الهندي العربي أنا – محمد كنوف

0
772

أنا رجل من سلالات الشجيرات،
من إبر الحلفاء،
ومن قصب الوقت والثلج،
واحد من الكنانة، أعمى قليلا،
وأرعن كلما نادته اليمامة.
الهندي أنا من فستقة الصحراء
ظل على جمل، وزقورة في
أصبع قدم يهش على كف سفرجلة.
أتابع طريقا تخسر نخيلها كله،
وتخسر
حديقة الليمون والمشمش،
من عب وهب نهر الأرض على ساعدي كان لي
أراه، في النشيد المعد للخيول،
السامق في أعناق المعلقات.
أنا الهندي العربي،
كرة الثلج والنار، صوت الزلزلة التي خطفت
جنتها من سلاسل الحوذي ليلا.
أنا هو أيضا كما ولدت
على الصحراء التي أعرفها كظلي، كحبة العرق
التي بين نهدي حبيبتي التي في بلغتي.
البحر حافة عيني، والملح سادن الوقت الأعمى،
لا أبصر غير النخلة فوق بركة الزيت،
رأيتها يا الأشقر وأطلت لسان اللصوص الى
كبدي.
ها أنا،
أنهيت كل قصائدي في عين الحمأة،
علقت هذا الصوت الليلي على خاصرة حزني وانثنيت
سقطا باقرا معدن اشعاري، وقلت ما
يجول وما يحول في شعبي جمرا ينخل
فرح السوسنات، بغرابيل هذا الحزن.
أنا الهندي بلا خيول، تصهل، بلا عنقاء
تنهض من دمي الرماد، بلا مسدسات
وأنا تفاوضي الثقيل بيني
وبين الصحراء، تعبت من
رحيل الشجرات في الروح،
وتعبت من صمت الغزالة ومن
فاكهتي الحزينة
***
لم يبق لي سوى قهوتي،
سمائي الواقفة
فوق رأسي، وحليب حصاني.
لم يبق لي سوى يأسي من قصيدتي الجديدة
كلامي المبعثر على مرمر
الصنوبرة ونخلتي..
لم يبق لي سوى لساني الطري
يخطب قلب الغزالة للروح
ويدون لنهدها ما شاء الشعر
أن ينز،
ما شاء الوحي الضوء والناي..
لم يبق لي سوى الخطوة الوحيدة
عن رحيلي السريع في غيمتي،
سوى شبق خفيف لصمتي،
وليأسي مني ومن كلامي
عن أرضي وعن زماني .
أنا الهندي الجديد في رؤاي.
باب للريح، نوافذ للخيانة تحت سريري
سجادة لصلاة الغائب
رمح كسرته يد الطاعون،
كتاب بلا تراتيل أقرأها وأعيدها لسمائي،
كتائب للموت المكيدة،
وأنا المؤجل في الرايات وأوطاني.
من عرش نبوخذ إلى سراي كلكامش الحديث
ضعت وضاع نشيدي، وانكسرت كل الاسطورة
تهت في عيني المالحة،
كسرتني بلاد وقبرة وحربي
الجارحة.
ونزعت من صدري دفاتر الرواية،
وانكسرت يا أنا العربية، انكسرت جراري
التي عمرها الوحي بالنحل والرحمن
انكسرت في أناي.
***
الآن أمسا وغدا، وبعد هذا الوحل،
لا استطيع غنائي عن غيمتي،
لا قلب لي للنشيد الآن، لا روح لروحها، لا وتر للكنمجة، وصل الآن
تاريخي المكثف من مهده لعربات الجنازات، عبثا
هذا المنفى في عيني ،عبثا ما يدون الغزاة ببنادقهم،
ولا وطن في صحرائي، لا شجر يعوي في الريح ولا فاكهة.
لا قلب للموت، علا الرصاص، وماتت البرتقالة
أي قلب لي، سأبكي الآن، ليس لي كل
هذا الدم والنهر وليس لي الفراشات ولا
السنونوة تعيدني لأيامي.
القاتلون يظهرون في شارعي، وفي منامي الخفيف ليس لي جسد هنا،
في الروح عبث للحب عبث.
عبث يضحك
ولي قصائد تركض في الرماد، تتركتني وحيدا
في النبيذ وحدي أغرق في صوتي وفي رخامي.
يا حبيبتي، ما الوقت الآن كي ندق مرض الحب بأصابعنا؟
ما القطن وما الخاتم اللازوردي الذي صنعنا؟
كلام ينقصنا من ظلنا والهواء شاهد على
انكساري فيك: حبيبتي، أرضي أنت وأنت هذا الجمر الوطني
انكسري في انكسار الكمنجات، في وفي الرحيل.
***

