عامٌ يَجيءُ كَسائٍرِ الأَعْوامِ
مُتَثاقِلاً بِمَرارَةِ الأَيَّامِ
مُتَبَخْتِرا بِأَنينِهِ وَهُمومِنا
مُتَرَبِّصًا في لَيْلَةِ الإِظْلاَمِ
وَتَراهُ يُوهِمُنا بِأَلْطَفِ لَمَّةٍ
ما بَيْنَ رَقْصٍ ساقِطٍ وَمُدامِ
هِيَ لَيْلَةٌ مَوْشومَةٌ بِجِباهِنا
تَشِمُ الجُروحَ عَلى نُدُوبِ عِظام
وَلَكَمْ أَفيقُ فَأَرْتَمي مُتَمايِلاً
وَأَرَى الحَقيقَةَ تَرْتَمِي قُدَّامِي
يَأْتي الصَّباحُ يُعيدُ كُلَّ مُصيبَةٍ
تُرخي عَلَيَّ سَتائِرَ الآلامِ
فَيَعودُ لي زَمَني الَّذي وَدَّعْتُهُ
في لَيْلَةٍ لَمْ تُنْسِني أَعوَامِي
يَطْفو الصِّبا بِرُعودِهِ فَيُعيدُني
لِغَدٍ سَيَمْضِى عَكْسَ كُلِّ مَرَامِ
لَمْ يَبْقَ مِنْ ضَحِكِ المساءِ سِوَى الأَسَى
وَفُتاتِ جُبْنٍ فائِحٍ وَإِدامِ
وَحُطامِ أَجْسَامٍ كَأَبْراجٍ هَوَتْ
في لَحْظَةٍ مِنْ ضَرْبَةِ اتْسُونَامي
وَالكَأْسُ تَنْدُبُ حَظَّنا أَسَفاً عَلى
أُفْقٍ بَنَيْناهُ مِنَ الأَوْهامِ
***
يا أَيُّها العامُ الجَديدُ بِأَرضِنا
هَلاَّ انْتَهَيْتَ فَتَنْتَهي آلَامِي!
ما بَيْنَ أَنْتَ تَجيءُ وَالأَمَلُ الَّذي
قَدْ ضاعَ مِنِّي سَطْوَةُ الحُكَّامِ
فَالصِّفْرُ يَضْرِبُ رَقْمَكَ الآتِي لَنَا
فَتَصيرُ صِفْراً جُمْلَةُ الأَرْقامِ
إِنِّي أَخافُكَ أَنْ تَجيءَ كَبُؤْسِنا
فَتُميتَ فِيَّ قَريحَةَ الإِلْهامِ
وَتُميتَ في عَرَبِ الخَليجِ عُروبَةً
ضاعَتْ كَنَخْوَةِ دُوَّلِ الإِسْلامِ
دُوَّلٌ تَفيقُ عَلى الضَّلالَةِ مُذْ غَدَتْ
أُلْعُوبَةً لِعَشائِرِ الأَقْوَامِ
مِنْشارُها في كُلِّ مَمْلَكَةٍ لَهُ
فَكٌّ يُطارِدُ لَوْمَةَ اللَّوَّامِ
وَيَرى الرُّعاةُ جُنُونَنا بِجُنُونِهِمْ
فَتُجَنُّ فيهِمْ سائِرُ الأَغْنامِ
***
كُلٌّ مَضى لِعَدائِهِ فَوَجَدْتُني
في الشَّطْحِ أَعْتَى مِنْ هَوى البِسْطَامي
لَمَّا مَضَيْتُ إِلى السِيَّاسَةِ مُخْلِصاً
وَرَفَعتُ في وَجْهِ العِدَا أَعْلامِي
جاءَ الَّذينَ كَشَفْتُ عَنْ سَوْءاتِهِمْ
مُتَهَجِّمينَ وَحاوَلُوا إِرغَامِي
وَضَعُوا القُيودَ بِمِعصَمِي فَرَأَيْتُني
في السِّجْنِ صُحبَةَ عُصبَةِ الإِجْرامِ
أَصْبَحْتُ حُكْمًا جائِرًا بِفُصُولِهِ
في مِسْطَراتِ النَّقْضِ وَالإِبْرامِ
تُهَمُ السِّيَّاسَةِ كَمْ كَسَرتُ كُؤُوسَها
وَكَمِ انْتَشَيْتُ بِكِذْبَةِ الأَحكَامِ!
