المنصوب على نزع الخافض  __        ذ. أحمد السيد 

0
198
الشاعر أحمد السيد
الشاعر أحمد السيد

 

“المنصوب على نزع الخافض” : 

 

  هو اسم مجرور أصلا غير أنه لكثرة الاستعمال، ولضرورة الشعر أحيانا،  ولغرض التوسع الدلالي يتم إسقاط حرف الجر فينصبون هذا الاسم؛

ومثاله المشهور قول جرير :

تمرّونَ الديارَ ولم تعوجوا

كلامُكمو عليَّ إذنْ حرامُ

فالأصل أن العرب تقول : مرّ على الديار.

قال مجنون ليلى :

أمرُّ على الديار ديار ليلى

أقبِّلُ ذا الجدارَ وذا الجدارا

فإعراب ( الديار) من قول جرير ( تمرّونَ الديارَ ) : اسم منصوب على نزع الخافض

أي : اسم تم نصبه بسبب حذف حرف الجر الداخل عليه.

ويصبح الفعل في الجملة – إن نزعنا الخافض – متعديا بنفسه تجوّزاً.

فالاسم لا يكون مجرورا إلا في ثلاثة مواضع :

– الإضافة.

– وأن يسبق بحرف جر.

– وأن يكون تابعا لمجرور ( صفة له أو معطوفا عليه أو توكيدا له أو بدلا منه ) والعطف عطف نسق أو عطف بيان.

وحين حذفوا حرف الجر اختاروا النصب سليقةً لسببين :

لأن المنزوع الخافض من باب المفعول به، ولأن الرفع هو الأصل في ضبط الأسماﺀ.

والمنزوع الخافض معمول فيه وليس على الأصل حتى يبقى مرفوعا.

دواعي حذف حرف الجر : 

——————————–

– قد يكون ذلك اضطرارا وزنيا كما في شواهد الموضوع الشعرية ومنها :

أمرتك الخيرَ فافعل ما أُمِرتَ به

فقد تركتك ذا مال وذا نشبِ

فلو قال الشاعر ( وهو عمرو بن معد يكرب الزُّبيدي ) :

( أمرتك بالخير ) لا نكسر الوزن، فالبيت من البحر البسيط :

أمرتكل : اا0 اا0 متفعلن

خير ففْ : ا0 اا0 فاعلن

عل ما أمر : ا0 ا0 اا0 مستفعلن

ت بهي : ااا0 فعلن

وأما إن قال : أمرتك بالخير …

أمرتك بل : اا0 ااا0 مفاعلتن (وهي ليست من تفاعيل البسيط)

– و قد يكون ذلك اختصارا لكثرة إسقاط الجار وخصوصا قبل الأحرف المصدرية أنْ وأنَّ وكي :

أرغبُ أنْ تفعلَ أو أرغب أنك تفعل ( الأصل أرغب في أن تفعل ) ولا يتعين الحرف هنا : عن

ويكثر حذف اللام الجارة لكي : أسهرُ كي أقرأ ( أي: لكي أقرأ )

وساغ إسقاط الجار قبل هذه الأحرف المصدرية لعدم ظهور أثره.

والسؤال : هل المصدر المؤول بعد إسقاط الجارّ في محل جر أم في محل نصب على نزع الخافض ؟

الجواب : مصدر كي في محل جر (بلامها مذكورة او محذوفة)

ومصدر أنْ وأنَّ في محل نصب.

وجاز محل الجر أيضا لظهور الجر في العطف على محل هذا المصدر ( في بعض الشواهد )

وكذلك – ولاتساع العربية – تم جر الاسم المنزوع الخافض في قول الفرزدق :

أشارتْ كليبٍ بالأكفِّ الأصابعُ

أي : أشارت الأصابعُ بالأكفِّ ( إلى ) كليبٍ

إذ حذف إلى وجر ّ ما بعدها

– وقد يكون نزع الخافض من باب البلاغة وإرادة التوسع في الدلالة، وشاهده قول الحق :

” اهدِنا الصراطَ المستقيم ”

فالفعل هدى فعل متعدٍّ إلى مفعول واحد : هدى الأنبياﺀُ الناسَ إلى الخير.

وأما الفعل ( أهدى ) فيتعدى إلى مفعولين :

أهديت زيدا كتابا

وفي آية الفاتحة فعل الدعاﺀ ( اهدِ ) ماضيه هدى لا أهدى

نا : في محل نصب مفعول به

الصراط : اسم منصوب على نزع الخافض

وتم نزع الخافض لتعدد تقديره :

– اهدنا ( إلى ) الصراط

اي امنحنا الهداية لنصل إلى الصراط ( والصراط تعبير مجازي عن دين الله ).

اهدنا ( ب) الصراط : أي اجعل هدايتنا باتخاذنا واستعانتا بالصراط.

اهدنا ( على ) الصراط : أي لنكن من المهديين ونحن على هذا الدين.

اهدنا ( ل ) الصراط : اي اهدنا لأجل أن نسلك صراطك المستقيم.

اهدنا ( في ) الصراط : أي اهدنا ونحن ضمن هذا الطريق الذي لا عوج فيه.

ولكل حرف معنى كما رأيت، فلو ذكر الخافض لانحصر المعنى في دلالة واحدة .

هل يجوز الأخذ بنزع الخافض في أساليبنا ؟ 

—————————————————-

-إن نتج عن نزع الخافض لبس فلا يجوز ذلك بداهة لا للعربي القديم ولا المعاصر؛

فلا يقال :

اشتريت الصيدلية

إن كان المراد ( اشتريت من الصيدلية )

لكن إن أمن اللبس ساغ ذلك فنقول :

ذهبتُ السوقَ

والمراد واضح :

ذهبت إلى السوق.

وبعض النحاة قصروا نزع الخافض على العرب الأوائل ( الذين نحتج بكلامهم ) ليكون هذا الاستعمال سماعيا لنا لا نقيس عليه.

وفي رأيهم تضييق وخاصة على البلغاﺀ والشعراﺀ بصورة أخص

فلو قال شاعر :

يقودُك الحقُّ درباً لا اعوجاجَ بهِ

ولو سلكت سواه ضلّ مسعاكا

لما جانب روح العربية بقوله هذا ..

– نزع الخافض ضمن الإطار اللغوي : 

——————————————-

نزع الخافض في إطار اللغة ضرب من الاختصار والاختزال .. فكثير من الأفعال العربية كانت أفعالا لازمة في أصل الاستعمال، لكن مع استمراﺀ نزع الخافض غدت متعدية .. ومن ذلك الفعل ( سمع – استمع ) .. نقول : استمع له أو إليه ..

ونقول في الصلاة :

سمع الله لمن حمده

وقال تعالى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها …)

وقال جل ثناؤه : ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون )

وقال أيضا تباركت أسماؤه :

( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )

و( دخل ) من هذا الباب

نقول الآن : دخلت البيتَ

على أن البيت : مفعول به منصوب

( الأولى أنه اسم منصوب على نزع الخافض )

مع أن الأصل أن نقول : دخلت إلى البيت

ولذلك تعدد رأي النحاة في إعراب المسجد في قول الحق (لَتدخلُنَّ المسجدَ) فأعربها بعضهم على أنها مفعول فيه ظرف مكان.

وهو اسم منصوب على نزع الخافض كما أرى

والله أعلم..

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here