” الرهان ”
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونة )
===============
إهداء متواضع :
إلى من تسألني دوماً وبإلحاح … هل كتبت حكايتي ؟؟؟ .
——————————
تقديم :
شخوص النص حقيقة .. وأحداثه حدثت على أرض الواقع .. وليس من فضل للكاتب على النص .. سوى الصياغة الأدبية فحسب.
================
مقدمة :
هل تكتب لي نصاً يا سيدي ؟؟ هل تكتب حكايتي ؟؟ .. لقد قرأت نصوصك كلها … لن أقول بأنني قد أعجبت بها .. حتى لا يتملكك الزهو والغرور .. ولكني تعلقت بها ..قرأتها كلها بنهم وشغف .. وكم أعجبت بها .
الحقيقة يا سيدي بأنك قد عالجت قضايا ومشاكل اجتماعية عديدة.. ولكنك لم تتعرض لمشكلة كمشكلتي .. وقضية كقضيتي وحكاية كحكايتي .. فلتكتب يا سيدي .. اكتب .. ولا تعجب من قضيتي .
* * *
.. صوت الموسيقى تصدح عالياً .. يصاحبها إيقاع الغناء الصاخب والتصفيق الحاد .. تصدح في جنبات الأرض ليتردد صداها في أرجاء السماء .. النشوة الطاغية تستبد بالجميع وهم يرقصون ثملين طرباً ونشوة وسعادة .. باقات الورود والرياحين والزهور تنهال على العروسين اللذين كانا يجلسان في المكان المخصص لهما .. الابتسامة العريضة تغطي محياهما .. طابور المهنئين الطويل ينهال بالقبلات على وجنتي العريس من الرجال … وعلى وجنتي العروس من النساء .
كؤوس الشراب المثلج بشتى ألوانه وصنوفه وأحجامه توزع على الحاضرين من الجنسين .. بين الابتسامات العريضة وعبارات المجاملة المتنوعة .
البيارق والزينات والرايات مختلفة الأشكال والألوان تغطي جدران المكان وسقفه في جميع الأنحاء وكل الأرجاء.. مع إنارة وهاجة بألوان الطيف التي تكاد تخطف الأبصار .
وفود المهنئين والمهنئات ما تزال ترد على المكان زرافات ووحدانا … أصوات الموسيقى تزداد صخباً وضجيجا .. تدوي مجلجلة لتغطي على كل الأصوات .. صوت الغناء يتردد صداه في المكان ليصم الآذان … حمى السعادة والضحكات المجلجلة المدوية تزداد أكثر فأكثر .
العريس .. يبدو في كامل زينته الرجولية الجلية .. تعدى مراحل المراهقة والشباب بسنوات وسنوات . يجلس في المكان المخصص له إلى جانب عروسه التي بدت في ثوب الزفاف الأبيض .. والتي تبدو عليها علامات السعادة والسرور والفرح واضحة جلية .. تبدو وكأنها قد تجاوزت مرحلة الصبا … والصبا المتقدم.. رغم محاولاتها إخفاء ذلك بالمساحيق العديدة … متعددة الطبقات والألوان .
بدوري … كنت أرتدي ثوبي الأبيض الذي يضاهي ثوب العروس ذاتها .. بل لعله يبزه .. كنت في كامل زينتي وأناقتي ورونقي .. كانت جل العيون تتجه نحوي .. تحدق بي .. منبهرة بجمالي وزينتي ورقتي .. كنت أرقص بين الجميع من النساء بخفة الفراشة.. ورقة النسمة ..
أرى العيون .. كل العيون تحدق بي من كل حدب وصوب .. وقد بهرها حسني ودلالي وجمالي .. وقد تمايلت حد الثمالة مع حركات رقصاتي .
حمى الغناء والرقص والتصفيق تزداد أكثر فأكثر .. تستبد النشوة بالجميع … يزداد صدح الموسيقى ضجيجا .. تزداد حمى السعادة والسرور وتسيطر على الجميع بلا استثناء ..
كم سمعت من الهمس الذي تناهى إلى مسامعي من هنا ومن هناك .. ” ما أجمل هذه الفتاة .. ما أجمل هذه المرأة .. إنها أجمل من العروس ذاتها آلاف المرات ” .
