مِنْ حَرائِقُ الصَّيْفِ الباريسيّ – يحيى الشيخ

0
598

ما كُلُّ قارِئَةِ الْفِنْجانِ تُنْصِفُني

وَقَدْ كَسَرْتِ بِنَهْرِ السّينِ فِنْجاني

لا تَقْرَئِي زَمَني، عَيْناكِ سِحرُهُما

هَمٌّ يُفيضُ دَمي لَمّا تَفيضانِ

أَبْكي عَلى غَزَلٍ يُبْكي تَأَوُّهُهُ

لَمّا تُغَنّي لَهُ الْأَشْواقُ أَحزاني!

وَيَغْضَبُ اللَّيْلُ مِنّي حينَ أَسْأَلُهُ

مَعسولَ ريقِ حَبيبٍ لَيْسَ يَهْواني

يَصُدُّني كَفَتيلٍ باتَ يُحرِقُني

مَتى اقْتَرَبْتُ وَيَقْسو حينَ يَلْقاني

فَإِنْ دَنَوْتُ يَكونُ الْبُعدُ مُحتَضِني

وَإِنْ عَبَرتُ ضِفافَ الْوَصْلِ أَفْناني

وَالطَّيْرُ تَفْزَعُ مِنْ غُصنٍ أَحُطُّ بِهِ

أَلَسْتُ فَرعاً وَتَهْوى الطَّيْرُ أَغْصاني؟

بَعْضُ النِّساءِ يَعِدنَ الْحُبَّ في شَبَقٍ

كَبائِعِ الدُّرِّ في قيعانِ خُلْجانِ

لا تَشْتَريهِ فَتَلْقى ــ إِنْ لَقيتَ حَصًى ــ

تَظَلُّ تَبْلَعُهُ في حَضْرَةِ الْجاني

يَعِدْنَكَ الْجَنَّةَ الْمُثْلى وَهُنَّ إِذا 

وَعَدْنَ كُنَّ كَما آياتُ إيرانِ

تَظُنُّهُنَّ عَلِيًّا في تَعَبُّدِهِ

وَوَعدُهُنَّ وَعيدٌ مِثْلَ طُوفانِ

قُولُوا لَها قَدْ كَرِهْنا الْعِشْقَ فَابْتَعِدي 

فَالْعِشْقُ فيكِ غَدا نيرانَ بُركانِ

إِذا أُعانِقُ نارَ الشَّوْقِ تَصْلِبُني

وَكَمْ عَشيقٍ تَدَلّى فَوْقَ صُلْبانِ

ما كُنْتُ أَوَّلَ مَنْ غابَتْ قَوارِبُهُ

في بَحرِها وَمِيّاهُ الْبَحرِ وِدْياني

كُلُّ الْمَواعيدِ ضاعَتْ في تَقَلُّبِها

كَجَوِّ باريسَ مَشْحونٍ بِأَشْجاني

تَقولُ مَوْعِدُنا إِفْرانُ ثُمَّ إِذا

وَصَلْتُ تَهْتِفُ لي :«إِنّي بِتِطْوانِ

أُمّي، تَقولُ، بِها حُمّى وَلَيْسَ لَها

زَوْجٌ، وَأُخْتي بِبَلْجيكا وَإِخْواني

تَأَّخَّرَ الْباصُ فَاعْذُرْني، تَجيءُ غَداً

إِذا تُريدُ فَفي الْفَدّانِ عُنْواني»

آهٍ تُتَوِّجُني مِنْ بَعدِ غَفْلَتِها

وَهَلْ يُتَوَّجُ كِسْرى دُونَ إيوانِ؟

ما بَيْنَ تَنْسى وَأَنْسى ــ مَنْ أَهيمُ بِها

إِذا نَسيتُ لِأَنْسى ــ عِشْقُها الْفاني

تَغارُ مِنْ قِطِّها لَمّا أُداعِبُهُ

تَقولُ : «قِطّي حَبيبي ما لَهُ ثاني!»