جسمي كوة البحر، يعيرني جرحا للملح،
ماتت أمنيتي، وفي يدها لعبتها، مات جاري
ولا وطن حر يطير حولي. قالت صديقتي
التي هاجرت إلى كندا.
ظل الأرض خفيف على هذا النشيد يا رقصتي، لتقتليني يا حبيبتي في هذا
المنفى الحبقي. يقول شاعر يخيم
في الرمان، وفي دمه المالح.
كل شيء حجري، كل راوائح البحر نجمة
مملحة في قبلة هذا القلب.
كل شيء يدل على اسمي الموزع في الخيام
وعلى كف زماني،
كل شيء يعضني وتبكي بين يدي العاشقة.
***
بلادي التي أعرف قصيدتها تمددت في القلب
سفرجلة، أسماء وشواهد،
ظلا يقف على السرو ولا يموت كالموت
لا موت يشبه هذا الخراب.
أمسكي عني جدار نجمتي، أمسكي يا الغريبة
يدي/ الرصاص، قرميد هروبنا، ورحيلنا
أمسكيني عن الجحيم وعن هذا الحب السراب.
رتقنا كل ليلنا العربي بأصابعنا وقلنا للماضي
كن زمنا بحريا، وقلنا
لحاضرنا كن رحيلا، وقلنا لغدنا، أين كنت غائبا
في الرواية؟
كل النصوص احترقت بمتونها في الحقب،
أندلس الحورية، بغداد الكاتبة للروح،
وعمرنا الذي انكسر بغوطة وفي حلب.
كل النشيد احترقا،
والحداثة ضحكت من ناينا ومن هوس
القصيدة والجنون وما في القلب خفقا.
لا تكتب يا صاحبي عن تفاحة القلب،
عن خيال في الموت قد غرقا.
دون ،ما يقول فمي، الصهيل مقبرة
والغناء مذبحة التأويل في شوراد المعنى
وقل للشعراء، أين مات النبر
وأين ماتت طلليتي عن ليلى،
وبأية ساق التفت ساقي وبأية يد ذاك السيف امتشقا؟
لا تقل لي،
مات أبي في غده الماضي، ولا ترتب
سرير لغتي للجنازة وعلى زمانه المعطوب لأقول لك
أنا شاعر الشعراء
وحديث الحداثة وسيد النجمة العالية.
أنا الهندي الذي أوجعته الأرض وعضه زمن ذئب
والثعالب أسراب تخدعني واللصوص راقصون.
***
حداثتي، أصابع لا تتعب مني،
الرمز أرضي، والمجاز مسامير، أيتها الكلمات
نحاسك ثوب أعدائي،
الحرير الذي أريده ملاعق للفوضى
ونايي عناكب الصدى ولا أستطيع
وصفك يا ليالي الصحراء إلا بنبرتي المخملية
عود الثقاب المريض لا يشعل سوى
خيمتنا، وحلم قتلانا، وموتى لا نعرفهم.
ما الحرب وما النصر يا أرضنا؟
أكل هذا الشعر ، موت؟

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here