حقّاً .. فلقد كنت محطّاً لأنظار الجميع .. سواءً أكانوا من الرجال أم من النساء …
عفواً .. فلقد نسيت أن أعرفكم بنفسي .. فأنا هي السيدة ( … ) .. حقّاً .. فأنا سيدة .. نعم .. سيدة ومتزوجة بالفعل .. وكم أنا أحب زوجي .. لأنه ببساطة زوجي .. والد أبنائي الأربعة .
نعم .. فإن لي من الأبناء أربعة .. وحقّاً بأنني قد تجاوزت الثلاثين من العمر .. وحقّاً بأنني سيدة جميلة .. وهذا ما يقوله الجميع.. وما يؤكده الكل .
هذه الليلة .. قررت أن أكون جميلة أكثر .. رائعة أكثر .. أنيقة أكثر .. لا لشيء .. إلا لأن هذه الليلة .. ليلة مميزة .. مختلفة .. فكان من الواجب أن أكون أيضا مميزة .. مختلفة .
انتصف الليل .. أو كاد .. أعداد المتواجدين أخذت بالتناقص … التناقص التدريجي .. وما هي سوى دقائق معدودات .. حتى كان الجميع تقريبا يغادرون المكان … وكان لا بد من إجراء المراسم الأخيرة للزفاف .. في نهاية برنامج حفل الفرح كالمعتاد .
نهض العريس من مكانه وهو يمسك بيد عروسه .. وسط نقرات الدفوف المتتالية .. ومصاحبة موكب الأهل والأقارب المقربين .
بدوري .. توقفت عن الرقص .. وقمت بالانضمام للمجموعة المرافقة للعروسين والتي كانت تقوم بواجب الزفاف التقليدي .. ومرافقة العروسين حتى نهاية المطاف .. حيث الحجرة التي سوف تضم العروسين .
ولج العروسان تلك الحجرة .. ولم تلبث المجموعة المرافقة أن بدأت بالمغادرة والتفرق .. خاصة بعد أن أوصد العريس باب الحجرة من الداخل بالرتاج .
وحدي .. من لم تغادر بعد أن غادر الجميع .
وقفت إلى جانب باب الحجرة من الخارج .. أخذت أرنو نحو الباب المقفل بنظرات ملؤها الحزن والألم .. أسندت ظهري إلى الجدار.. إلى الباب . بكيت .. بكيت بحرقة .. كما لم أبك في حياتي أبداً … هطلت الدموع من عينيّ بغزارة كالمطر المدرار .. شعرت بالدوار العظيم .. بالغثيان الكبير … لم ألبث أن تهاويت إلى الأرض فاقدة الوعي تماماً .. فلقد كان العريس .. هو .. زوجي؟؟!! .
***
لم أكن لأتصور في يوم من الأيام أن أقف في مثل هذا الموقف العصيب الغريب .. لقد كنت وزوجي متآلفان متحابان متفاهمان بشكل كبير .. حقّاً بأنني لم أتزوجه عن قصة حب عاصف .. ولم أكن أحبه أو أعرفه قبل الزواج .. ولكني أحببته بعد الزواج حبّاً كبيراً .. وتفانيت في حبه وخدمته …
كنت له الوفية .. الودود الولود .. أنجبت له من الأطفال أربعة .. رائعين .. فكانوا مصدر سعادة جديدة لنا .. ومصدر هناء بالنسبة لنا .
لم يكن ليخطر ببالي في يوم من الأيام أن يقدم زوجي على مثل هذه الخطوة الغريبة .؟. فهو رجل ملتزم .. يحب أسرته .. يحب أطفاله … ويحب زوجته التي هي أنا حبّاً عظيماً ..
كنت له المطيعة .. لم أخالف له أمراً في يوم من الأيام .. وكنت على جانب كبير من الجمال والجاذبية والرقة .. قلما تتمتع به الكثير من الفتيات .. كان جمالي مميزاً .. ومن الممكن أن يقال عنه .. جمال رائع .. ولكني لم أصل لدرجة الغرور في يوم من الأيام .
لم أكن أبخل على زوجي بالحب .. الطاعة .. الألفة .. والعطاء بلا حدود ..
لم يكن ينقصه أمر يثبت رجولته .. ولم أكن في يوم من الأيام سبباً من أسباب تنغيص حياته .. أو عدم تلبية حاجاته .
