لــقــيــطــة ــ ذ. سليم عوض عيشان

0
760

” لقيطة ” ؟؟؟!!!
قصة قصيرة
بقلم / سليم عوض عيشان ( علاونه )
*****************************
قال تعالى :
” واعتبروا يا أولى الأبصار ”
( صدق الله العظيم )
——————————-

” فاتعظوا يا أولي الألباب ”

.. فهل من متعظ ؟؟؟؟

تنويه :
أحداث وشخوص النص حدثت على أرض الواقع .. ولا فضل للكاتب على النص .. اللهم سوى الصياغة الأدبية .. فحسب .
وإذا تطابقت أحداث وشخوص النص مع البعض .. فليس هذا سوى من تدابير القدر … ولم يقصد الكاتب أحد بعينه .

إهداء خاص :
إلى كل من كان / كانت ضحية الظلم .. في كل مكان .

( الكاتب )
—————————

مقدمة :

هذا النص .. أصبح قضية عامة .. وليس مجرد قضية خاصة وشخصية … أصبحت تشغل بال وتفكير كل المثقفين .. القراء / الأدباء / النقاد … وكل المهتمين .. من خلال النص في الجزء الأول .

بطلة النص الحقيقية .. ليست شخصية محددة … امرأة معينة … بل هن العشرات .. المئات .. الآلاف .. بل عشرات الآلاف من النساء .. اللواتي حدث لهن مثل هذا الموقف في كل مكان …

وأرجو أن لا تظن قارئي العزيز بأن هذه الحكاية هي من وحي الخيال … أو بأنها شطحة أدبية لأديب وكاتب .
إنها قصة حقيقية … وقعت فصول أحداثها بيننا .. أبطالها يعيشون بيننا … من الممكن أن يكونوا قد عاشوا في القاهرة .. بيروت … دمشق … الرياض … الخرطوم … أبو ظبي ّ …
… وما يزالون .

إن من الحقيقة ما يفوق الخيال .. وقد يكون الخيال هو الحقيقة .. وقد تكون الحقيقة هي الخيال … وقد تفوق الحقيقة حد الخيال … في عصر اختلطت فيه الألوان ..

” المرأة ” بطلة الرواية .. فتاة … امرأة… من الممكن أن تكون قد رأيتها أمس … من الممكن أن تكون قد رأيتها اليوم .. من الممكن أنك ستراها غدا …
ومن الممكن أن تكون قد رأيتها في كل يوم ..

” لقيطة ” ؟؟؟!!!
( الجزء الأول )

