشبية معذبة، أما الآن فإننا ننتظر على كراسي جلدية مريحة. قبالتي على حائط قاعة الإنتظار هذه، آية قرأنية مكتوبة بخط جميل: “إن مع العسر يسرا”. ثمة آيات تستدعيني دائما للتفكير. ومن أروع السور التي أحب سماعها سورة التكوير. “إذا الصحف نشرت..”. ماذا لو تنشر صحفنا، تفشى أسرارنا. تعلن أخطاؤنا وخطايانا.. ؟ ماذا لو تفضح نوايانا الخبيثة، ونزعاتنا الشريرة؟ ماذا يفعل الآن ذلك المسؤول الذي أنتظره هنا، وراء ذلك الباب المغلق؟ وفيم يفكر؟ هل يفكر فعلا في مصلحة المواطنين كما يقول، أم أنه كاره لهم ويتمنى لهم الموت على عجل ليرتاح من ملفاتهم ومشاكلهم التي لا تنقطع؟! وهل يمكن اعتبار هؤلاء المنتظرين مواطنين؟ كل واحد يحمل بين يديه رزمة أوراق محفوظة داخل ملف يمسكه بيديه وكأنه ممسك بكنز ثمين. ينتظر دوره في الدخول. حتى إذا دخل خرج بعد برهة متمتما عبارات السخط وعدم الرضا.
جاء رجل يبدو من هيئته مواطنا أفضل منا، فتح باب المكتب ودخل. أطل علينا المسؤول الذي خارت قوانا بانتظارنا للدخول إليه، وقال بلهجة آمرة: “سيروا.. أرجعوا منبعد!..”. وأغلق بابه في وجوهنا. أدركت أننا لسنا مواطنين. تحسست الكرسي الجلدي، إنه مريح فعلا .