كآباء وأمهات كثيرا ما نتساءل عن الطريقة المثلى لتنشئة أطفالنا..كيف ننصحهم ؟ كيف نوجههم؟ كيف نجعل منهم أبناء ومواطنين صالحين؟
أيكفي أن نرشدهم إلى طريق الخير ليتبعوه؟ أم من الضروري أن نعلمهم معنى الشر كي يجتنبوه؟ هل نفرض عليهم اختياراتنا وقناعاتنا في الحياة ؟ أم نترك لهم كامل الحرية في اختيار ما يناسبهم في جميع أمورهم التعليمية والمهنية والشخصية؟
كثيرون سيقولون يجب أن نعلمهم أمور دينهم ودنياهم وأن نلزمهم باتباعها حتى نضمن لهم الحياتين الدنيا والآخرة .
لكن الواقع المعيش يقول بأن إجبار الأبناء على اتباع طريق معين والامتثال لكل ما يتوهم الآباء والأمهات أنه مطلوب منهم أمر في غاية الخطورة ،لأن الضغط يولد الانفجار ولأن الإنسان مخلوق مجبول على حب الحرية والاكتشاف .
غالبا ما نكبل أبناءنا ونخنقهم بتقاليدنا وعاداتنا وغالبا ما نسعى لجعلهم يشبهون نماذج معينة تعودنا وتعودت مجتمعاتنا على اعتبارها النماذج المثالية التي لا ينبغي الحياد عنها بأي حال من الأحوال.. وبحكم اشتغالي في مجال التعليم كثيرا ما صادفني آباء وأمهات وأولياء أمور مهووسين بمراقبة الأبناء وفرض سيطرتهم عليهم وخصوصا البنات منهم ..كل حركاتهن محسوبة : وقت الدخول والخروج ،طريقة اللباس ،طريقة الكلام ..كل شيء وحتى التوجه المدرسي الذي غالبا ما يفضلون أن يكون علميا لاقتناعهم بأنه الأنسب لأنه متعدد الآفاق والضامن الوحيد للمستقبل المهني .. وخلافا للذكور فإن البنات مهددات مع أدنى خطأ و في كل لحظة بالتوقيف عن الدراسة و لزوم البيت لغسل الأواني و التنظيف والطهي لأنها هي مهمتهن الأصلية كما يعتقد الكثيرون ..
في الأيام القليلة الماضية ، بمجرد ولوجي ساحة الثانوية التي أشتغل فيها التقيت بأم تلميذة شاحبة الوجه باكية العينين .. طلبت مني أن أدلها على مكتب المدير فهي تريد أن تحول تعلم ابنتها عن بعد بعدما كان حضوريا ..فهذا هو المخرج الوحيد الذي فكرت فيه لإنقاذ ابنتها من الضياع ! أبوها قرر أن يجعلها تتوقف عن الدراسة ..لماذا ؟ لأن والدتها ( حارسها الشخصي المكلف بالمهمة من طرف الوالد) لم تجدها في الثانوية هذا الصباح ! صدمتُ واستغربت كثيرا عندما أخبرتني أنها ترافقها إلى باب الثانوية في الصباح وفي المساء وأنها تأتي أثناء وقت الدروس أيضا لتتأكد إن كانت داخل الفصل ! فتاة في الجذع المشترك ،ما يعني أن عمرها ستة عشر سنة على الأقل !
والأم ( عفوا بل الحارس الشخصي) عليها أن تقدم تقريرا مفصلا للأب ولي نعمة الأسرة وحاميها عن تحركات البنت وإذا ما أخطأت هذه الأخيرة فإن الأم تُهدَّد بالقتل والضرب والتطليق فهي المسؤولة عن أخطاء ابنتها ..تأسفت من أعماق قلبي لحال هذه الأم ..دعوتها إلى مكتبي وحاولت أن أشرح لها بأن زوجها هو أصل المشكل وبأنها ستتعذب كثيرا إذا استمرت على هذه الحال ..لا يمكن مراقبة الأبناء بهذا الشكل ! مجرد إحساسهم بأنهم مراقبون يدمرهم ويجعلهم يتمردون أكثر فأكثر وعلى كل شيء .. أنا أيضا أم وأعرف جيدا ما أقول ..الثقة ثم الثقة ثم الثقة هذه هي أفضل وسيلة للتربية وهي أكثر شيء يجعل الأبناء يشعرون بالأمان .. فلا يمكن لأي شخص أن يكون سويا ومنتجا ومواطنا صالحا كما نريد له إذا لم يشعر بالأمان ..
الإحساس بالأمان والحرية وحده كفيل بأن يولد لنا جيلا سويا ،مبدعا خلاقا نافعا لنفسه ولمجتمعه!