أنا أحتسي قهوتي بزاوية المقهى على الساحة المطلة على الشارع الفارغ إلا مما تلفظه محطة الميترو بين الحين و الآخر ، أو من هؤلاء الغجر من النسوة و بعض الرجال المتكومين حول قاذورات الأزبال بقرب من السوبر ماركت …وأطفالهم متسخون يعبرون الطريق الواحد تلو الآخر كالقطط المتشردة الصغيرة بحذر …
أنا أحتسي قهوتي ذات مساء من أيام الآحاد المملة…بزاوية المقهى بالساحة المطلة على الشارع الفارغ إلا من بعض ضجيج السكارى و المعربدين وقهقهاتهم و أصوات أغانيهم المقرفة ..يتعاركون في بعض اللحظات و في لحظات أخرى يتعانقون و يقبل بعضهم البعض وتصالح بينهم تلك البوهيمية الشقراء ذات التنورة الموردة و الجاكيت الجلدي .. تمر حول زبائن المقهى لتطلب النقود ..وكلما توفرت لها ،سارعت إلى السوبر مارشي واقتنت بعض قناني البيرة 8.6 الرخيصة جدا …ووزعتها على رفقائها و هي سعيدة جدا …
وأنا أحتسي من ذاك الفنجان وأشرب من سيجارتي في زاوية المقهى …بالساحة المطلة على الشارع و محطة الميترو و السوبر مارشي الصغير يوم الأحد الممل …و هؤلاء الغجر يعبرون و يفتشون في كل ما يجدوه من قاذورات و أولئك الصعاليك و تلك الشقراء ذات العينين الخضراوين تشتري الجعة الرخيصة و تسعى من المارة السجائر بلطف و تودد …
لم أنتبه فجأة للكلب وصاحبه وقد إقتعدا مكان بقرب طاولتي ..
وأنا أحتسي قهوتي و أدخن من سيجارتي بين الحين و الحين و أراقب الشارع ، و أغيب في كثير من الأحيان …وفي لحظة ما يعبر كلام عبر أذني ، يقول فيه صاحب الكلب وهو يحادثه : إسمع يا أوليفر يا حبيبي وخذها نصيحة من صديق وفي لك …
والكلب أوليفر يحرك ذيله بخفة و نشاط و يستمع و يصغي لصاحبه بكل تفان ، إنتابني شعور غريب و فضول أيضا، كيف لكلب يخاطبه صاحبه بلغة البشر و يفهمها الحيوان الكلب …الكلب كلما هم السيد صاحبه بالكلام إلا و حرك ذيله و رأسه وكأنه يقول : قل يا سيدي فأنا كلي آذان صاغية ….وينظر إليه و ينظر إلي وأنا أحاول أن أحتسي قهوتي و كأني لم أسمع كلمة واحدة و الحوار الدائر بين السيد و كلبه ….
إسمع يا أوليفر و هو يحتسي جعته الرابعة …اليوم ليس كالأمس يا أوليفر ، اليوم لم تعد الثقة بين الناس ..كن حذرا من الأغراب القادمين من المجهول …يا أوليفر كن وفيا لي و أعتني بي و لا تبتعد عن سيدك واحرسني جيدا …فالسرقة كثيرة هذه الأيام …أوليفر و هو يستمع لسيده السكير يرقبني بحذر وكأنه على استعداد لفعل أي شيئ لأرضاء صاحبه….
و أنا أعتصر في مكاني حسرة و أحتسي قهوتي ، وأدخن بنهم ، و أضع علبة السجائر و الجريدة جانبا ، أحاول عبثا البحث عن أي شيئ في السماء و الفراغ …وهو يحدثه عن الغجر و يلعنهم و يسب السكارى المنبوذين ويحذر كلبه من سرقات الأجانب ….
لحظتها ألم بي وجع في بطني ذهبت مسرعا إلى داخل المقهى باحثا عن بيت قضاء الحاجة …و عند عودتي إلى الطاولة لم أجد علبة السجائر و لا الجريدة ..فاحتقن وجهي غضبا و قلت للكلب أوليفر :
إسمع أيها السيد أوليفر قل لسيدك أن اليوم ليس كالأمس .. السرقة كثيرة هذه الأيام …و عليك يا أوليفر أن ترد لي سجائري و جريدتي وإلا مارست عليكما كل غضب المهاجرين و الغجر و الصعاليك …نظر إلي مقطبا حاجبيه وذيله مسترخيا على الأرض بغضب ، وينظر إلى صاحبه مرات عديدة في إشارة إلى ورطتهما …..
ولم أتمم كلماتي حتى رد صاحب الكلب الذي يشبه أوليفر بوجه منتفح تعلو وجنتيه نقاط حمراء و صفراء ..إسمح لنا أعتقدنا أنك رحلت ..خذ يا سيدي أشياءك …الآن سأنتقل إلى طاولة أخرى ولن أرحل يا وجه لكلب بتسكين اللام.