تنويه لا بد منه : .. إن توظيف الجنس في النص .. . لم يكن منه بد .. وليس المقصود به الجنس من أجل الجنس نفسه .. ولكنه من لزوم أدوات وعناصر النص الفنية فحسب .
————————–
مقدمة : عاتبني الشاب بمرارة شديدة .. موجها لي السؤال بلوم وتلويم … ” لماذا لا تكتب عن مشاكل الشباب يا سيدي ” ؟؟؟ .. تساءلت بغرابة : ” أية مشاكل تلك يا ولدي ؟؟؟ ” .. هتف بي صارخا : ” مشاكل الدخان الأزرق .. الدخان الأزرق يا سيدي ” ؟؟؟!!! …. .. فوعدته بالكتابة … وكتبت .. فهل تراني قد وفيت ؟؟؟!!!
*****************************
(( الدخان الأزرق ))؟؟؟!!!
سار الشاب متطوحاً ذات اليمين وذات الشمال .. يسير على غير هدىً .. لا يعرف إلى أين ؟؟.. تتنازعه شتى المشاعر .. تعتمل في نفسه الأفكار المتضاربة المتلاحقة ..
” الفراغ القاتل .. الملل المميت .. البطالة المتفشية .. الفقر المدقع .. الصراع النفسي المخيف .. الـ .. ”
لم يكن الشاب على مثل هذا الحال في يوم من الأيام .. فلقد كان نشيطاً .. مجدّاً .. مجتهداً.. يعمل بدون كلل أو ملل .. هو مثلٌ أعلى للشباب يحتذي به الكثيرون .. ويشار إليه بالبنان .. في كل مكان .. فكان رمزاً .. وعنوانا .
الظروف العصيبة التي يمر بها أثرت فيه أكثر من الآخرين .. قتلت طموحه .. وأدت آماله .. قبرت أمانيه .. فبات حطاماً .. هائماً .. تائهاً . زاغت منه العيون والأبصار .. فقد الأمل .. استولى عليه اليأس والإحباط والقنوط .. تهدم من الداخل .. فالأمور المحدقة به من كل صوب وحدب جسام على مثل عوده اليافع .. وشبابه الغض .. وآماله العراض .
اِلتقى به أحد الأصدقاء فهاله ما آلت إليه الأمور .. راح يهون عليه .. يخفف عنه .. يواسيه …
بابتسامة غريبة قدم له ” لفافة تبغ ” من النوع الفاخر المستورد من بلاد ( العم سام ) .
تمنع الشاب عن تناول السيجارة .. راح صديقه ” يحلف ” بالطلاق ثلاثاً وثلاثين – رغم أنه غير متزوج – .. ويقسم بكل الأنبياء والرسل .. وبالذات الإلهية – رغم أنه لا يؤمن بالله ؟؟!! – إلا أن يقبل منه الشاب ” السيجارة ” ، والأمر كذلك لم يجد الشاب مناصّاً من الانصياع للأمر .. وتقبل الأمر على مضض .. فهو لا يريد أن يطلق صديقه زوجته – التي لم يتزوجها بعد- ، ولا يريد أن يحنث صديقه بالأيمان المغلظة التي أقسم بها – رغم أنه لا يعرف الله – .
الشاب لم يسبق له أن دخن ” لفافة تبغ ” ( سيجارة ) في يوم من الأيام .. لم يجرب .. لم يحاول ، وها هو الآن يتخطى مرحلة التجربة والمحاولة لمرحلة الممارسة الفعلية للتدخين .. إنه يتخطى الأمور التمهيدية ليصل المرحلة النهائية مباشرة .. دفعة واحدة .
تناول ” اللفافة ” بيد مرتعشة .. وقلب واجف .. ونفس مضطربة ، شجعه صديقه بابتسامة باهتة صفراء .. أرشده إلى الطريقة الصحيحة للتعامل مع ” السيجارة ” ؟؟!! ، ” سحب ” منها نفساً عميقاً .. تماماً كما أرشده الصديق .. أصابه السعال الشديد المتواصل .. شجعه صديقه بابتسامة أخرى أشد شحوباً واصفراراً ، ” سحب ” نفساً آخر .. السعال كان أقل .. فأقل .. فأقل ..
أحس بالنشوة الطاغية .. السعادة الغريبة .. شعر وكأنه يطير في السماء .. في الفضاء اللانهائي .. بأجنحة أو بدون أجنحة .. ليس هذا المهم ، ولكن المهم أنه يطير ؟! .
تمايل طرباً .. رقص .. غنى .. ابتسم .. ضحك .. قهقه .. نسي ما كان فيه من أمور محزنة مقيتة .. وتلاشى ما كان يشعر به من ضيق .