.. تتلحف بدياجي الظلمة الحالكة .. ترتدي الملابس السوداء القاتمة فتشارك الظلمة الحالكة حلكتها .. تتلفت يمنة ويسرة وهي تحث الخطى مسرعة نحو الهدف المنشود .. يبدو بأنها كانت تحمل بين يديها شيئا ما .. تخفيه داخل ملابسها السوداء القاتمة الكثيفة الفضفاضة ..
لا تلبث أن تضم ما تحمله بقوة إلى صدرها .. وتتلفت حولها في كل خطوة تخطوها وكأنها تتوجس خيفة .
تحث الخطى بشكل أسرع .. وهي تحس بأنها قد اقتربت من المكان الذي كانت تقصده بالفعل .
لا تلبث أن تصل إلى المكان .. تتوقف للحظات .. وكأنها تلتقط أنفاسها اللاهثة .. أو لعلها كانت تستعيد توازنها … أو أنها تعيد ترتيب أفكارها المبعثرة من جديد ..
تتلفت حولها إلى جميع الجهات بحركة لولبية سريعة .. لا تلبث أن تطمئن بأن لا أحد يراقبها أو يتبعها ..
تخرج ما كانت تحمله بين يديها داخل ملابسها السوداء الكثيفة .. تضعه بسرعة على الأرض .. ثم تغادر المكان بسرعة وهي لا تلوي على شيء .
.. ما هي سوى لحظات يسيرة .. حتى كان صوت المؤذن يرتفع مدويا مجلجلاَ في جنبات المكان من فوق المئذنة الشاهقة .. فيختلط صوت المؤذن بصوت طفلة وليدة .. كانت في تلك اللفافة الملقاة أمام الباب الخارجي للمسجد .
* * *
عندما كان الرجل يهم بالدخول إلى المسجد من الباب الخارجي الكبير لتأدية فريضة صلاة الفجر .. ومن بين جحافل الظلمة الحالكة المطبقة على المكان برمته .. خيل إليه بأنه يسمع صوت بكاء خافت لطفلة وليدة .. هم بدخول المسجد بعد أن توقف صوت بالبكاء الخافت .
لم يلبث الصوت الخافت لبكاء الطفلة الوليدة أن ارتفع مرة أخرى وبشكل متواصل أكثر ارتفاعا عن ذي قبل .. وكأنه ينبه الرجل لوجوده في المكان .
تراجع الرجل عن دخول المسجد .. التفت حوله في كل الاتجاهات وهو يبحث بناظريه عن مصدر الصوت .. راح يدقق النظر في كل ناحية .. إلى أن وقع بصره في النهاية على تلك اللفافة الملقاة قريبا من باب المسجد الخارجي .. ولاحظ بأنها مصدر الصوت .. والحركة .. والبكاء .
اقترب الرجل من تلك اللفافة أكثر .. بينما صوت البكاء الطفولي للوليدة ما زال متواصلا بشكل غريب .. جلس القرفصاء إلى جانب اللفافة .. ازداد البكاء حدة .. أخذ الرجل يردد البسملة والحوقلة والعذبلة .
مد بكلتا يديه نحوها …تناولها ورفعها عن الأرض راح يتلو عليها ما تيسر من القرآن الكريم ومن الأدعية .. لم تلبث الطفلة الوليدة أن كفت عن البكاء والحركة .. هدأت تماما .. ثم نامت .
حمل اللفافة بين يديه .. دخل بها إلي داخل المسجد .. وضعها في ركن قصيّ .. وراح يقف في الصف الطويل من المصلين لتأدية صلاة الفجر .. بعد أن كبر الإمام بتكبيرة الإحرام .
ما إن قام الإمام والمصلون بالسلام الأيمن والأيسر .. إيذانا بانتهاء الصلاة .. حتى بدأوا بالتسبيح والتكبير .. ثم أخذوا في مغادرة المسجد زرافات ووحدانا ..
نهض الرجل من مكانه لكي يغادر المسجد .. توجه ناحية اللفافة التي كان قد وضعها في الركن القصيّ من المسجد .. والتي تحوي الطفلة الوليدة التي كانت تنام بهدوء ودعة .
حملها بين ذراعيه بهدوء .. وغادر المكان .

استقبلته زوجته بالدعاء والترحيب والابتسامة العريضة .. ولكن كل هذا وذاك تلاشى بمجرد أن وقع بصرها على اللفافة التي كان يحملها بين ذراعيه .. وكأنها تتساءل عن سر هذا الأمر ؟؟!!؟؟ .
ابتسم الرجل ابتسامة عريضة.. وقد أدرك ما يدور في ذهن زوجته من خواطر وأفكار .
جلس على أقرب مقعد .. وراح يروي لها حقيقة ما حدث ..

هتفت زوجته بحروف وكلمات ممزوجة بالألم :
– ” .. سامح الله أمها .. سامح الله أباها … سامحهم الله جميعا وغفر لهم ” .
راحت تحمل اللفافة بين يديها برفق وهدوء .. وهي تتمتم بالأدعية والآيات القرآنية .

لم تلبث أن راحت توضح لزوجها بأنه من المستحيل أن يحتفظا بالطفلة الوليدة .. لأن وضعهما المادي المتردي لا يسمح لهما بالقيام بأعباء تربيتها .. خاصة وأن لديهما عددا لا بأس به من الأطفال .. الإناث والذكور .

في النهاية … أشارت عليه بأن يحاول الاتصال بأحد جيرانهم الذي كان ميسور الحال .. والذي لم يرزق سوى بطفل واحد .. رغم أنه قد انقضى على زواجه أكثر من عشرة أعوام .

اقتنع الرجل بفكرة زوجته .. وما إن كانت الشمس تتوسط السماء ؛ حتى كان يستأذن جاره بالزيارة .

راح يشرح لجاره سبب الزيارة .. أطلعه على رغبته بأن يقوم ذلك الجار بكفالة الطفلة الوليدة .. رعايتها وتربيتها ..
يبدو بأن الجار قد تفهم الأمر بشكل جيد .. رحب بالفكرة بسرعة .. وتم الأمر بين الرجلين بشكل تام وعلى خير ما يرام .
* * *
عندما بلغت الطفلة ربيعها الخامس عشر .. كانت قد أصبحت كالوردة المتفتحة الجميلة الراقية .
كانت فتاة مكتملة الأنوثة .. رائعة الجمال .. الحسن والدلال .. شديدة السحر والجاذبية .
ثمة أمر ما .. عكر صفو تلك الصورة المشرقة .. وهذا الجمال الأخاذ .. وتلك الجاذبية وذلك التناسق الرائع للجسد الأنثوي الطاغي ..

