المحبة الأسمى
الشعر قافية ومعنى ومشاعر وخيال، وهو المزيج الذي يصعب تحليله، ومن هنا أتت صعوبة الشعر
لأنه يأتي إلى الشاعر و هو بحالة تختلف عن حالته، فلربما احتاج الشاعر إلى عزلة تقربه إلى التفاهم
مع ما يريد أن ينبثق عن نفسه وكأنه يتحايل على هذه النفس لكي تلقي ما في أعماقها كاملا، ولا
تنفر كالفرس الجموح. فإذا صاحب هذا كله الهم الذي يحمله الشاعر ، فإن المسألة تأتي عفويا، لأن
الشاعر الذي يدندن بأحلامه الشخصية ليس كمثل الشاعر الذي يدندن بأحلام الوطن، والشاعر الذي
يدندن بأحلام الوطن ليس كمثل الشاعر الذي يتنفس أحلام الدعوة إلى الله فتصعد منه الأشعار عبقا،
فأحلام الشاعر الشخصية تفيد الشاعر نفسه، وربما لا تأتي بثمرة عظيمة في الدنيا أو في الآخرة، أما
أحلامه في ما يرجو فيه ثواب الله فإن ثمرتها تكون في الدنيا وفي الآخرة سترا وفوزا ورفعة، فحرية
الالتزام هي الحرية المسؤولة، وتوضيح هذا يجعلنا نتذكر شعراء شاهدوا ما يعاني وطنهم من ألم
ومحنة ولم يقاوموا حبهم الشخصي فرفضوا الانصياع مختارين إلى حب الوطن وآلامه. حر أنت أيها
الشاعر فتأوي إلى محبة الوطن الذي هو لحمك ودمك، وبسعيك لاستقراره يرضى عنك ربك، أو تأوي
إلى الغياب في صمتك ووحدتك. وأنت أيها الشعر محتاج إلى المحبة الأسمى ؛ لأنها كالماء والهواء،
ولأنها كالمدينة المتسعة بما فيها من آفاق، وكالقرية الصغيرة بما فيها من تماسك وارتفاق.