وَتَدَّعي أَنَّها لَوْلايَ ما عَشِقَتْ

وَأَنَّهُ الْحُبُّ لَوْلاها لَجافاني

مَنْ يَشْتَري الصَّبْرَ يَغْدو حُبُّهُ خَبَرًا

لِكانَ وَهْيَ لَها في قَلْبِها اثْنانِ

تُذيقُكَ المُرَّ حُبًّا أَنْتَ تُسْكِرُهُ

وَكَمْ تُصَلّي وَلا أَجْرٌ لِسَكْرانِ

صَمْتُ الرَّسائِلِ لا يُوحي بَتَعْزِيَةٍ

كَما الْهَواتِفُ لا تُوحي بِتَحْنانِ

فَالشَّوْقُ يَجْمَعُ لَكِنْ لَيْسَ يَجْمَعُنا

أَيْنٌ، وَأَجْمَعُ آهي بَيْنَ أَحْضاني

آنَ الْأَوانُ فَسيري لَيْسَ لي جُزُرٌ

تَرسو السَّفائِنُ فيها بَيْنَ شُطْآني

عَطْفاً دَعيني أُغَنّي الْعِشْقَ مُنْفَرِداً

عَلى مَقامِ صَبا أَوْتارِ عِيداني

فَفيكِ يَرْكُضُ جِنِّيٌّ يُعَذِّبُني

قَدْ كانَ أَسْلَمَ لَكِنْ صارَ نَصْراني

يَجيءُ لَيْلاً وَعِنْدَ الْفَجْرِ يَرْفُسُني

كَأَنَّما رَفْسُهُ في الثِّقْلِ ثَوْرانِ

فَأَشْتَهي الْمَوْتَ لَكِنْ حينَ يَقْرُبُني

يَفِرُّ، يا لَيْتَهُ مَوْتي تَمَنّاني!

أُرَجِّعُ الْآهَ أَسْتَحلِي تَأَوُّهَه

وَأَشْرَبُ الدَّمْعَ مَعْسولاً بِأَجْفاني

لِمَنْ أُغَنّي وَنارُ الشَّوْقِ في جَسَدي

والْهَجْرُ أَثْخَنَ في رُوحي وَعَزّاني؟

صَبْراً لِمَنْ عَشِقُوا، هَذا السَّرابُ لَنا

بِقيعَةٍ، هَلْ تَرى صَبْراً لِظَمْآنِ؟

لَعَلَّها حَسَناتي بَعدَ فُرْقَتِنا

يُثْقِلْنَ بَعْدَ ذَهابِ الْعُمْرِ مِيزاني

أَوْ عَلَّهُ اللَّيْلُ لَمّا النَّجْمُ يَرْقُصُ لي

يَحِنُّ حينَ يَرى الْأَكْوانَ تَرْعاني

وَاَنَّ بَعْدَ مَماتي الْحُورُ تُؤْنِسُني

كَمَنْ يَموتُ شَهيداً بَعْدَ إيمانِ

لَسَوْفَ أَحلُمُ أَنّي إِذْ أَموتُ أَسًى

يَزورُني مَلَكٌ في حُضْنِ أَكْفاني

وَفَوْقَ قَبْري فَراشاتٌ تُذَكِّرُني

بِأَنَّ صاحِبَتي سِجْني وَسَجّاني

كُنّا نَكونُ وَما كُنّا وَذا قَدَري

أَلاَّ نَكونَ، فَتَطْليقٌ بِإِحْسانِ

يا وَيْلَهُ الشِّعْرُ ما أَضْحى يُدَغْدِغُني

وَسْواسُهُ إِذْ غَدَا الْمَحْبوبُ شَيْطاني!

تَبْكي القَصيدَةُ وَالْأَوزانُ تَنْدُبُها

يا خَيْبَةَ الشِّعْرِ خابَتْ فيهِ أَوْزاني!

إِنّي حَلَفْتُ بِأَنّي إِنْ حَييتُ غَداً

أَحْيا غَدي، وَغَداً أَحْيا بِلا آنِ

وَأَنْ أَكونَ أَنا لا شَيْءَ في زَمَني

لِيَعْلَمَ الْخَلْقُ أَنّي عِفْتُ أَزْماني

مَالَ النَّهارُ وَهَذا اللَّيْلُ في قَلَقٍ

يَمْضي وَيَسْرِقُ مِنّي كُلَّ نِسْياني

أَصْحو فَيَصْفَعُني طَيْفُ الَّتي غَدَرَتْ

فَيَغْضَبُ الشِّعْرُ مِنْ ضَعْفي وَخِلاَّني

قُولُوا لَها قَدْ كَرِهْنا الْعِشْقَ فَابْتَعِدي 

فَالْعِشْقُ فيكِ غدا بركان نيرانِ ..

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here