بطن الطفلة … كان منتفخا بشكل غير عادي .. فثمة حركة غريبة تدور داخل بطنها ؟؟؟!!!؟؟؟ .

انتفاخ البطن بلغ مداه في الشهور والأيام الأخيرة .. والحركة التي تدور بداخل البطن بلغت ذروتها .. وكان لا بد من خروج ذلك الجنين الذي كان يرقد في البطن إلى العالم الخارجي .

راحت الفتاة تكابد آلام المخاض القاسية في الركن القصيّ وحيدة .. لم تلبث صاحبة المنزل أن تنبهت للأمر .. دنت من الفتاة تستطلع حقيقة ما يجري من أمور .. راحت الفتاة تتفوه بحروف وكلمات متحشرجة من خلال الدموع والعبرات الكثيفة .

هيء للمرأة صاحبة البيت بأنها قد عرفت سر الأمر .. وأدركت شخصية من قام بتلك الفعلة الشنعاء مع الفتاة الجميلة .

.. استدعت ولدها الوحيد الشاب على وجه السرعة … سألته عن حقيقة الأمر .. وتساءلت بحدة :
– ” لماذا فعلت ذلك مع الفتاة ” ؟؟

أنكر ابنها الشاب الأمر .. ودفع التهمة عن نفسه .. وصرخ محتداً بأنه لم يفعل ذلك مع الفتاة بالمطلق … وأن من فعل ذلك .. هو .. أبيه ؟؟!! .

شدهت المرأة .. فغرت فاه الدهشة .. وقبل أن تتمالك نفسها .. كانت توجه صفعة قوية إلى وجه .. الفتاة ؟؟!!؟؟ .

استدعت زوجها على وجه السرعة .. واجهته بالحقيقية التي اعترف بها الابن .. فغر الأب فاه الدهشة .. راح يدفع التهمة عن نفسه .. وراح يقسم بأغلظ الإيمان بأنه لم يقترف تلك الفعلة مع الفتاة .. وأن من ارتكب ذلك هو ابنهما الشاب ..

أصابت الدهشة المرأة مرة أخرى .. وقبل أن تتمالك نفسها .. كانت تقوم بتوجيه صفعتين قويتين إلى وجه .. الفتاة ؟؟؟!!!؟؟؟ .

الفتاة .. لا زالت تبكي وتئن وهي تعاني وطأة المخاض الشديد .. ووطأة الألم النفسي القاسي .. ووطأة الصفعات القوية المتتالية .

اندفعت المرأة ناحية الفتاة .. التي كانت تكابد الآلام العديدة المبرحة .. أمسكت بها من شعرها بقوة .. راحت تهزها بعنف وعنجهية وقسوة .. وهي تصرخ بها :
– ” من فعل بك ذلك ؟؟؟ من ؟؟ .. اعترفي ؟؟ . ”

من بين الدموع المنهمرة كالمطر .. ومن بين الآلام الجسدية والنفسية الرهيبة .. كانت الفتاة تتمتم بصوت كحشرجة الموتى .. أو كأنه يأتي من داخل القبور .. أو من وراء الجبال :
– ” كلاهما .. كلاهما تناوبا الأمر … الأب والابن .. ولسنوات طويلة .. ومنذ كنت طفلة صغيرة … ” . ؟؟!!؟؟ .

ثلاث صفعات قوية رهيبة متتالية . كانت توجهها المرأة إلى وجه الفتاة الجميلة .. ثم تقوم بطردها من المنزل شر طرده ..!!! .

.. تتلحف بدياجي الظلمة الحالكة .. ترتدي الملابس السوداء القاتمة فتشارك الظلمة الحالكة حلكتها .. تتلفت يمنة ويسرة وهي تحث الخطى مسرعة نحو الهدف المنشود .. يبدو بأنها كانت تحمل بين يديها شيئا ما .. تخفيه داخل ملابسها السوداء القاتمة الكثيفة الفضفاضة ..
لا تلبث أن تضم ما تحمله بقوة إلى صدرها .. وتتلفت حولها في كل خطوة تخطوها وكأنها تتوجس خيفة .
تحث الخطى بشكل أسرع .. وهي تحس بأنها قد اقتربت من المكان الذي كانت تقصده بالفعل .
لا تلبث أن تصل إلى المكان .. تتوقف للحظات .. وكأنها تلتقط أنفاسها اللاهثة .. أو لعلها كانت تستعيد توازنها … أو أنها تعيد ترتيب أفكارها المبعثرة من جديد ..
تتلفت حولها إلى جميع الجهات بحركة لولبية سريعة .. لا تلبث أن تطمئن بأن لا أحد يراقبها أو يتبعها ..
تخرج ما كانت تحمله بين يديها داخل ملابسها السوداء الكثيفة .. تضعه بسرعة على الأرض .. ثم تغادر المكان بسرعة وهي لا تلوي على شيء .

