أديــبــة ــ ذ. سليم عيشان

0
643

تنويه :
إذا تطابقت الشخوص والأحداث مع البعض على أرض الواقع .. فليس هذا سوى من قبيل المصادفة البحتة …
( الكاتب )
==============

” أديبة ” ؟؟!!

” .. سيدتي .. أعرف بأنك سيدة من سيدات المجتمع الراقي، ترتادين الصالونات الأدبية .. المحافل الثقافية المختلفة، والحفلات الخيرية .. كل هذا وذاك دون أن تقدمي شيئاً .. دون أن تفعلي شيئاً في كل الأحوال .. اللهم سوى وجودك وتواجدك، فيكفي أنك شخصية مجتمع راقية .. يكفي أنك جميلة .. بل لعلك أجمل الجميلات .. جميلة وجذابة بلا حدود .. ويكفي أنك أنيقة الأنيقات .. ويكفي بأنك ثرية .. بل أثرى الأثرياء .
سيدتي .. لعلك تتساءلين عن هذه المقدمة الطويلة وأسبابها ؟؟!! ، ولعلك تتساءلين عمن أرسلها؟؟ .. عمن أرسلتها على وجه التحديد ؟؟!! .
… رويدك سيدتي .. سوف أقول لك كل شيء .. وسوف تعرفين كل شيء .. وكل ما أرجوه منك .. هو السماح لي ببعض الوقت من وقتك الثمين.
الأمر ببساطة سيدتي .. بأنني ” امرأة ” أعيش في الظل .. على الهامش .. على هامش الحياة.
لا تظني سيدتي بأنني امرأة جاهلة .. أميّة .. لا يا سيدتي بالمطلق .. فأنا فتاة جامعية .. حاصلة على أرقى الشهادات العلمية .. ومن أرقى الجامعات .. وفي مجال اللغة والأدب.
أوه .. أشعر سيدتي بأنك قد بدأت بالملل والضجر والسخط .. أنا أعرف بأنه ليس لديك المتسع من الوقت لمثل هذا الهراء الذي أقوله .. لا بأس سيدتي .. فلن أطيل عليك كثيراً .. ولن أؤخرك عن حفل عيد ميلاد صديقتك .. وهي التي تقيمه اليوم للمرة العاشرة خلال هذه السنة ؟؟!! .
سأجيب عن سؤالك حالاً سيدتي ..
لا بد وأنك تتساءلين في سرك :
” وما شأني أنا بمثل هذه الأمور وتلك الحماقات ؟؟ ”
حقّاً سيدتي ما تقولين .. ولكن اسمحي لي أن أوضح الأمر قليلاً .. ولن أستحوذ على المزيد من وقتك الثمين ..
لك شأن .. بل كل الشأن سيدتي بالأمر .. فأنا أديبة.. كاتبة .. وكتاباتي أكثر من رائعة على ما أعتقد .. بل أنا متأكدة من ذلك ..
عفوك سيدتي .. لا تزفري هكذا .. يبدو أن حديثي التافه هذا قد سبب لك الضيق ..
لا بأس .. دقائق قليلة أخرى سيدتي .. ولن أستحوذ بعدها على الكثير من وقتك ..
لعلك تتساءلين من جديد في سرك : ” وماذا أريد منك ؟؟!! ”
حسناً .. ها قد وصلنا إلى نقطة الحسم في الأمر سيدتي .. وها قد وصلنا إلى لب الموضوع.
فأنا أريد أن أعقد معك صفقة سيدتي .. .. لعلك تفغرين فاه الدهشة عن آخره .. وتقطبين الجبين عن آخره .. ولعلك تقولين في سرك : ” أي حمق هذا وأي جنون ؟؟!! ” .. ولكن .. مزيد صبرٍ سيدتي .. لحظات فقط كي أوضح الأمور.
أوه .. مالي أراك تهمين بقذف هذه الرسالة بعيداً بعد أن سئمت قولي ومللت حديثي.
أرجوك سيدتي .. لا تنفعلي هكذا .. فسوف تنتهي كل الأمور خلال لحظات يسيرة .. ولك حرية التصرف بعدها بالكيفية التي تشائين.
الأمر سيدتي .. بأنني أكتب الروايات .. القصص .. وبشكل مدهش .. ولكني سيدتي لا أجرؤ على نشرها .. فلست بسيدة مجتمع مثلك .. ولست بأميرة صالونات مثلك .. ولست بثرية مثلك.
أريد أن تكون صفقة تبادل منافع بيننا .. أن نكمل بعضنا البعض ..أنا أكتب، وأنت تنشرين الكتابة .. ولا بأس أن يكون النشر باسمك وليس باسمي .. أنا أوافق على ذلك … فأكون من ناحية قد نشرت كتاباتي .. أدبياتي .. قصصي .. رواياتي .. وتكوني أنت في نفس الآن قد فعلت شيئاً نافعاً في الصالونات .. في المحافل .. وكسبت شهرة جديدة .. وعدم الاكتفاء بإظهار أناقتك وجمالك وجاذبيتك وحضورك فحسب.
