في خطوة مثيرة للاستغراب، دعا راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي وزعيم حركة النهضة الجزائر وليبيا إلى فتح الحدود، وتبني عملة واحدة ومستقبل واحد لشعوب البلدان الثلاثة، مستبعدا المغرب وموريتانيا.
حديث الغنوشي الذي أدلى به لإذاعة محلية في تونس، الأربعاء الماضي، اعتبره مراقبون ومهتمون بالاتحاد المغاربي، تسطيحا للمشاكل الحقيقية التي تقف عقبة أمام استكمال ذلك البناء منذ عقود، مما يجعل هذه التصريحات قد تنذر ببزوغ عقبات جديدة تكون عصبها حركته.
والتصريحات التي استبعدت المغرب، تتجاهل بحسب متابعين الجهود التي بذلها المغرب في المصالحة الليبية، وهي الساحة التي فتحت الباب على مصراعيه أمام انتشار الفوضى والإرهاب، مما جعل التطرف الديني العنوان الأبرز، بعدما كان النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء هو السبب في شلل مؤسسات الاتحاد منذ العام 1989.
ويقدر الخبراء الخسائر الاقتصادية التي تجنيها البلدان المغاربية الخمسة بسبب عدم اندماجها بما يتراوح بين 3 بالمئة إلى 5 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، أي ما يناهز حوالي 10مليارات دولار سنويا، بحسب تقارير للأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، واللجنة الاقتصادية الإفريقية.
وتراهن نهضة تونس على أخذ المنطقة نحو عناوين أخرى للخلاف، تؤجل الحلم المغاربي أكثر، وستزيد خسائر دول المغرب العربي.
التصريح سببه الأيديولوجيا وتركيا:
ويؤكد الباحث المغربي منتصر حمادة، رئيس مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث، أنه يجب الانتباه إلى “السياق الإقليمي والسياسي الذي تمر منه المنطقة”، مشيرا إلى “الأطماع التركية العلنية في الساحة الليبية”، معتبرا أن “مرور الثلاثي تونس وليبيا والجزائر من مرحلة الحكم العثماني، هو أهم “المحددات النظرية للنهضة في رؤيتها للمنطقة المغاربية”.
الدوافع وراء استثناء موريتانيا:
وفي السياق ذاته، اعتبر الكاتب والصحفي التونسي الجمعي القاسمي، أن تجاهل الغنوشي للمغرب وموريتانيا هو: “حلقة جديدة ليست منفصلة عن سياق مناورات الغنوشي البائسة التي تتعدل وتتغير وفقا لدوره الوظيفي في أجندة مشبوهة يحاول رسم خيوطها على ضوء المستجدات المتسارعة على مستوى الملف الليبي”. والمناورات التي “أحدثت شرخا في العلاقة بين دول المنطقة المغاربية”، بحسب القاسمي أيضا “لن تتوقف من حيث عناوينها أو استهدافاتها في قادم الأيام”.
وتابع: “الغنوشي عبر مثل هذه التصريحات يحاول دق إسفين جديد في وحدة المغرب العربي، ليرسم بذلك خطوطا يمكن الارتكاز عليها لدفع الأوضاع نحو مربعات فيها نزعة تستهدف غلق كل نافذة قد تتسلل منها بارقة أمل في مستقبل أفضل للمنطقة المغاربية”.
تصور الجماعة:
لفت الخليفي إلى أن “منظور الغنوشي للمنطقة المغاربية مرتبط بليبيا حيث تدور المعركة الإقليمية واصطفاف حركة النهضة مع المحور التركي القطري”، معتبرا “الساحة الليبية محرارا لصراع المحاور، وهي رهان كبير بالنسبة لحركة النهضة التي تبحث عن حليف في الجهة الشرقية لتونس حتى لا تعيش حصارا داخليا وإقليميا انحصرت فيها علاقاتها الدولية مع أفق المصالحة الخليجية”.
وفيما يحاول إخوان تونس إيجاد أسباب أخرى لتأخير الاندماج المغاربي، تعيش دول المنطقة على وقع احتقان اجتماعي، بسبب ارتفاع معدلات بطالة الشباب، فيما لم تشهد السنوات العشرة الماضية، بحسب بعض التقديرات انتظاما في معدلات الدخل الفردي ولا في نصيب الفرد من الناتج الداخلي الخام.
يذكر أن المنطقة المغاربية تعتبر هي الأضعف على الصعيد القاري من حيث التجارة البينية التي لا تتجاوز 2 بالمئة من حجم المبادلات الخارجية لدولها الخمس، بينما يصل ذلك المعدل في إفريقيا إلى 16 بالمئة في أفق الوصول إلى 60 بالمئة عام 2022، وفقا للأرقام الصادرة عن المنظمة العالمية للتجارة حول الاتحاد الإفريقي.
وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن مجرد فتح الحدود بين المغرب والجزائر سيجعل البلدين يربحان سنويا نقطتين إضافيتين في نسبة نمو الناتج الداخلي الخام لكل بلد، وهي المبادرة التي أطلقها العاهل المغربي قبل سنتين، ولم تجد طريقها بعد إلى التطبيق لأسباب إقليمية، لن تزيدها تصريحات الغنوشي وأحلامه سوى تعقيدا.