منذ سنوات بدأ شبح الشيخوخة يزحف على المجتمع المغربي، حيث تزايدت أعداد المسنين في المملكة حتى بلغت بنسبة 35 بالمئة.
ومن المتوقع أن يرتفع الرقم حسب وزارة التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية، ليبلغ تقريبا الضعف بحلول عام 2030، على أن يواصل الارتفاع ليبلغ أكثر من 10 ملايين مسن بحلول عام 2050.
ومن المتوقع أن يعيش المغرب المشكلات نفسها التي عانتها وما زالت تعانيها البلدان الأوروبية، وعلى رأسها أنظمة التقاعد ودور المسنين والتأمين الصحي.
وقد دفع هذا الهاجس صناديق التأمين الصحي والتقاعد إلى دق ناقوس الخطر، وإخطار الحكومة المغربية بالمشكلات التي ستعيشها المملكة مستقبلا مع ارتفاع نسبة الشيخوخة، وهو ما سيشكل ضغطا وتكاليف مضاعفة قد تثقل موازنة الدولة، وسيطرح تحديات اجتماعية وديمغرافية كبيرة.
تراجع نسبة الشباب:
وأعلن المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير عبد اللطيف زغنون، أن تراجع نسبة الشباب في المغرب سيكون له تأثير على ضمان صرف معاشات المتقاعدين، وعلى التأمين الصحي الإجباري، والتكفل بالأمراض المزمنة التي يعانيها مسنو المملكة، خاصة أن نسبة الفئة العمرية التي تفوق 60 عاماتسير بوتيرة متسارعة.
ونظرا للتحولات الديمغرافية التي يعيشها المغرب، فإن معدل الأمل في الحياة، حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط، قد يصل إلى أكثر من 80 سنة خلال 2050، بدلا من نحو 75 عاما في سنة 2014، أي بزيادة قدرها حوالي 5 سنوات.
في المقابل، سينخفض معدل الفئة التي تدخل إلى سوق العمل، التي يتراوح سنها بين 18 و24 عاما، بنسبة 10 بالمائة.
ما بعد التقاعد:
الحاج المعطي (75 عاما)، المتقاعد منذ 13 سنة، يتحدث بمرارة كبيرة عن وضعه، ويقول: “منذ تقاعدت عن العمل وأنا أعاني لأن معاشي لا يكفي لتغطية مصاريفي ومصاريف أسرتي. المعيشة غالية، وابني الحاصل على شهادة عليا لا يعمل إلى الآن، وما زال يعتمد عليّ بشكل كلي في تدبير أمور حياته”.
ويضيف الحاج المعطي، الذي يعاني من مرض السكري ومشاكل في القلب، أنه كان يعتقد أن حصول ابنه على شهادة عليا سيفتح له باب العمل، وسيساعده على تحمل أعباء الحياة عند كبره، لكن العكس هو الذي حصل.
أما الحاجة كلثوم، الأم لأربعة أبناء والتي تبلغ 70 سنة، فهي تعيش مع أبنائها المتزوجين، وذلك بعدما أعياها المرض وتوفي زوجها، وتقول: “حينما تقاعدت توفي زوجي المتقاعد أيضا بعدها بسنة، فالمرض لا يمهل رجال التعليم. أغلبهم لا يعمر طويلا بعد التقاعد”.
وأضافت: “مكثت في بيتي حوالي سنة، ونزولا على رغبة أبنائي المتزوجين، أصبحت أمكث عند كل واحد منهم شهرين أو ثلاثة، وذلك حتى لا أظل وحيدة، خاصة وأنني أعاني أمراضا مزمنة ومعاشي لا يغطي كل مصاريفي، والتأمين الصحي لا يشمل جميع الأمراض”.
وتضيف الحاجة كلثوم، أنها أفنت عمرها في تعليم النشء وخدمة البلد، لكنها الآن تجد نفسها في عوز كبير، ولولا مساعدة أبنائها لعانت الفاقة والحرمان، ولما تمكنت من قضاء شيخوختها في أحسن حال.
وتتحسر على حال العديد من المسنين والمسنات، الذين “إن نجوا من جحيم الفقر والحاجة فإنهم لا ينجون من عقوق الأبناء ومن قلة ذات اليد لدى بعض الأبناء والبنات، الذين لا يمكن لهم في هذا العصر التكفل بآبائهم أو أمهاتهم، إما بسبب مشكلات العمل أو ظروف الحياة، وهو ما يستلزم توفير دور للعجزة يمكن أن تؤوي المسنين وتوفر لهم الرعاية الصحية والنفسية”.
ما يقول الطب النفسي؟:
وقال الطبيب النفسي عبد الكريم بلحاج إن “للتقاعد تأثيرات خطيرة قد تصيب الوظائف الذهنية لبعض المتقاعدين، مما يؤدي بهم إلى اضطرابات في السلوك، لهذا يجب الاهتمام بهذه الفئة العمرية وتأهيل أطباء متخصصين في طب الشيخوخة، لأن المغرب يعاني نقصا كبيرا في هذا الجانب، إذ لا يتعدى عددهم 10 أطباء فقط”.
وشدد بلحاج على ضرورة إنشاء مراكز متخصصة للمسنين خاصة في الحواضر والمدن، وتعميم الضمان الصحي لجميع المسنين، وتوفير تقاعد مريح لهم من أجل النهوض بهم اجتماعيا، لأن “الهشاشة الاجتماعية وسوء التغذية والتقدم في السن، كلها عوامل تؤدي إلى الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة”، على حد تعبيره.
وكشفت نتائج بحث ميداني أجرته المندوبية السامية للتخطيط بين شهري أبريل ويونيو الماضيين، حول “أثر كورونا على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية للأسر”، أن الخوف من الإصابة بالفيروس كان سببا رئيسيا في عدم ولوج الأشخاص المسنين لخدمات الرعاية الصحية أثناء فترة الحجر الصحي، وذلك بنسبة 30.7 بالمئة، علما أن 38.2 بالمئة منهم يعانون أمراضا مزمنة، وهم بحاجة لإجراء فحوص طبية بشكل دوري.
تجدر الإشارة إلى أن منظمة الأمم المتحدة قد توقعت أن تكون الشيخوخة واحدة من أبرز التحولات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، حيث ستؤثر في جميع قطاعات المجتمع بما في ذلك سوق العمل والأسواق المالية والطلب على السلع والخدمات، مثل السكن والنقل والحماية الاجتماعية، فضلا عن البُنى الأسرية والروابط بين الأجيال.
وكشف تقرير للمنظمة بشأن التوقعات السكانية حول العالم، أنه “مع حلول عام 2050 سيكون 16 بالمئة من عدد سكان العالم (واحدا من كل ستة أفراد) أكبر من سن 65 سنة، أي بزيادة 7 بالمئة (واحدا من كل 11 فرد) عن عام 2019”.
كما أنه من المتوقع أن يزيد عدد من هم فوق سن الـ80 عاما 3 أضعاف (من 143 مليونا في 2019، إلى 426 مليونا في عام 2050).