عندما أصابه الإحباط واليأس فيما بعد ، قرر أن يقتلهما بـ ” لفافة ” جديدة .. مال نحو كشك بيع السجائر فابتاع ” علبة سجائر ” من النوع الفاخر المستورد من بلاد ” العم سام ” .. من نفس نوع تلك السيجارة العجيبة.. أشعل واحدة .. ثم أخرى .. ثم أخرى .. ثم .. ، لم يحس بنفس النشوة التي أحس بها في المرة السابقة .. لم يشعر بالسعادة الغريبة .. قذف بباقي السجائر بعيداً .. هرول ناحية صديقه الذي كان قد قدم له السيجارة العجيبة .. لم يجده .. هرول هنا وهناك .. راح يبحث عنه في كل الأماكن .. أصابه شيء كالجنون .. أو لعله كذلك .. جف حلقه .. تشنج ..أصابته قشعريرة غريبة ..
أخيراً .. لمح صديقه عن بعد .. اندفع نحوه بما تبقى له من قوة .. وصل ناحيته .. ألقى بنفسه إلى صدره .. تناول يده محاولاً تقبيلها .. مال نحو قدمه يريد أن يقبلها .. تمتم ببطء كالحالم:
– سيجارة .. أرجوك .. أعطني سيجارة .. أرجوك .. أتوسل إليك ..
أشاح صديقه بوجهه عنه إلى البعيد .. تصنع عدم الاهتمام .. أعطى انطباعاً بأنه لم يسمع .. كرر صاحبنا الطلب مرة أخرى .. ثم أخرى .. ثم ..
ناوله صديقه سيجارة بلا مبالاة .. تناولها صاحبنا بنهم .. بيد مرتعشة .. ونفس جزعة .. سارع بإشعالها .. ” سحب ” منها نفساً أتى على نصفها .. ونفس آخر قضى على البقية الباقية .. لم يشعر بالنشوة ؟؟ لم يحس بالسعادة ؟؟ ألقى بعقب السيجارة بعيداً .. هدر بصخب والزبد يتناثر من فمه :
– أريد سيجارة .. مثل تلك ..
تصنع صديقه البلاهة .. رسم على وجهه الكالح ابتسامة صفراء غريبة بلهاء :
– أية سيجارة تلك ؟؟!!
– سيجارة النشوة .. سيجارة السعادة ..
– أوه .. تذكرت .. لقد قدمت لك تلك السيجارة مجاناً .. أما الآن فإن لها ثمن ..
– فليكن .. سأدفع ثمناُ لها ما يساوي ثمن علبة كاملة .
ضحك صديقه ضحكة مجلجلة باستهزاء :
– كم ؟؟!! .. لا يا عزيزي .. إن ثمنها يساوي ثمن ألف سيجارة عادية .. هذا من أجلك .. من أجلك أنت فقط .. فهي تساوي أكثر من ذلك بكثير .. ولا تنس بأن الدفع نقداً .. فوراً .
– فليكن .. هذه ساعة يدي الثمينة .. فأنا لا أملك نقوداً الآن .. وهي تساوي أكثر من المبلغ المطلوب على كل حال .
تفحص صديقه الساعة .. قلبها بين يديه .. وضعها في جيبه على مضض .. أخرج ” لفافة ” من أحد جيوبه الداخلية .. سرعان ما كان الشاب يتناولها منه بلهفة .. أشعلها بسرعة .. راح ينفث دخانها في الفضاء .. شعر بالنشوة .. أحس بالسعادة .. عادت له أحلام اليقظة الوردية ؟؟!!.
… تردد الشاب على مجلس صديقه .. سرعان ما كان ينضم لهما صديق ثالث .. راحوا يتسامرون .. يتضاحكون .. ينفثون ” الدخان الأزرق ” في الهواء ..
شعر الشاب أن تلك الجلسة هي جزء من حياته .. بل هي حياته ذاتها .. أدمن الجلسة .. تماماً كما أدمن السيجارة ذات ” الدخان الأزرق ” .. وفعل المستحيل من أجل المحافظة على تلك الجلسات الليلية .. استدان .. سرق .. لجأ إلى النصب والاحتيال .. والابتزاز .. كل ذلك من أجل بلوغ النشوة الخادعة .
في تلك الليلة .. تجددت الجلسة .. وتجدد اللقاء .. ازداد ” الدخان الأزرق ” وهجاً .. همس الصديق في أذن الشاب بأن هذه الليلة ستكون مختلفة ؟؟ .. ومن بين سحابات ” الدخان الأزرق ” كان الشاب يهتف منتشياً :
– وكيف سيكون ذلك بالله عليك ؟؟!!
