القصيدة:
وانهض بالسلام كله كما النشيد وكن
لي وحدي وكن من تريد..
واحمل عني عبء هذه الأرض، لست نبيا
ولست كرما ينبت على حافات الظل، كي
تنزل شمسي من على كتفي مترا أو تزيد..
إنهض بهذا الوحل الآدمي، قد نسي الطين
صلصاله المسنون وسخرني وحدي لحزنه،
إنهض، فهل نسيت نفس الأنبياء فيك؟
وأين أولياؤك، وأنت المريد؟
هل تخليت عني حين نصحتني بالصمت وأنا
متعب بانتظارك؟
أو نسيتني كحوت نبوي، حين أويت إلى
صخرتك المقدسة؟
عد بي إلي، ضللت دروب الخطوات،
وابتعدت عن قصب خيمتنا، ولم أر دليلا
يشدني أو وريد.
عُد بكامل الأسماء وذرية آدم، إخوتي
واطرد شبح الغراب الأول من دمنا،
وافرش لحبنا سائر حبه في وردنا،
من منا يا سيدنا وحشي العواطف،
ومن منا الطريدُ؟
قم يا حكيم من عروق جفافنا المعنوي
وأعد لأرضنا ترابها الأول، وهواءها الأول،
وكون قمحها خبزا لأطفالنا،
لن يبقى منا جائع بطيش المسدس لينمقه
هدية لموت جاره،
فالحر يغدو حرا وليس فينا العبيدُ،
قم وتجلى بكل سلامك، فينا.
بداية وكي نتدبر هذه القصيدة لا بد لنا من معرفة مناسبة كتابتها.. فالقصيدة وكما قال الشاعر، كتبت عام 2011 بالضبط، كانت دعوة روحية صريحة للإنسان العاقل أن ينسخ من ثقافتة العدوانية التي دمرت الحياة كلها، حتى لغة القصيدة تدل على روحانيتها الصافية. فقد كانت تدور في أجواء ما كان يحدث من عنف في بعض بلدان الشرق الأوسط، فانتابتني حالة حزينة لما أحدثه الإنسان من قتل ودمار. فدعوته إلى تبني حالة السلام. والعودة إلى روحانية الأديان والمقدس من الرسالات الربانيّة والرسل والعمل على إشاعة الثقافة الروحية”.
انهض بالسلام كله كما النشيد وكن
لي وحدي وكن من تريد
هي إذا دعوة للسلام إذ تبدأ من عنوانها، ليس أي سلام وكفى بل هو السلام كاملا تاما. السلام الذي يجعلني وإياك إنسانا يقابل إنسانا أيا كان عرقه، جنسه، عقيدته، توجهاته أوموطنه. فكلنا ذاك الإنسان.
من هنا تبدأ جماليات القصيدة من خلال استعارات توحي لقارئها أو سامعها وكأنما هناك جوقة موسيقية متناغمة، متآلفة، يرتفع صوتها في حماس ونشوة لتأدية نشيد واحد يضم المجتمع الإنساني بكل أطيافه وفئاته. فكلنا في الإنسانية إنسان.
نعم، لا نريده سلاما مجزءاً، سلاما يخص فئة ما أو وطنا ما أو جماعة ما ننتمي إليها بل نريده سلاما عاما يعم الإنسانية قاطبة. فهذا ما يعنيني منك كإنسان، بهذا تكون لي وحدي، بهذا المعنى الخاص جدا، ثم لا يهمني بعد ذلك أية إضافات تضيفها إلى الإنسان الذي فيك. قيمتك الأساس عندي أنك إنسان، أنك خالص لهذه السمة التي تجمعنا، بهذا وحده تكون خالصا لي أيا ما كنت تريد أن تكون بعد ذلك.
