إذا تغيبت فلا بد من اللقاء.. و إذا مت فهذه حروفي تذكركم…
هو رجل قفل، منزو في ركن كئيب، لا يفرط في هدوئه رغم الإعصار، وبنى داخل نفسه جبال صبر عملاقة، كان قد قرر وضع أعصابه في ثلاجة.. كل هموم الكون لا توازي لديه قطعة ثلج ناعمة لا يمكنها أن تذوب.
هو إنسان لا ينفش ريشه ويسير وسط العباد مزهوا، لقد قرر منذ زمن بعيد أن يخضع للواقع المحزن الوبيل. تلك مواصفات إنسان قرر فجأة وعلى حين غرة أن يقول كلمته احتراما للأيام، قرر كشف خبايا مفكرته، إنه ابن عائلة له نخوته وكبرياؤه، لا يمكن أن يتنازل عن ذلك، لن يخون ميثاق الحب، وحب قريته. لقد سرق الانبهار، إنه كفارس يمضي تحت جنح الليل، وقد أخرج مسلسل الحلم إلى الوجود، لكنه مكشوف وسهل الإلغاء. هو يؤمن بأن التمني لا منطق له، و هو من رمى على عاتقه قطعة من نار حارقة اسمها المسؤولية. لقد لف حوله الخيوط لاصطياد الحشرات الصغيرة.. إن أفكاره تركب الريح، فتكتم الأفواه ثم تخفف التوقع، لتودع القرصنة.
تلك مذكرات شخص مجهول، استعجل الموقف فهوت عليه الضربات واعتُبر لقمة سائغة، لكنه سعد بفوز من السماء، إنه كجواد بلا حلبة، فجَّر اللغم الأول، ولا يحتمل أن يكون مشجبا تعلق عليه أخطاء الآخرين.. إنه يكتب كأنه يتقيأ، كأنه خارج لتوه من حانة تعربد فيها القطط الحمراء.. يتعرى بلا استحياء.. يبصق نواقصه.. غيور على قريته بالمعنى الخرافي للكلمة.. هو لا يستطيع السفر بعيدا لأنه لا يملك متاع التحليق.. لقد حل في محاولة لإنهاء المخاض، إنه يخدش الصعاب، يحاول إزالة العناكب المعششة في شقوق الديار القديمة، لكن أهل القرية يدركون أن: “ما أسهل الكذب عندما يكون المرء محل ثقة”، إنه يحاول صنع العيد والربيع.. يمهد لولادة حلم مشروع.. يؤمن بأن عقارب الساعة لا يمكن أن تتوقف في اتجاه اليوم الموعود، مقتنع بأن الليل لا بد له من فجر، إلا أن هناك من يدرس فلسفته، يطارده كالشبح مع سبق الإصرار، يرصد له الكثير من المفاجآت، ويحتفظ في الذاكرة بجوانب مهمة عن خطواته.
لا شك أن هذا سيناريو يحتاج لمخرج أفلام رعب.. لقد حجزوا له التأشيرة لكنه أدرك المكيدة.. تراجع متخاذلا، لم يجد أمامه إلا البحر، قفز من أعلى الحافة فلما اختلطت دماؤه بالماء المالح تذكر أنه لا يجيد السباحة. أرسلوا له زورق الإنقاذ، أسعفوه وحاولوا إعادة تصنيعه، كان بمثابة عملة نادرة، دعَوْه للغوص معهم فوافق. لكن أفكاره ظلت متداولة.
مرت الأيام و تنفس التاريخ غياب المنجزات، فأتت الأعياد دفعة واحدة لتُنشي القلوب وتُزهر الورود. بالمقابل ظل المهرة الساحرون يعتقدون بأن الفلاسفة عمالقة، لكنهم ليسوا عمليين.