بدأت تقص سيقان الورود لتصففها في المزهرية، سمعت آهات ألم، أقنعت نفسها أنه خيل لها ذلك…
واصلت التقطيع ارتفع صوت التألم.. سمعت الصوت:
مهلا فأنت تؤلمنني ..
إنها الوردة الحمراء التي بين يديها هي التي تصرخ في وجهها…
قالت لها : عفوا هل تحدثينني ؟!الوردة الحمراء : نعم .. فأنا بين يديك أنت ولا يوجد سواك في المطبخ ..هي : معذرة.. هل آلمتك؟الوردة الحمراء : وماذا تنتظرين من مقصك الحافي الذي يقطع أوصال ساقي وسيقان أخواتي ..هي بخجل: لم تكن نيتي أن أؤلمك..ضحكت الوردة الحمراء وجعا: لن يحنو المقص علينا، فهو يقطع سيقاننا كالمنشار الذي يقطع جذع أمنا الشجرة.. لا رحمة لديهما..هي : كنت أريد تسهيل مص الماء والسكر لسيقانكن .. حتى لا تذبلن سريعا .الوردة البيضاء: بل قولي: تريدين تمتيع نظرك بسجننا في مزهريتك الزجاجية . هي زجاج ولن ينفعنا مياهها ولو كانت مسكرة.تعالت ضحكات الورد: تريد أن تستفيد قدر الإمكان من الثمن البخس الذي فرط فينا به بائعنا ..هي: لا لا لم أقصد هذا ..فثمنكن لا مقدار له.. و لست من محبي قطفكن من أمكن الشجرة..تعالت مرة أخرى ضحكات استهزاء وسخرية: مشكورة هذه السيدة، فهي لا تحب أن ننزع من أمنا .. ولكنها تشترينا كمن يشتري عبدا و هو ضد النخاسة..هي بارتباك: لا أدري كيف أشرح لكن ..أنا فعلا أفضل أن أستمتع بجمالكن في البساتين والحدائق.. ولكن بما أن غيري قطفكن .. ولن تقوين على الحياة طويلا .. فلماذا لا أستمتع بكن أنا كذلك مثل الجميع في مزهريتي الزجاجية..الوردة الصفراء : لو كنت فعلا تكرهين قطفنا لما اشتريتنا وبدأت في قص سيقاننا بدون رحمة..الوردة الحمراء: لا أفهم لماذا أتيت بنا لمنزلك ..كنا ننتظر أن يحملنا أحدهم إلى المقبرة دون أن يقص سيقاننا.. على الأقل مواساتنا لميت لا يزوره أهله إلا مرة واحدة في السنة والموتى إلى جانبه، أفضل بكثير لنا أن تحبسيننا في شقتك الإسمنتية.. وفي مزهرية ضيقة .. تحبس سيقاننا. فلا تستطيع امتصاص الماء والسكر. فيكون موتنا واحتضارنا وتساقط أوراقنا ببطء كبير ..واصلت الوردة الحمراء :
فخير لنا أن نجتمع مع الأموات ونموت سريعا ..حيث نذبل ونصفر .. وتراقصنا رياح الخريف .. فترمينا بعيدا.. فترجع إلى الأرض بقايا أوراقنا وسيقاننا وبذورنا.. حيث جذورنا بدل أن نتعفن مع مائك المسكر والراكد … فترمينا مع القمامة من بلاستيك وزجاج وبقايا طعام وبطاريات ملوثة لنا ولأرضنا…شعرت بالخجل ولكنها لم تتوقف عن قطع سيقان باقي الوردات بالسكين الحاد بدل المقص غير مبالية بصراخ ألمهن. فلقد دفعت ثمنهن لكي تستمتع بجمالهن وليس لتسمع منهن متمنياتهن ..
صففتهن في المزهرية بسرعة لكي لا يطلن النظر إليها. فنظراتهن تلح عليها بسؤال:هل هي فعلا لاتطيق قطف الورود ؟!!اختلطت أصوات الصفراء والحمراء والبيضاء والأوراق الخضراء : كيف لك الاستمتاع بنا و أنت تشيحين نظرك عنا..؟؟تجاهلتهن وهي تستمع بصوت مرتفع لأغنية (الورد جميل ) لسيد مكاوي ..