لا زلت أذكر ليلة الأمس .. ليلة فرح زوجي .. ليلة زفافه وعرسه وزواجه من امرأة أخرى .. وبشكل مفاجئ ..
لا زلت أذكر همسات النساء المشاركات في الحفل .. وهن يتهامسن :
” .. ما أجمل امرأته هذه .. فلماذا يتزوج بأخرى ؟؟ ”
لحظتها لم أكن أعي ما يقلن .. ولا أهتم بما يتحدثن .. ولا آبه بما يتهامسن به .. وكأن الأمر لا يعنيني بالمطلق .. وكأني لست المقصودة به ..
لا زلت أستعيد كل كلمات أهل عروسة زوجي ليلة البارحة .. عندما كن يبحثن بين الحشد الكبير من النساء عن الزوجة العجوز الدميمة .. التي كانوا يعتقدونها كذلك … فلما عثرن عليّ .. شهقوا .. فغروا أفواه الدهشة كالبلهاء .. لجمالي وأناقتي ورقتي وروعتي .. لم تتوان إحداهن أن تصرح بالقول بأنها وهن جميعا كن يعتقدن بأن زوجة العريس السابقة امرأة دميمة .. قبيحة … عجوز شمطاء .. وإلا لما فكر الزوج بالزواج من أخرى ؟؟!! .
كم سمعت من الهمس الذي كان يدور بين الكثيرات من المتواجدات وهن يتهامسن ويتغامزن .. وهن يتمتمن :
” إن زوجته السابقة هذه أجمل من العروس الجديدة بمئات المرات ” ؟؟!! ..
وكم .. وكم .. وكم .. ولكنه قدري الذي كان .. والذي سوف يكون .. فاستسلمت لقدري .
في اليوم التالي .. كان عليّ أن أقوم بواجب أكثر غرابة .. كان عليّ أن أقوم بواجب الضيافة والترحيب نحو عروس زوجي ؟؟!! وزوجي بالطبع … وأن أقدم لهما طعم الإفطار الذي يليق بعروسين في يوم ” الصباحية ” .. وأن أقدم لهما واجب التهاني بمناسبة الزواج السعيد .. ويا له من زواج سعيد حقّاً ؟؟!! .
في لحظة من اللحظات التي استطعت فيها أن أنفرد بزوجي لبعض الوقت بالكاد .. كنت أهمس له من بين العبرات التي كانت تنساب من عينيّ بغزارة غريبة .. وبصوت تخنقه الدموع :
” .. لماذا فعلت ذلك ؟؟!! .. لماذا فعلت ذلك بالله عليك ؟؟!! ” .
ابتسم ابتسامة عريضة .. غريبة .. تحمل ألف معنىً ومعنى .. غاب عني أن أدرك شيئاً منها .. تمتم :
– ” .. كان يجب عليّ أن أفعل ذلك .. وذلك حتى لا أخسر ” الرهان ” ؟؟!! ” .
شدهت .. فوجئت .. شهقت .. رحت أتمتم من بين الدموع الغزيرة المنهمرة كشلالات نياجرا .. :
– ” أيّ ” رهان ” هذا بالله عليك ؟؟!! .. أيّ رهان ؟؟!! ” .
تمتم زوجي هامساً :
– ” إنه ” الرهان ” الذي كان بيني وبين زملائي .. أصدقائي .. رفاقي .. لقد كان ” الرهان ” بيننا .. على أن يقوم كلاًّ منا بالزواج مرة أخرى ؟؟!! ” .
تمتمت بصوت متحشرج وكأنه يأتي من وراء القبور :
– “أيّ رهان هذا بالله عليك ؟؟!! … أيّ رهان ؟؟!! ” .
لقد أدركت الحقيقة .. الحقيقة المرة الأليمة التي هي أبعد ما تكون عن الحقيقة .. فأي رهان هذا الذي يكون بين الرفاق .. ومن يدّعون بأنهم زملاء وأصدقاء .. ؟؟!! أي رهان هذا الذي يؤدي إلى خراب البيوت وهدم سعادتها ؟؟ .. أي رهان هذا ؟؟ بل أي جنون ؟؟!!! .