لَمْ يَفْلَحِ الثَّوْرُ الَّذي أَرْدَيْتُهُ
وَوَضَعْتُ فَوْقَ قُرُونِهِ أَقْدَامِي
***
عَامٌ يَجيءُ لِكَيْ يَمُوتَ كَأَمْسِنا
وَيُذِيقَنَا مِنْ سَطْوِهِ الظُلاَّمِ
وَلَكَمْ يَجِىءُ مُخَادِعًا، لَكَأَنَّهُ
زَانٍ يَطُوفُ بِجُبَّةِ الإِحْرَامِ
ما نَحْنُ نَقْبَلُ أَنْ تَجيءَ مُخَاتِلاً
أَوْ أَنْتَ تَقْبَلُ صَدَّنا المتَنامِي
كَالأَمْسِ ما غَدُنا سَيُنْبِتُ زَهْرَةً
زُرِعَتْ عَلى حُبٍّ مِنَ الأَلْغامِ
اِرْحَلْ كَما السَّنَواتُ قَبْلَكَ أَوْ كَما
تِلْكَ الَّتي تَأْتي بِغَيْرِ سَلامِ
وَكَما القُرُونُ وَمَنْ تَمَكَّنَ وَانْتَهَى
عَدَماً كَما في سُورَةِ الأَنْعامِ
***
قُولُوا لِمَنْ وَأَدَ المحَبَّةَ بَيْنَنا:
يا أَرْضَ أَجْدادي عَدِمْتِ سَلامِي!
نَايُ المَحَبَّةِ أَنْتِ كُنْتِ كَسَرتِهِ
وَخَنَقْتِ في أَنَّاتِهِ أَنْغامِي
أَنا لَمْ أَعُدْ قَمَرا لِأَمْنَحَ قُبْلَةً
لِلْعاشِقينَ وَقَدْ طَوَيْتُ غَرامِي
ما عادَ لي ضَوْئِي وَشَمْسُ نَهارِنا
في الشَّكِّ تَنْسِفُ عَبْوَةَ الإِقْدامِ
قَلْبي تَمَزَّقَ وَاسْتَقالَ بِغُرْبَةٍ
زَمَّتْ لِساني فَافْتَقَدْتُ كَلامِي
لَمْ يُنْسِني العُمْرُ القَتيلُ فَجائِعاً
وُلِدِتْ مَعي فَتَضاعَفَتْ أَسْقامِي
وَلَكَمْ كَتَبْتُ إِلى الحَقيقَةِ دَمْعَتي
لَكِنْ تَعِبْتُ وَكُسِّرَتْ أَقْلامِي
فَغَدَوْتُ سَطْراً باهِتاً في فَقْرَةٍ
ضاعَتْ مَعي كَحَقائِقِ الإِعْلامِ
وَدَفاتِراً ما زِلْتُ أَكْتُبُ ما مَضَى
أَسَفا عَلى صَفَحاتِها أوْرَامِي
***
يا أَيُّها الوَطَنُ الَّذي قَتَلَ الْهَوَى
وَرَمَى الجَنينِ بِساحَةِ الإِعدَامِ
قَدْ كُنْتَ لي حُلْمًا وَكانَ لَنا الهَوَى
وَاليَوْمَ ضاعَ الحُلْمُ في أَحْلامِي
ما عادَ يَذْكُرُني الَّذينَ أُحِبُّهُمْ
مُذْ غابَ عَنِّي في الصَّلاةِ إِمامِي
وَغَدَتْ مَساجِدُ قِبْلَتي تَرنُو إِلى
بِيَعٍ تَسِيرُ عَلَى هُدَى الحَاخَامِ
وَغَدَتْ شَريعَتُنا طَعامَ جُيوبِهِمْ
حَتَّى أَباحُوا اليَوْمَ كُلَّ حَرامِ
كَمْ جازَ مَكْروهٌ وَعُلِّقَ واجِبٌ
في حُكْمِهِمْ بِتَعاقُبِ الآثامِ
***
فَوْضى المكَانِ تُؤَثِّثُ البَيْتَ الَّذي
سَتُعيدُ فَوْضاهُ إِلَيَّ نِظامي
إِنِّي أَعُودُ وَفي المحاجِرِ دَمْعُةٌ
مَحْجورَةٌ بِمَدامِعِ الأَيْتامِ
ما كانَ عَوْدي وَالجِراحُ أَليمَةٌ
لَوْ لَمْ يَكُنْ لي واجِبُ الأَرحَامِ
وَيَدُ اليَقينِ تَقودُني لِغَدي الَّذي
سَيَلُفُّني بَلَطائِفِ الأَنْسَامِ..