.. ما هي سوى لحظات يسيرة .. حتى كان صوت المؤذن يرتفع مدويا مجلجلاَ في جنبات المكان من فوق المئذنة الشاهقة .. فيختلط صوت المؤذن بصوت طفلة وليدة .. كانت في تلك اللفافة الملقاة أمام الباب الخارجي للمسجد .

قبل أن تبتعد الفتاة وهي تغادر المكان بسرعة .. كانت تصطدم بها امرأة أخرى .. تتسربل في الملابس السوداء الداكنة .. تتلحف بدياجي الظلمة الحالكة وهي تقترب من المكان بسرعة ولهفة .. تتلفت حولها في كل ناحية بحركات سريعة وعصبية .. وكأنها أصيب بالجنون ..

راحت المرأة تبحث بناظريها في كل الأرجاء .. وتبحث في كل الأنحاء … كانت تبحث عن لفافة ترقد بداخلها طفلة وليدة .. كانت قد ألقت بها أمام باب المسجد .. منذ أكثر خمسة عشر عاما خلت ؟؟؟!!!؟؟؟ ..

******************

الجزء الثاني
( الضياع )

” .. لماذا تحملق بي هكذا يا سيدي ؟؟!! .. ألا تعرف من أنا ؟؟ ألا تعرفني بالله عليك ؟؟ .. ألم تعد تتذكرني وتذكرني ؟؟ ..

أعرف بأنك مصاب بـ ” الزهايمر ” … ولكني لم أكن أعرف بأن قد وصلت إلى المراحل الحرجة والمتقدمة من المرض …

أنا ” لقيطة ” .. نعم .. أنا هي بالفعل … تلك الفتاة التي كانت بطلة نصك السابق .. ” لقيطة ” … هل تذكرت ؟؟ .. هل تذكرتني الآن بشكل جيد ؟؟ .

مالي أراك تفتح فاه الدهشة هكذا كالأبله ؟؟ لعلك لا تصدقني … لعلك تشك في قولي هذا ؟؟ .

لا .. لا يا سيدي .. فأنا لا أدعي الأمر بالمطلق .. يبدو بأنك تحتاج لكأسٍ .. كأس من الشراب المنعش .. المسكر .. لكي تعود إليك الذاكرة من جديد ؟؟! .

تعال .. تعال يا سيدي .. اقترب قليلا مني .. تعال هنا .. اقترب .. اجلس هنا إلى جانبي على هذا المقعد .. لكي تحتسي كأسا من الشراب .. لا تخش شيئاً يا سيدي .. فهو مجرد كأس .. من الخمر ؟؟!! .

هاها .. هاها … لماذا تراجعت إلى الوراء هكذا ؟؟ أنا أعرف بأنك رجل ملتزم .. كما تقولون في مفاهيمكم .. أعرف بأنك تصوم وتصلي .. ولكن كل هذا لا يمنع أن ترتشف كأسا من الخمر ؟؟!! .

إنه خمر من نوع جيد .. بل نوع ممتاز .. أمارس تعاطيه وتناوله منذ سنوات وسنوات خلت .

هو ليس ” فودكا ” .. وليس خمر فرنسي أو روسي أو بريطاني معتق .. ليس هذا ولا ذاك بالمطلق .. فهو مزيج ” كوكتيل ” .. من كل أنواع خمور العالم .. تعودت على مزجه بنفسي بطريقة متقنة ومعينة بخليط من كل تلك الخمور .. وهو في النهاية .. يأخذ مذاقا مختلفاً لا يعرف طعمه ولا قيمته سوى من تمرس في ارتشاف الخمر .. حتى الثمالة .

تفضل .. تفضل يا سيدي .. ارتشف هذا الكأس .. لا تخش شيئاً .. فإنك لن تموت بالمطلق عند ارتشافه ؟؟!! .. إن كنت تخشى الموت .. فلا تعب الكأس عباً .. جرعة واحدة .. بل ارتشفه على مراحل متقطعة .. رشفة رشفة .. كي تشعر بطعمه .. نكهته … لذته .. وروعته ؟؟.

