في ما مضى، حينما كنت أرى الإعلام الجزائري يذكر مصطلح “الفاكهة الصفراء” وهو يقصد بذلك الموز، كنت أتساءل بيني وبين نفسي كيف أن الله تعالى قد أخرج لعباده من الأرض عشرات الفواكه الصفراء وهذا الإعلام الغبي لا يدري؟ حتى أتى ذلك البرنامج الأغبى الذي عُرض على قناة لم تَعْقِل بعير حقدها الدفين على المغرب فشرد؛ وظهر فيه شخص يتطاول على ملك المغرب؛ لكن المغاربة نقَّبوا في أرشيف هذا الذي أراد أن يجعل عنقه يشرئب للسماء وهو لا يملك إلا عنق دجاجة، فوقفوا على فيديو له وهو يقسم فيه على أنه لم يتذوق طعم الموز إلا وهو في سن الثلاثين.
بحلول فاتح رجب زال عني العجب؛ فقد سعى نظام العسكر، بكل جد وتفان، لتفقير شعبه وتجويعه إلى درجة أن صار لديه الموز بذخا وترفا وحكرا على الأغنياء دون سواهم؛ فكان من الطبيعي إذاً أن يسمي الإعلام المضلل هذه الفاكهة الأعز من بيض الأنوق بأجمل التسميات ويصفها بأفخم الألقاب والنعوتات، ومن البديهي أن يتغزل في سواد عيونها ورقة سيقانها وطيب ملمسها وعذب مذاقها، وأن ينظم فيها قصائد الشعر والغزل.
لا شك أن مَعدة بطلنا المغوار وأمعاءه كانوا في حالة صدمة كبيرة وذهول شديد وهم يستقبلون، بعد ثلاثين عاما، أول مضغة من فاكهة الجنة، ولعلهم اعتقدوا، عن حسن نية، أن صاحبهم هذا قد سرق بنكا عتيدا أو ورث إرثا عظيما أو ربح في اليناصيب، أو أنه ترقى وزيرا أو سفيرا أو خادما في بيت أحد جنرالات السوء؛ فتلقف في غفلة عن سيده شيئا مما فضل عنه من الطعام.
بعدما تقصيتُ حال الشعب الجزائري عن كثب، وتطلعت إلى حجم المعاناة المعيشية التي يكابدها يوما بعد يوم مع هذا النظام فاقد الشرعية الشعبية والسياسية والتاريخية، انتابني شعور حقيقي بأن صاحبنا هذا قد تسرَّع في تذوق الفاكهة الصفراء، وأنه قد استغل مكانته الغراء في سلك المخابرات الخرقاء؛ فخرق طابور المساكين والفقراء، في الوقت الذي كان أولى به أن يحترم دوره مع باقي المواطنين الذين بعضهم لم يصل إلى علمه بعد وجود مثل هذا النوع من الفاكهة العصماء، فلماذا التسرع إذاً والسرعة تنهي أجل الإنسان؟ ولمَ العجلة القبيحة وهي من صفات الشيطان؟
أخيرا، أريد أن أنبه صاحبنا بأن الأولى بالنقد والسخرية والاستهزاء هم جنرالات السوء الذين ابتلعوا، في غفلة عن الشعب، قناطير مقنطرة من الموز والإجاص والكيوي والأناناس..، والتهموا حقولا من فواكه بألوان الطيف وأخرى بألوان قوس قزح، وجلسوا حول موائد عليها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهو بالكاد التهم أول موزة ألقوا بها إليه مقابل أن ينتقد أسياد أسياده، ومن يدري، فلعله، من قلة تجربة وخبرة، التهم القشور وألقى بالثمر.