هل تصل الأمور إلى هذه الدرجة ؟؟ .. إلى هذا الحد ؟؟ من الاستهتار بالقيم .. المبادئ .. المشاعر الإنسانية ؟؟ .. هل من الممكن أن ينساق الإنسان .. الرجل إلى مثل هذا المنزلق المقيت ؟؟ هل من الممكن أن ينحدر إلى مثل هذا المنحدر الخطير؟؟؟ … إذا كانت هذه هي مفاهيم الصداقة .. فتبّاً لها من مفاهيم خاطئة .. وتبّاً لها من صداقة باطلة .. وتبا له من “رهان” شنيع .
في ساعات المساء المبكر .. كنت أسمع طرقاً متوالياً صاخباً مجلجلاً على الباب الخارجي للمنزل .. اعتقدت بأنهم زوار .. ضيوف.. جيران .. جاءوا مهنئين مباركين .. بل لعلهم جاءوا معزين .
هرولت ناحية الباب الخارجي .. لكي أرى من الطارق .. ولكي أستقبلهم بشكل أو بآخر …
كانوا أربعة .. أربعة أطفال صغار .. متفاوتي الأعمار .. لم أشاهد معهم أي رجل يصاحبهم .. أو أية امرأة ترافقهم .. اعتقدت جازمة بأنهم من أطفال الحيّ .. الجيران .. جاءوا يباركون على طريقة وعادة الأطفال .. سارعت بتقديم بعض النقود لهم .. على أمل المغادرة والانصراف .. لكن الأطفال رفضوا قبول ذلك بشكل قاطع ..
حاولوا دخول المنزل عنوة وبشكل استفزازي غريب .. وبدوري حاولت أن أمنعهم من فعل ذلك .. تمسك الأطفال بموقفهم الغريب .. وراحوا يتدافعون محاولين تجاوزي ودخول المنزل .. بدوري .. فلقد تمسكت بموقفي .. وحاولت منعهم من تحقيق ذلك بكل ما أوتيت من قوة .
لم تلبث عروسة زوجي أن أقبلت عن بعد .. بعد أن تناهت إلى مسامعها أصوات الجلبة والضوضاء .. أقبلت تتهادى عن بعد .. كانت تبتسم ابتسامة صفراء غريبة .. لم تلبث أن انقلبت إلى تجهم غريب … تقدمت من مكان وقوفي عند الباب .. لم تلبث أن أزاحتني بيديها بقوة غريبة .. بغلظة وخشونة وصلف .. ولم تلبث أن هدرت مزمجرة بصوت غريب مقيت .. كفحيح الأفعى :
” دعيهم يا هذه .. دعيهم يدخلون … إنهم أبنائي ؟؟؟!!! ” .
***
لن أشكو ما كنت ألاقيه من تلك المرأة .. التي دخلت حياتنا بدون إنذار مسبق أو استئذان .. لا لشيء إلا لأن ما كنت ألاقيه منها من أشياء فوق مستوى الشكوى .. وبدوري .. لم أحاول أن أسرد على مسامع زوجي تلك المضايقات العديدة التي لا تنتهي .. والتي كنت أتحملها بصمت .. بصبر كبير … وعلى مضض .
شعرت بأن عش الزوجية الذي كان يضمنا .. والذي كنت أحس بأنه رحبٌ .. شعرت بأنه أصبح ضيقاً وخانقاً جدّاً ومملاًّ .. خاصة بتواجد تلك المرأة الدخيلة – زوجة زوجي – .. ” الضرة ” ..
كم افتعلت تلك السيدة من المشاكل معي ومع أبنائي لأتفه الأسباب .. لا لشيء إلا لمجرد أن تظهرني وأطفالي أمام زوجي وكأنني المرأة ” المشكلجية ” التي تعمل على تعكير صفو الأجواء .. – وهذا ما كان ينطبق عليها تماماً في واقع الأمر – وبدوري كنت أحاول وبشتى الطرق والوسائل المداراة والمهادنة في كل موقف وموقف .. خشية التأثير على زوجي الذي كنت – ولا زلت– أحبه حبّاً لا يمكن وصفه .
وكم انهالت عليّ وعلى أبنائي – خاصة الصغار منهم – بالشتائم والسباب .. التعنيف والتقريظ … المبرح وبطريقة استفزازية مقيتة .. بقصد تفعيل الأمور وتصعيدها .. ولكني كنت أحاول دوماً تفويت الفرصة عليها في كل مرة .. مما سبب لي العديد من الآلام النفسية والصحية التي أصبحت أعاني منها كثيرا .