– سنضيف عنصراً جديداً للجلسة .. وللدخان الأزرق .. امرأة .. فتاة …!!!
بهت الشاب .. توقف عن تشكيل الدخان الأزرق في الهواء .. تساءل عن حقيقة الأمر من صديقه .. فأكد له الأمر وهو يبتسم ابتسامته الصفراء الباهتة المعهودة :
– نعم .. فتاة .. امرأة .. لقد اشتريناها بسيجارة ؟؟ .. سيجارة من النوع الفاخر المستورد من بلاد ” العم سام ” .. بعد أن أدمنت عليها .. مثلك تماماً.
– ولكن .. ليس لي خبرة في مثل هذه الأمور .
– ستتعود على النساء .. تماماً كما تعودت على السيجارة .. حالاً .. إنها هنا .. في الحجرة المجاورة ؟؟.. وعلى كل حال لا تخش شيئاً .. فإن الفتاة لن تؤذيك .. فلقد زدت لها جرعة المخدر في السجائر .. ستراها مستسلمة .. مستسلمة تماماً ..
نهض الأصدقاء من المكان .. تثاقل الشاب .. ساعداه على النهوض .. دخل الجميع الحجرة المظلمة .. ما زالوا ينفثون دخان سجائرهم في الهواء .. انضم إليه دخان آخر من داخل الحجرة .. دخان أزرق جديد كثيف .. امرأة شبه عارية تنفث الدخان الأزرق المتلاحق .. ازداد الضباب كثافة داخل الحجرة المظلمة .. تقدم الصديقان يتبعهما الشاب .. تراجع إلى الوراء قليلاً … فليس له أي تجربة في مثل هذا المجال .. راح صديقه يهون عليه الأمر .. شجعه بابتسامته الباهتة الصفراء المعهودة كفحيح الأفعى :
– سنفتح لك الطريق ؟؟ سنسهل لك الأمور .. سنبدأ أولاً .. ثم تعقبنا !.
اندفع الصديقان نحو الفتاة العارية .. الغارقة في ظلام الحجرة والضباب الأزرق الكثيف .
أنهى صديقاه عملهما الشائن .. اندفعا نحو الشاب .. دفعاه نحو الفتاة العارية .. انتزعا ملابسه عن جسده .. أصبح عارياً تماماً.. ألقيا به فوق جسد الفتاة المستسلمة .. شبه النائمة.. .. حتى تم لهم ما أرادوا .. ابتعد الصديقان عن الجسدين العاريين وهما يقهقهان بضحكات شيطانية ..
الظلام الحالك المخيف .. الدخان الأزرق الكثيف .. العرق الغزير .. الرائحة الكريهة .. قهقهات الشياطين ..
.. يدقق الشاب النظر إلى الجسد .. إلى الوجه .. غلالة الدخان الكثيف والظلمة الحالكة ما زالتا تحجبان الرؤية عن عينيه .. يمسح عينيه المكدودتين براحته .. يحاول إزالة الغشاوة الكثيفة عن عينيه .. يدقق النظر أكثر إلى الجسد المسجى أمامه .. تأخذ سحب الدخان الأزرق والظلمة الحالكة في التلاشي شيئاً فشيئاً .. تبدأ معالم الوجه في الوضوح التدريجي .
هيئ له أنه يعرف صاحبة الوجه .. الفتاة .. المرأة العارية .. خيل إليه بأنه يعرفها جيداً .. رويداً رويداً .. تتأكد له الأمور .. يصبح الظن حقيقة .. حقيقة واضحة .. حقيقة صاحبة الجسد العاري .. صاحبة الوجه الشاحب .. صاحبة العينين المجهدتين المغمضتين .. .. يرتعش .. يصاب بالغثيان .. يتقيأ على صدره .. على جسد المرأة العارية .. يصرخ بجنون صرخة مدوية تتردد في جنبات الحجرة السوداء .. لترددها أرجاء الأرض وأطراف السماء :
– لا .. لا … لاااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا ..
… المرأة العارية .. الفتاة شبه النائمة .. تفتح عينيها ببطء شديد .. تزيل الغشاوة الكثيفة عن عينيها .. تهتف بجنون بصوت مجهد واهٍ كأنه يأتي من وراء الجبال .. من داخل القبور :
– من ؟؟ .. أخي ؟؟؟؟!!!! …
” انتهى النص …. وما زال ” الدخان الأزرق ” … مستمرّاً ؟؟؟!ّ!! ”