أعتقد بأنها صفقة جيدة .. فلن تخسري شيئاً سيدتي .. بل سوف تكونين الكاسبة الوحيدة من هذه الصفقة .. فسوف أرسل لك باكورة التعاون حال موافقتك .. رواية .. تنشرينها في شكل كتاب .. باسمك .. أما أنا .. فيكفيني أن ترى كلماتي النور فحسب.
أرى علامات الميل والموافقة قد بدت على محياك سيدتي .. أراك تميلين للموافقة .. في كل الأحوال … أنت لن تخسري شيئاً سيدتي .. لن تخسري شيئاً .. ” .
قلبت السيدة الجميلة الرسالة بين يديها أكثر من مرة .. مرة لتعيد القراءة من جديد .. ومرة لتغوص في معانيها .. ومرة .. ومرة … ولم تلبث أن تناولت ورقة وقلماً .. وكتبت رسالة من كلمة واحدة .. ” أوافق ” ..
وضعت الرسالة في المظروف .. عنونته على العنوان المدرج بالرسالة التي تلقتها … وأرسلتها.
ما هي سوى أيام قلائل .. حتى كانت ” الرواية ” الأولى تصل إليها .. راحت تقرأها بشغف وسعادة .. أعجبت بها بشكل عظيم .. فلقد كانت الرواية .. أكثر من رائعة.
قامت في الحال بما يلزم من أمور الطباعة والنشر.
أكثر من صاحب مطبعة ودار نشر عرض عليها العروض المغرية لنشر النص الروائي .. لصلاتهم الوثيقة بها كسيدة مجتمع راقٍ…. ورأى النص الأول النور .. كانت رواية عظيمة .. من تأليف سيدة المجتمع الراقي ؟؟!! .. وتناولها النقاد والقراء بشكل عظيم .. أثنوا على النص وعلى كاتبته المبدعة ؟؟!! .
توالى وصول الروايات من صاحبتها .. مؤلفتها الحقيقية .. للأديبة والكاتبة المفترضة.. سيدة الصالونات والمجتمع ..
ذاع صيتها .. انتشر اسمها كأديبة راقية مبدعة .. تنافس الأدباء المحليون والعالميون مكانة وشهرة ؟؟!! .. تهافتت دور النشر على طباعة ونشر وتوزيع الأعمال العديدة .. وأصبح الجميع يشيرون إليها بالبنان .. فتبوأت المكانة الراقية العظيمة.
الكاتبة الكبيرة .. الأديبة الراقية .. أقامت حفلاً عظيماً في منزلها الذي يشبه القصر الفخم .. ذلك بمناسبة نشرها الرواية العاشرة من رواياتها التي كان يتهافت عليها الجميع .. والتي كانت طبعاتها تنفذ بالكامل بمجرد صدورها .. فتعيد دور النشر الطباعة والنشر والتوزيع من جديد.
من أجل تلك المناسبة .. مناسبة نشر الرواية العاشرة .. قررت أن تقيم ذلك الحفل الضخم للمعجبين.
دعت للحفل كبار القوم .. نساء ورجال المجتمع المخملي .. المهتمين .. وأصحاب دور الطباعة والنشر.
قدمت في الحفل ما لذ وطاب من صنوف الطعام والشراب .. الرقص .. الموسيقا والغناء.
في نهاية الحفل الصاخب .. كان على الأديبة الكبيرة أن تقوم بالتوقيع على نسخ روايتها الجديدة بخط يدها للمعجبين و…
تدافعت الأيدي العديدة وهي تحمل نسخ الرواية .. لتقوم بالتوقيع عليها .. أيدٍ عديدة .. كثيرة .. ناعمة .. رقيقة .. لنساء ورجال .. من أبناء الطبقة الراقية المخملية.
راحت توقع على النسخ العديدة.. بينما كانت توزع الابتسامات العريضة على الجميع.
استمر الوقت طويلاً .. بينما الجميع في سعادة وحبور ..
من بين الأيدي … كانت يد تمتد نحو الكاتبة بنسخة من الرواية للتوقيع عليها.
اليد .. كانت معروقة .. محروقة .. لم تلبث الكاتبة أن جفلت لمشهد اليد المحترقة .. نظرت نحو صاحبة اليد .. إلى وجهها .. ورأتها..
امرأة دميمة .. مشوهة .. محترقة الوجه كما اليد وأكثر .. مشوهة المعالم .. تمد بيدها المشوهة بنسخة الرواية نحو الأديبة الكبيرة .. الروائية العظيمة.. لتنال شرف التوقيع على نسختها.
الأديبة الكبيرة .. الكاتبة العظيمة .. أشاحت بوجهها بعيداً .. تقززاً ..هي أنفت من مجرد مد يدها ناحية نسخة الكتاب للتوقيع عليه.. تماماً كما أنفت من النظر إلى الوجه المشوه للمرأة الدميمة.