بعد عدة أيام .. قاربت على الأسبوع أو ما يزيد .. كان على زوجي أن يقوم بالعدل بيني وبين زوجته الجديدة ” ضرتي ” .
ولقد قام بالعدل فعلاً .. لأنه رجل ملتزم دينيا وخلقيّاً .. وأنا لا ولم ولن أنكر ذلك … .. ولكن كان له رأي آخر في قضية العدل بين الزوجات .
كان قد قرر أن تكون لكل زوجة منا ليلة خاصة .. وهذا جيد بالفعل بشكل عام .. ولكن كيفية التعامل هي التي كانت تستحق الوقوف طويلا .
كان عليّ في ليلتي المقررة أن لا أنتظر حضور زوجي لحجرتي .. بل كان عليّ أن أذهب إليه في حجرته الخاصة ؟؟!! .. لقضاء ليلتي المقررة إلى جواره !! .
كم شعرت بالمهانة والإذلال لهذا الأمر ولهذه الطريقة الغريبة .. وشعرت بأنها سحقاً لكرامتي .. لإنسانيتي .. وشخصيتي كامرأة لها كرامة .
فأنا لم أعهد ولم أسمع بمثل هذه الأمر وهذه الطريقة قبلاً .. وكم حاولت أن أستنكر أو أن أستنكف .. وأن أرفض مثل هذا النوع من التعامل والذي أحس به بالإذلال والإهدار لكرامتي .. ولكن زوجي كان لا يلتفت لمثل هذه الشكاوى والاعتراضات .. وكان يهددني دوماً بأنني أعصي الله إذا أنا عصيته في أمر يريده .. – إذا عصيت زوجي ورأيه – .. وهذا ما كان يجعلني أنصاع مكرهة لقبول مثل هذا الأمر خشية إغضاب الله .. خاصة وأنني المرأة المسلمة الملتزمة دينيا .. وأخشى الله في كل حركاتي وسكناتي .
بلغت الغيرة مداها في نفسية تلك المرأة .. ولم تكتف بما كانت تفعله وتفتعله من أمور تقصد بها إبعادي عن زوجي والاستحواذ عليه لوحدها .. بل تعدت أمور الغيرة إلى أبنائي .. وخاصة ابنتي التي كانت تحاول مداعبة وملاطفة أبيها .. والجلوس إلى جانبه.. واحتضانه وتقبيله .. وكانت مثل هذه الأمور تثير حفيظة تلك المرأة الدخيلة .. وتجعلها تموت كمداً وغيظاً ؟؟؟ ..
كم كانت تغيظ زوجي بطلباتها المتلاحقة التي لا تنتهي… والتي تثقل كاهل زوجي متواضع الدخل .. ولكن ما كان يضايقه كثيرا أيضا .. هو شكواها المستمرة مني ومن أبنائي .. وإلحاحها المستمر في طلب زيارة أولادها من زوجها السابق … والذي كان يحرمها ويمنعها من رؤية أطفالها .. فكانت تقوم بزيارتهم بطرق التحايل بدون أن يشعر زوجها السابق بذلك … وكم كان مثل هذا الموقف الإنساني المؤلم يحز في نفسي .. ويؤثر بي كثيراً .. وكم كنت أرثي لحال أولئك الأطفال البؤساء – الذين لم يكن لهم ذنب ولا جريرة – والذين جنت عليهم أمهم .. كما جنت عليّ أيضاً ..
ولست أدري كيف حللت لنفسها ما حرمته على الآخرين ؟؟!! .. فإن مسألة طلاقها من زوجها السابق .. تعود لرفضها قبول أن تكون لها ” ضرة ” جديدة تزوجها زوجها السابق .. ورفضت قبول ذلك .. وفضلت الطلاق على الاستمرار بوجود ” ضرة ” لها … والغريب أنها قبلت لغيرها – لي – ما لم تقبله لنفسها .. وقبلت أن تكون زوجة ثانية لزوجي .. و ” ضرة ” لي ؟؟!!! .