وأنت تقرأ هذا المقطع يمر بمخيلتك تلك الجوقة التي يعلو صوتها بنشيد واحد في وقت واحد بنغمة واحدة لا نشاز فيها، ويكاد يكون الإحساس بالكلمة واحد عند الجميع مما يجعل السامع يستقبل صوتا واحدا وإن تعددت مصادره، هكذا يريد الشاعر للناس جميعهم أن يكونوا في تعاملهم السلس بينهم يحكمهم السلام كما تتحكم آلية النشيد بالجوقة فيسود التناغم.
واحمل عني عبء هذه الأرض، لست نبيا
ولست كرما ينبت على حافات الظل، كي
تنزل شمسي من على كتفي مترا أو تزيد.
لماذا يريد الشاعر من الإنسان أن يكون خالصا لأخيه الإنسان مهما كانت له من وظائف أخرى في هذه الحياة؟ يأتينا الجواب: ليحمل عنه عبء هذه الأرض. والأعباء على كاهل الإنسان كثيرة، أكثر بكثير مما نتصور.. نعم تحمل معي أعباءنا المشتركة لنعيش معا لكنك رغم هذا أنت مثلك مثلي لست نبيا متساميا عني أو معصوما ذا قيم متعالية يصعب عليك خرقها أو تمتلك قدرات خارقة لتؤكد نبوتك. ولا أنت مجرد نبتة يمكنها منحي الظل. معجزتك ومعجزتي إن هي إلا تقبلنا لبعضنا البعض، لنتعايش هنا على هذه الأرض. معجزتك الحقيقية أن تقبلني كما أنا، تقبل كوني مثلك، وكونك مثلي. لست تسمو علي بشيء ولا أنت أقل مني درجة. لا تملك معجزات الأنبياء لكنك لست مسخرا أيضا. كل ما نستطيعه أن نكون عونا لبعضنا البعض في حمل أعباء حياتنا كمجموعة متآلفة لا مجرد أفراد يتصارعون فيما بينهم.
قيم إنسانية بالغة العظمة تتجلى هنا. قيمة التعايش وتقبل بعضنا البعض عندما ندرك ما يجمعنا معا، وما يعجزنا معا. ما يمكننا عمله وما لا يمكننا أن نكونه. ما نحن إلا بشر لنا ما لنا وعلينا ما علينا. أهم ما يميزنا أننا نعي كينونتنا التي علينا أن نعيشها.
مزج جميل للواقع بالخيال، للشعر بالفكر، للكلمة المغناة بالحكمة، للصورة بالفكرة إذ يرسمها قلم شاعر متمكن حكيم. وأقول حكيما إذ يقوم بتحديد للأدوار وتفصيلها بالفصل بين الممكن والمستحيل، بين الإنسان كمرسل أو مرسل إليه. بين الإنسان ذي إمكانيات محددة معينة والأشياء من حوله. وبهذا يكون الشاعر قد حدد ماهيّة الإنسان الحقيقية وحدوده. فالمعجزات لا تكون إلا لتأييد رسالة نبي، والممكن إن هو إلا ممكنا مهما ارتقى بالعلم ومناهجه وآلياته. فشتان بين من يحرك الشمس من مكانها وبين من يأتي بالممكن وحده. والإنسان ما بين هذا وذاك فلمَ لا يحافظ على كنه إنسانيته!
إنهض بهذا الوحل الآدمي، قد نسي الطين
صلصاله المسنون وسخرني وحدي لحزنه،
إنهض، فهل نسيت نفس الأنبياء فيك؟
وأين أولياؤك، وأنت المريد؟
هنا تبدأ نغمة الشاعر تتعالى في نشيده من شدة غضبه على الإنسان إذ ينسى كونه مجرد بضعة من طين لا ولن ترتقي به إلا روحاً وُهبها. فهذا الجسد المادي الذي يستخدمه في ضلاله الشيطاني من تدمير وتخريب ما هو إلا فقدان لروحانيته التي ترتقي به وتسمو. ترتقي به عن طينته إلى تلك الروحانية التي جعلته عند خالقه فوق الملائكة علما ومكانة، فكيف يهدر قيمة كهذه أو يضحي بها على مذبح العنف وهو يدرك الثمن مقدما!