لا تسلني يا سيدي لماذا أفعل هكذا ؟؟ .. فهذا أمر طبيعي كان من الواجب أن يحدث معي بعد أن اكتشفت بأنني ” لقيطة ” .. وبأنه قد تم اغتصابي بوحشية لأكثر من مرة ؟؟ .. ومن ذلك الشخص الذي كنت أعتبره بمثابة أبي .. ومن الشخص الآخر الذي كنت أعتبره بمثابة أخي ؟؟.

فإلام العجب يا سيدي إذن ؟؟!! وقد آلت أموري إلى ما آلت إليه .. وإلى ما أصبح عليه حالي… وبعد أن أصبحت أسيرة ” الضياع ” كما تراني عليه الآن .. فكانت هذه نتيجة حتمية لتلك الأحداث التي كانت .

تفضل يا سيدي .. ارتشف قليلاً من هذا الكأس لعلك تهدأ بعض الشيء .. ولعلك تهدئ من انفعالك هذا وتشنجك واضطرابك .. ولعلك تنسى همومك .. مثلما أحاول أنا الآن أن أفعله .

هل كنت تعتقد بأنك ستجدني في محراب المسجد .. أقيم الصلاة .. مثلاً ؟؟.. هل كنت تعتقد بأنك سوف تجدني في بيت من بيوت العبادة .. مثلاً ؟؟ .

لماذا تعجب هكذا للأمر ؟؟!! ألم يكن هذا أمر بديهي .. ؟؟ ألم يطرأ لذهنك وتفكيرك بأنك سوف تجدني في هذه الحانة .. الخمارة .. أو في أي حانة من حانات المدينة .. أعب الخمر عبًا .. وأرتشف المشروب بشتى أنواعه ؟؟

لماذا تسألني عن هذا الشاب الذي يجلس إلى جواري ؟؟ .. لا .. إنه ليس أخي .. ليس أبي .. إنه صديقي .. ولتقل بأنه عشيقي .. بل ولتقل بأنه زوجي الغير شرعي ؟؟ .. هو يلبي كل متطلباتي الشخصية .. من نفقات سفر وترحال مستمر .. ويلبي كل متطلبات مصاريفي الشخصية الباهظة .. وكل متطلبات جسدي الجنسية الملحة المجنونة ؟؟.. فإلام العجب بعد ذلك يا سيدي .. إلام العجب ؟؟!!

لا .. لن أكتمك القول .. ولن أخفي عليك سرًا .. فهو ليس رجلي الوحيد .. فلديّ مثله أكثر من رجل … حسب الحال وحسب متطلبات الظروف ؟؟!!

لِمَ العجب يا سيدي وأنا اللقيطة التي مارس الجنس معها واغتصبها والدها بالتبني .. وأخيها بالأخوة الزائفة ؟؟

بيتي ؟؟ .. منزلي ؟؟؟ … آهٍ يا سيدي .. ها أنت تسألني عن بيتي ومنزلي ؟؟ نعم … سوف أقول لك ..

فبيتي هو الشارع .. منزلي هو كل بيت من بيوت المدينة من مدن العالم بلا استثناء .. هل عرفت بيتي ومنزلي ؟؟

يمكنك أن تستضيفني ليلة في بيتك .. في منزلك .. ولتعتبر بأن هذه ” دعوة مفتوحة ” لك .. ولتكن ” دعوة مجانية ” ؟؟

لا .. لا تفغر فاه الدهشة كالأبله من جديد هكذا ؟؟ فالكثيرون يتمنون مثل هذه الدعوة .. وليس بالمجان .. فهم على استعداد لأن يدفعوا الكثير الكثير مقابل ذلك ؟؟!!

لماذا تشيح بوجهك عني هكذا ؟؟ فلست أنت قديساً ولا ولياً ولا ملاكاً .. فأنت بشر مثل الآخرين .. فلا تتصنع العفة والطهر والشرف هكذا .. فلست أنت بـ ” يحي ” .. ولا أنا بـ ” سالومي ” ..

إن لعاب الجميع يسيل بغزارة بمجرد أن يعرفوا بأنني ” لقيطة ” فهم يعتبرون بأن هذه الكلمة هي المفتاح السحري لغزو جسدي بدون استئذان .. ووجبة جنسية دسمة مدفوعة الثمن .. أو مجانية في كثير من الأحيان ؟؟

لا .. لا يا سيدي .. أرجوك .. أرجوك .. لا تقل لي بأنك ” بابا ” .. بأنك أبي .. فكم أنا أكره هذه الكلمة المشؤومة وأمقتها … تماما كما أكره وأمقت كلمة ” ماما ” .. أمي ..

فأنا لا أعرف من هو أبي .. ولا أعرف من هي أمي … ذلك ببساطة .. لأنني ” لقيطة ” .. وببساطة أكثر لأنهما كانا سبب مأساتي .. وضياعي .. فهما لا يستحقان أن يكونا والدين بالمطلق .