صاحبة النسخة .. شعرت بالأمر جيداً .. لم تتمالك نفسها .. طأطأت رأسها .. أطرقت إلى الأرض .. ثمة دموع حارقة انهمرت من عينيها .. تهاوت يدها التي تحمل نسخة الرواية .. سقطت نسختها على الأرض .. تركتها .. وغادرت لا تلوي على شيء.. ولم تلتفت خلفها ..
الأديبة الكبيرة .. الروائية العظيمة .. توقفت عن النشر .. لم تعد تنشر الروايات .. توقفت عن ذلك لمدة طويلة بعد تلك الحادثة ..
حثها رجال المجتمع .. نساء المجتمع الراقي المخملي .. حثها الجميع على استئناف الكتابة من جديد .. ليسعدوا بأدبها الراقي من جديد ؟؟!! … وراحوا يتساءلون … يحدسون .. يخمنون .. عن سبب توقفها عن المتابعة ؟؟
الحقيقة التي غابت عن الجميع .. بأن الرسائل التي كانت تصل تباعاً .. والتي تحتوي على الأعمال الأدبية الروائية قد توقفت .. بدورها .. الأديبة الكبيرة تساءلت في سرها عن سبب توقف وصول الروايات إليها ؟؟!! .
اعتقدت بأن الكاتبة صاحبة الروايات أصبحت الآن في دور المساومة لتعديل الاتفاقية في الصفقة التي كانت ذات يوم، وذلك بعد النجاح الهائل للأعمال الأدبية تلك .. اعتقدت بأنه قد حدث لها مكروه .. ورجحت بأنه من المحتمل أن تكون قد انتقلت إلى العالم الآخر ..
أصابها الغم والحزن .. ليس على موت المرأة .. ولكن بسبب توقف وصول الرسائل التي تحتوي على الروايات الجديدة إليها ؟؟!! .
وقت طويل مضى .. قبل أن تصل إليها تلك الرسالة أخيراً.
فرحت .. زغردت نفسها .. فها هو الخير يأتِ من جديد.
فتحت مظروف الرسالة .. وقع بصرها على ما يحتويه المظروف .. شهقت .. بهتت .. لم يكن يحتوي على نص جديد .. كانت رسالة.. مجرد رسالة ؟؟!! .
بعصبية .. راحت تقرأ الرسالة :
” .. سيدتي الأديبة الكبيرة … الكاتبة الراقية .. ها أنا أعود للكتابة إليك من جديد .. هذه المرة .. لن أرسل لك رواية جديدة .. هل تدرين لماذا أيتها الكاتبة العظيمة ؟؟!!
لا لشيء .. إلا لأنك حطمت إنسانة محطمة .. بكبريائك .. غرورك .. غطرستك .. وحمقك.
هل تذكرين ذلك المشهد سيدتي ؟؟ .. أم أن ذاكرتك ضعيفة وواهية ؟؟ .. هل تذكرين تلك اليد المعروقة .. المحروقة .. التي كانت تمتد نحوك بنسخة روايتك .. روايتك ؟؟!! .. للتوقيع عليها.
هل تذكرين ذلك الوجه الدميم للمرأة الدميمة صاحبة اليد المعروقة المحروقة ؟؟.. والتي أنفت بدورك من مجرد النظر إليها .. وجفلت من التوقيع على نسختها .. وكأن بها داء سيصيبك لو أنك فعلت هذا أو ذاك ؟؟!! .
هل تدرين من هي صاحبة الوجه الدميم تلك ؟؟!! … إنها .. إنها أنا يا سيدتي .. أنا هي تلك المرأة القبيحة .. الدمية ..
هل تدركين مدى ما فعلت بي يومها ؟؟ .. لقد قتلتني .. حرقتني .. لحظتها فقط .. مت .. فقدت آدميتي .. تحطمت نفسي .. هل تدركين مدى ما فعلت بي سيدتي .. هل تدركين ؟؟!!
لقد مات فكري .. تحطم قلبي .. تماماً كما جف قلمي .. وللأبد.
فلم أعد قادرة على الكتابة .. ولم يعد القلم يطاوعني على الحروف .. ولا القلب الميت والنفس المهيضة.
لقد مت يا سيدتي .. أنت من أماتني .. من قتلني .. بغرورك ..وصلفك.
لا بأس سيدتي .. فأنت أيضاً في النهاية لم تخسري شيئاً .. وسيظل الجميع يذكرونك .. أديبة كبيرة .. كاتبة مبدعة ؟؟!! .
أما أنا .. فسوف أعود إلى الظل من جديد .. أحاول مداواة قلبي المحطم .. ونفسي المهشمة المهيضة .. وروحي الضائعة ..
سامحك الله سيدتي .. سامحك الله أيتها الأديبة ؟؟!!..
ولكن .. هناك ثمة سؤال ما زال يطاردني .. يلح عليّ بقوة :
” سيدتي … من منا يا ترى .. تلك التي هي .. ” الدميمة ” ؟؟!! .

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here