بدوري .. لم أكن عالة على الأسرة والعائلة مثلها .. فلقد كنت أعمل بوظيفة لا بأس بها .. أستطيع من خلال راتبي المساعدة في توفير لوازم المنزل من ضروريات ملحة .. والتخفيف عن كاهل زوجي بقدر المستطاع … خاصة وأن عمل زوجي المتواضع لم يكن ليكفي لسد المتطلبات لأسرة كبيرة .
ما هي سوى عدة أسابيع … حتى كان رفقاء زوجي .. أصدقاءه .. يأتون للمنزل لتقديم واجب التهاني والتبريكات بالزواج السعيد.. الذي لا أظنه كذلك بالمطلق .
كان عليّ أن أقوم بواجب الضيافة لهم كما ينبغي .. وأن أقدم لهم ما لذ وطاب من أنواع الطعام والشراب ..
كانت أصوات ضحكاتهم وقهقهاتهم المجلجلة تتناهى إلى مسامعي .. والتي كانت تملأ سماء الحجرة وتتعداها لكامل المنزل .. وسط الأحاديث والتعليقات المتلاحقة .
لم أكن لأقصد أن أتطفل عليهم بالاستماع لما يتحدثون به .. فليس هذا من عادتي بالمطلق .. التطفل أو التلصص أبداً .. ولكن تناهى إلى مسامعي صوت أحدهم موجهاً حديثه لزوجي :
– ” لقد خسرت الرهان يا رجل ” ؟؟!!
لم يلبث أن انبعث صوت زوجي هادراً :
– ” وكيف ذلك بالله عليك يا صديقي … وها أنا قد تزوجت بالفعل كما كان ” الرهان ” .. ؟؟ ” .
قهقه الصديق عالياً .. بصوت مدوٍّ .. يشاركه الجميع الأمر .. هتف الصديق بمرح وصخب :
– ” حقا بأنك قد تزوجت .. ولكنك أيضا خسرت ” الرهان ” ؟؟ ” .
هتف زوجي باضطراب وانفعال واضح :
– ” كيف ذلك بالله عليك يا صاح ؟؟!! ” .
رد الصديق وهو ما زال يقهقه عالياً :
– ” لقد تزوجنا جميعا .. وأنت أيضا .. ولكننا جميعا ربحنا .. وكسبنا ” الرهان ” .. إلا أنت .. فقد خسرته ” .
زاد اضطراب زوجي .. وظهر ذلك جليّاً في نبرات صوته المتحشرج :
– ” وكيف ذلك بالله عليك .. ؟؟ !! ” .
هدر الصديق من بين الضحكات المدوية المجلجلة .. :
– ” لقد تزوجنا جميعا بزوجات جديدات .. رغم أننا كنا متزوجين مثلك . ولكننا تزوجنا من فتيات أبكاراً .. فتيات بُكر .. عذارى .. وليس مثلك ؟؟!! .. لقد كنت أنت الخاسر الوحيد بيننا .. لأنك الوحيد الذي تزوج من امرأة جديدة لم تكن بكراً .. لم تكن عذراء .. بل كانت ثيب .. امرأة قد تزوجت قبلاً ” .
هتف زوجي بصوت خفيض .. وكأنه الطير الذبيح :
– ” وكيف يمكنني أن أكسب ” الرهان ” ؟؟!! .
هدر الصديق من بين ضحكاته وقهقهاته المجلجلة المدوية :
-” عليك أن تتزوج مرة أخرى من جديد … من فتاة عذراء .. بكر .. ؟؟؟!!! ” .
——————–
انتهى النص .. وما زال ” الرهان ” قائماً ؟؟؟؟!!!! .
…. وما زال صوت بطلة النص يلاحقني ….
…. ” هل تكتب لي نصّاً يا سيدي ؟؟ هل تكتب حكايتي ؟؟ .. لقد قرأت نصوصك كلها … لن أقول بأنني قد أعجبت بها .. حتى لا يتملكك الزهو والغرور .. ولكني تعلقت بها ..قرأتها كلها بنهم وشغف .. وكم أعجبت بها .
الحقيقة يا سيدي بأنك قد عالجت قضايا ومشاكل اجتماعية عديدة.. ولكنك لم تتعرض لمشكلة كمشكلتي .. وقضية كقضيتي وحكاية كحكايتي .. فلتكتب يا سيدي .. اكتب .. ولا تعجب من قضيتي ” ….