إياك .. إياك يا سيدي أن تقول لي كلمة ” بابا ” وأنت تخاطبني .. فأنا لن أغفر لك هذا أبداً .. فأنت لست ” بابا ” .. لست أبي ..

وإياك .. إياك أن تسدي لي النصح والإرشاد .. وإياك أن تنصب من نفسك واعظاً أو قديساً .. فكل هذه الأشياء أصبحت غير ذي نفع .. غير ذي قيمة بالنسبة لي .. فبالنسبة لي .. لا جدوى منها على الإطلاق .. وقد أصبحت أعيش ” الضياع ” المطلق .

لا .. لا يا سيدي .. أنا لا أريد أن تمد لي يد العون والمساعدة .. في أي أمر من أمور حياتي .. فماذا بوسعك بالله عليك أن تقدم لي من عون أو مساعدة .. وقد آلت أموري إلى ما آلت إليه .. وقد صار لا جدوى بالمطلق من النصح والإرشاد ؟؟

فلا مجال أمامك يا هذا لتقديم أي مساعدة لي .. وإياك .. إياك أن تفكر في هذا الأمر بالمطلق .. فأنا لا أحتاج أية مساعدة منك .. أو من إي أحد .. فأنا أعرف جيدا طريقي .. وأعرف جيدا كيف أسيّر الأمور .. وأعرف جيداً كيف أساعد نفسي بنفسي .. وأسير في طريق ” الضياع ” .

أعرف جيدا بأنك الرابح الوحيد من هذا اللقاء بيننا في النهاية .. وأعرف بأنك سوف تجعل من مأساتي هذه .. من حكايتي هذه ” حكاية ” .. ونصاً أدبياً تزهو به وتتفاخر .. وترضي غرورك الأدبي .. وتشبع نهمك في الكتابة .

والآن يا سيدي .. أرجو أن تتركني وشأني .. أن تدعني أسير في دربي .. وحيدة .. وها قد أشبعت غرورك ونهمك بمعرفة كل ما يتعلق بي .. وبعد أن أصبحت لديك ” مادة دسمة ” لفصل جديد من فصول مأساة ” لقيطة ” تتفاخر به أمام الجميع ؟؟

والآن .. افسح لي المجال كي أسير .. إلى هدفي .. اللاهدف .. في عالمي .. عالم ” الضياع ” .

لا .. لا يا هذا .. لا تمد يدك نحوي هكذا لكي تساعدني على النهوض .. فأنا لا أحب ولا أريد أن يمد أي احد يده نحوي لكي يساعدني .. وخاصة أنت بالذات … وعلى وجه الخصوص ؟؟!! .

ها أنا أنهض وحيدة .. بدون مساعدة منك أو من أي أحد غيرك .. حقًا بأنني أتطوح .. أتمايل .. ولكني على كل حال .. أستطيع السير في طريقي .. في دربي الطويل … طريق ودرب ” الضياع ” .

ها أنا أسير في دربي الطويل الطويل وحيدة … سوى من هذا الرجل الذي يرافقني في كل تحركاتي .. صديقي .. رفيقي .. عشيقي .. أو لتقل بأنه زوجي غير الشرعي .. فها أنا أطوقه بذراعيّ .. وها هو يطوقني بذراعيه .. حقاً بأنني أتمايل … ولكنني أسير …

تمهل يا سيدي .. تمهل .. فقبل أن أغادرك إلى الأبد … أريد أن أشبع نهمك وغرورك في التطفل … وحتى الثمالة …

فلتعلم جيداً يا سيدي .. بأن هذا الشاب .. هذا الرجل الذي يرافقني … هو مثلي.. نعم .. مثلي تماماً .. فهو .. ” لقيط ” ؟؟!!

