النهد أوحى للفم الظمآن ماءْ
أوحى له من كأسه أصل الدواءْ
أوحى له قربا ولمس أصابع
شما وضما واحتراقا وارتقاءْ
نفَس يطير إليه ملء تضرع
وتطلع للحلمتين كما الدعاءْ
المئزر المفتوح أعلى يستقي
نظراتي الثكلى تُفتش في الخفاءْ
يغري بغنج يقينه ريبي إذا
ما اشتدت الآهات في حلقي غناءْ
فيزمُّ أصبعُه الصدائف بعدما
كان التطلع فتح أخرى في انتشاءْ
كادت يدي تمتد نحو مقامه
لتلامس الإيحاء في ساع اللقاءْ
وتمر من شفة تداعب رسمها
وتقبل الجيد الذي بلغ السماء
للعشق أبوابٌ مفاتحها لدى
جسد يقطّعني كسكين القضاء
لكنّ مدرسة الغرام تقول لي:
“الحب روح، ليس موضعها الثراء”
قد ضعت بين الروح والجسد الذي
أغوى الكناية والقصيد وصار داء
حتى بلغت الأربعين فعشته
في روضة التقبيل منتهيَ العناء
الحب ليس كتابة ملغومة
أو حبرَ قديس يصنّفه هباء
الحب ما فوق الأسرّة كامن
وعلى الوسائد حين يقطِف في اشتهاء
الحب ما قد مر من شفة الحبيـ..
ـبِ يلقّن التقبيل للشفة المراء
ويلقن اللمس الغضوب ويقتني
ثوب العناق بدفء أحضان المساء
ويجر للفم قبلة برضابها
ويمد للنهد الأبي يد الإباء
الحب ليس كما ادّعوا نظرية
عذرية، كُتبت على سِفر البقاء
إن خالفتْ لغة الذين تأوّلوا
أضحت كما زعموا حراما بل بغاء
الحب ما اجتمعت به ظلماتنا
لتنير لمسا في الظلام بلا كساء
شفة على كل التلال ورعشة
فوق السهول وغيثها مطر الصفاء
وتأوه بعد التأوه والهوى
يذكي بنا ما ليس نذكره حياء
لكنه طبع الجبلّة كامن
فينا أأنقصه لنصطنع التقاء
الثوب بدعة جنة مهجورة
ورق له ورع وقد ذبل الغطاء
كنا عرايا زادُنا تفاحة
لما قضمناها تعلمنا العطاء
الآن ما زلنا بجنة خوفنا
الخلد فيها النهد في أبهى استواء
لم يغرني الشيطان ألثم خلده
فلقد بُعثتُ به له إما أشاءْ
نحن الغواية أقبلي بخطيئة
هذا فمي لك جنة أخرى، رجاءْ!