الكتابة مهنة الملائكة __ ذ. عبد الوهّاب سلطان الدِّيروي

0
287

                       الكتابة مهنة الملائكة :                  

  ***************

    صحيحٌ أنَّ التعبير عن الشعور والفكرة ليس حكرًا على الحرف والكلمة.
وثمَّة فنونٌ وآلیات ودلالات غیر اللفظية تفي بالتعبير أكثر، وربّما بوجهٍ أجمل وأدقَّ.
فتجد رسّاما يحوّل حلمًا إلى لوحةٍ فنّية رائعة يلمسها الناس بالبنان.  وتجد مُمثّلاً یحوّل قصّةً من نسج الخیال إلى واقعٍ يُشاهَد.

وتجد لسِنًا مفوّهًا يُلقي سحرًا، يُريك الظلمة نورًا، والنور ضياءًا.

ولكن ليس شيء من كل ذلك يؤثّر تأثيرَ الكتابة بالقلم،
ولا ينفع مثلَ نفعِها، ولا يشرُف مثلَ شرَفها.

وقد قالوا: إن اللسان لسان بيان ولسان بنان، أما لسان البيان فتدوسه الأعوام، وأما لسان البنان فتُبقيه الأيام”.
الكتابة بالقلم مِهنةٌ شريفة وهوايةٌ نبيلة، وقد تصبح واجبا دينيّا، وفريضةً شرعية.

ولأمرٍ مـّا أقسم الله تعالى بالقلم، وخصّه بالذكر، وأفرده بالإجلال والتعظيم بين سائر الأدوات التعبيرية في هذا الكون.

طبعًا؛ لِيعطيَ إيحاءً إلى سُموّ القلم، وعظيم قدره، وكِبَر مسئولیته، وخطورةِ أمره.

وقد وصفَ الأدباء والبلغاء القلم بعباراتٍ جميلةٍ، وكلماتٍ رائعةٍ لوجُمعتُ لجاءَت كتابًا ضخمًا في عدة أجزاء.
وممّا راعني منها أن: القلم رسول الضمائر، وسفير العقل، وترجمان القلب.
وقالوا أيضًا: “القلم أنف الضمير، إذا رعف أثار أسراره.”

ولأنّ القلم أوَّل مخلوقٍ في العالَم، فهو يتمتع بتاريخٍ هو أطول التواريخ وأعظمها وأقدمُها وأنبلُها.

فمن القلم ما كتب به الرحمن تبارك وتعالى ألواحًا (فيما أخرجوه في بعض الروايات) حتى سمع أهل السماوات صريره وهو يكتب!

ومن القلم ما سطَر كلَّ ما حدث في هذا الكون، ويسطُر كل ما هو كائن في هذا الكون أبدًا.
وهو قلمُ القدرِ، يرسُم كل ما كان ويكون.

وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا هنا أن الكتابة بالقلم “مهنة الملائکة” في اللوح المحفوظ، وواجب الكرام الكاتبين منهم.

ولا غروَ أن تستمدّ من هذا المنبع الشريف أقلامُ البشر مجدَها وشرَفها، وقوّتها وقداستَها.

وأن تستوحي منه دورَها المنوطَ بها، ورسالتَها المُلقاةَ على كواهِلها.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here