*******************

( الجزء الثالث – الأخير – )
” أين أنت يا أمي ؟؟!! “

.. رويدك يا سيدي .. رويدك … لا تغضب هكذا أرجوك … لا تجعل حديثي إليك يثير فيك ما يسميه فلاسفة علم المنطق والاجتماع والنفس ” جلد الذات ” .. أو .. ” تأنيب الضمير ” .
حقاً بأنني كنت قد عاتبتك بشدة بعد أن تناولت حياتي بنصك هذا .. ” لقيطة ” .. في جزئه الأول والثاني .. في حينه .. كنت قد قمت بمعاتبك بعتاب مراً أليماً ..
وبدورك .. فلقد قمت بالدفاع عن نفسك بحجة أن قضية النص هي قضية عامة وليست قضيتي الخاصة فحسب .
هل أذكرك بالموقف الأول بيننا يا سيدي ؟؟؟
أتراك نسيت ما حدث بيننا عندما تعاملت معي بفظاظة وقسوة وذلك في بداية تعارفنا ؟؟!!
ذلك عندما خاطبتني بكلمة ” بابا ” ,, فقلت لك بأنني لا أحب سماع هذه الكلمة .. ولا أحب أن تخاطبني بهذه الكلمة .. فأنا لا أحب كلمة ” بابا ” ولا أحب أبي ؟؟!!
يومها .. أنت غضبت كثيرا .. وخاطبتني بقسوة وفظاظة .. وقمت بمقاطعتي ؟؟!! … وعذرك بأنك لم تكن تعرف قضيتي .. وحكايتي ..
أتراك قد نسيت ذلك يا سيدي ؟؟!! .. فليكن .
دعني أذكرك بموقف آخر كنت أنت فيه الخصم والحكم والقاضي والجلاد … ذلك عندما اتهمتني بأنني أعيش حياة اللهو والمجون والفسق مع رفيقي الذي قلت أنت عنه أنه عشيقي ؟؟!! فلقد اعتقدت من جانبك بأنه ليس زوجي .. بل هو مجرد عشيق يرضي رغباتي الجسدية الجنسية فحسب ؟؟!! .
أتراك قد نسيت ذلك أيضا ؟؟!! .. فليكن .
هل تريد أن أذكرك بموقفك المتخاذل السلبي عندما طلبت منك أن تساعدني بالبحث عن أمي .. أمي الحقيقية أعني .. والتي كانت سبب تعاستي الأبدية .. عندما ألقت بي على قارعة الطريق .. إلى جانب باب المسجد وأنا ما زلت قطعة لحم مهلهلة لا يتعدى عمري الساعات القلائل فحسب ؟؟!!
يومها .. كنت قد طلبت منك .. بل رجوتك وتوسلت إليك أن تحاول مساعدتي في البحث عن أمي تلك .. لأنني فعلا أحتاج أمي .. أريد أمي .. فلقد بكيت بدوري يومها وأنا أتوسل إليك .. وأستعطفك .. وألحفت بالسؤال الأبدي .. ” أين أمي ” ؟؟!! .. ” أين أنت يا أمي ” ؟؟!! أريد أمي .. أريد أن أعرف من هي أمي ؟؟!!
لقد وعدتني يومها بأن تساعدني بالعثور على أمي ولكنك لم تفٍ بوعدك .. وحتى الآن ؟؟!!
أتراك قد نسيت هذا أي أيضاً ؟؟؟ .. لا عليك يا سيدي ..
أتراك نسيت ذلك اليوم الذي تشاجرت فيه بدورك مع زوجي .. وأنت تنصب من نفسك واعظاً وقديساً وولياً .. وأنت تقذفه وتقذفني بأبشع العبارات تحت تأثير تلك الفكرة التي كانت تسيطر عليك بأننا نحيا حياة العشاق والفسق والفجور .. ؟؟!! بحجة وزعم بأننا لسنا زوجين شرعيين ؟؟!! بينما رحت أنا وزوجي نؤكد لك بأن زواجنا شرعيا وقد تم بموجب عقد زواج شرعي وأمام الشهود .. ولكننا لا نحمل تلك الوثيقة التي تؤكد شرعية زواجنا ؟؟!! .
هل تراك قد نسيت ذالك يا سيدي أيضاً …؟؟!!
لا بأس … لا عليك ..
هل تراك قد نسيت ذلك اليوم الذي شكوت لك معاناتي من تلك الآلام المبرحة التي راحت تغزو جسدي .. وتلك الحمى الرهيبة الغريبة التي استولت على كل أعضاء جسدي .. فما كان منك سوى أن وجهت لي كلمات مواساة قليلة سريعة مقتضبة من وراء ظهرك ومن وراء قلبك .. لا تسمن ولا تغني من جوع … ولم تمد لي يد العون والمساعدة بشكل جديّ .
بل ولقد اتهمتني يومها بأن ذلك المرض الذي أصابني هو ” اللعنة ” .. وهو ” الانتقام الإلهي ” مني لأنني لم أكن امرأة سوية .
وقلت صراحة بأن ما أصابني هو فعلا ” مرض الإيدز ” القاتل ؟؟!!.. بل وتماديت بالقول بأن من قام بنقل جرثومة وفيروس المرض الخطير لي هو عشيقي ؟؟!!
أتراك نسيت ذلك أيضاً يا سيدي ؟؟!! ..
لا عليك .. لا بأس .
أتراك قد نسيت أيضاً ذلك اليوم الذي زففت لك فيه نبأ أنني ” حامل ” .. ؟؟!! وبدلاً من أن تبارك لي وتقوم بتهنئتي .. قمت بالسخرية مني ووصفي بأبشع الألفاظ وأسوأ التقولات ؟؟!! .
هلا نسيت ذلك أيضاً يا سيدي ؟؟
لقد طلبت منك يومها بأن تساعدني بالبحث عن أمي من جديد .. لأنني أحتاج لها كثيراً .. ولأنني أريدها أن تكون إلى جانبي عندما يحين موعد وضع الوليد .. وعندما تهاجمني آلام المخاض ؟؟!! خاصة وأنني لا زلت أعاني آثار المرض اللعين .
وكم كانت خشيتي وتخوفي أن ينتقل المرض اللعين من جسدي إلى الجنين الذي يعربد في أحشائي .
ولكنك لم تحرك ساكناً من جديد .. ولم تمد لي يد العون والمساعدة أيضاً كما هو دأبك وديدنك ؟؟!! .
كم كان بودي أن تكون أمي إلى جانبي في هذه المحنة .. خاصة عندما يحين موعد وضعي للمولود .. كي تخفف عني آلام المخاض .. ولكن هذا لم يحدث ؟؟!! .
لا بأس يا سيدي .. لا عليك ..
سيدي .. أرجو أن تسامحني .. ذلك لأنني قد أثقلت عليك كثيرا خلال هذه الحقبة الزمنية التي تعرفت بها عليك .
تأكد يا سيدي بأنني لن أثقل عليك بالمطلق بعد الآن .. وإلى الأبد ..
فقط .. أريد أن أخبرك .. بأنه قد تم نقلي للمستشفى وأنا أقاسي آلام المخاض المبرحة الرهيبة .
حقاً .. سأكون هناك وحيدة .. فلن تكون أنت معي .. ولن تكون أمي معي .. سأكون وحيدة ..
فقط .. أريد أن أقول لك كلمة أخيرة .. جملة واحدة .. عبارة واحدة فحسب ..
” أين أمي ” ؟؟!! .. ” أين أمي يا سيدي ” ؟؟!! .. من هي أمي ؟؟ .. فكم أنا أحتاج لأمي خاصة في هذا الوقت العصيب .. أين أمي ؟؟ أين أمي ؟؟
لقد أثقلت عليك كثيراً يا سيدي .. فسامحني .. وسوف لن أثقل عليك بعد الآن أبداً .. وللأبد ..
فها أنا قد وضعت مولودي أخيراً … وها أنا أرسل إليك بكلمة الوداع الأخيرة ..
ولكن قبل أن أقول لك ” وداعاً ” … فإنني أتوسل إليك .. أستحلفك بالله .. أن تبحث من جديد عن أمي .. وعندما تعثر عليها ذات يوم .. أرجوك يا سيدي .. قل لها بأنني أحبها .. قل لها .. أحبك كثيرا يا أمي .. ولقد سامحتك يا أمي .. فليسامحك الله يا أمي ..
ها أنا أقول لك الآن يا سيدي .. بأنني أسامحك ومن أعماق قلبي … فكم أنت ظلمتني على مدار الوقت .. وكم كنت معي قاسياً .. ولن يصل بي الأمر أن أقول بأنك كنت ” ظالم ” ؟؟
لا لشيء .. إلا لأن الابنة دائماً لا تتمادى بالقول .. ولا تتطاول على أبيها بالحرف .
ذلك ببساطة .. أنني أقولها لك الآن صراحة .. بأنني أقبل أن أكون لك ” ابنة ” .. وأقبل أن تكون لي ” أباً ” ؟؟!! فهل تراك تقبلني ابنة لك ؟؟ .. وهل تقبل أن تكون لي ” أباً ” ؟؟ .. أباً لامرأة ” لقيطة ” ؟؟!!
سأقول لك الآن يا ” بابا ” .. وداعاً .. وداعاً يا أبتِ .. وللأبد ..
فها أنا وبعد أن قمت بوضع مولودي .. ها أنا أنتقل … إلى ” العالم الآخر ” ؟؟!!..

فلا تذرف الدموع من أجلي .. بل ترحم على تلك المرأة التي تعرفت عليها ذات يوم .. والتي كتبت عنها نصك … ” لقيطة ” ؟؟!!

(( .. انتهى النص … وما زلت بدوري أبحث عن الأم .. وما زلت أذرف الدموع من أجل ” لقيطة ” ؟؟!! ))

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here