عدو الإنسانية هذا قد انسلخ من إنسانيته إلى مجرد مسخ لا هو بالإنسان ولا هو بشيء من أشياء الطبيعة حتى، فليته بقي مجرد صلصال لا حول ولا قوة له، لكنه بهذه الروحانية التي وهبها وهمشها أصبح منبع حزن أخيه الإنسان إذ تناسى أن من الإنسانية ذاتها كان أنبياء وما زال فيهم أولياء. فكيف يحدث من تلميذ لنبي أو ولي أن يكون بهذا العنف والضلال!
أشياء الطبيعة لها معجزاتها التي لم تصنعها هي في ذاتها ولا كان لها يد فيها، ولا هي مسؤولة عنها ففعلها ينسب إليها مجازيا، فهي من دلالات قدرة الله وعظمته أن جعل للأشياء ظلالاً، أن جعل لها وظائفا تؤديها. والإنسان بما منح من إرادة هو بحد ذاته دلالة أخرى على قدرة الخالق وعظمته. لأنه كإنسان حر في الفعل، حر في الرأي، حر في القبول أو الامتناع. وهذه معجزة مُنحت له فصار خلاقا مبدعا وهذا ليس لمخلوق سواه مما نشاهده أو نشهد عليه كآدميين. فكيف يغتر وينسى ويتجاوز ما خلق لأجله من عمار ويحنف إلى الدمار والتخريب.
إنها إذا دعوة للسلام من خلال استعادة روح الإنسانية فينا، وتعاليم الأنبياء وسلوكيات الأولياء. دعوة للرقي والتسامي على طبيعة الجسد المادي إلى روحانية ربانيّة وصلتنا فكان الأوجب بنا التزامها.
فلسفة حياة يصوغها لنا “محمد كنوف” شعرا، دستورا للتعايش بين البشر إذ يرتقون للإنسانية حتى ذروة سنام قيمها. بل إن هي إلا قيم يبعثها شاعر راق في عباراته التي تحيي الروح الميتة في نفوس جفت فيها موارد الروحانية. هو هنا إذا بالكلمة ونغمة النشيد يقاوم إرهاب الإنسان لأخيه الإنسان، بل بالجمال يواجه به القبح وهل هناك أقبح ممن يهدر حيوات كائنات فكيف إن كانت هذه الكائنات بشرا!
هل تخليت عني حين نصحتني بالصمت وأنا
متعب بانتظارك؟
أو نسيتني كحوت نبوي، حين أويت إلى
صخرتك المقدسة؟
وكأنما الشاعر هنا يعاتب هذا الإرهابي المفتونة ذاته عن الحق بالتوجه إليه بالسؤال: أي دين أو ملة أو معتقد تتبع، أية أفكار توجهك. يعاتب الإنسان الذي فيه، ذاك الذي انتظره ولم يأت بعد. أم أن الإنسان قد نسي أنه إنسان وأن علينا السكوت مقابل غياب الإنسانية فينا. وما الإنسانية التي يعنيها الشاعر هنا إلا روحانيته المستمدة من كتب الأنبياء والرسل، من مورثهم الذي من المفروض أنه سكن فينا. أو مما أودعه الخالق في نفوسنا لكن الإنسان وقد فعل ما فعل قد ألغى كل روحانيته السليمة ليستمد بديلا عنها شرا يلوث به معتقداته.
هنا نجد ما يمكن أن ندعوه “تناصا” للقرآن الكريم باستلاف ألفاظ أو عبارات لتوظيفها في إيصال معنى جزل بألفاظ قليلة واضحة المدلول بسبب تداولها في قراءتنا لكتاب الله أو سماعه. وعدا عن توظيف اللفظ فهو هنا استحضار لهذه الرموز الدينية. ولا نريد أن نغوص بمعان قد لا يكون الشاعر يقصدها. فالحوت حين التقم النبي لم يبتلعه وإنما بقي كلقمة في فمه لا هي تبتلع ولا يمكن له لفظها إلا حين يشاء الله. لكن الشاعر كما أستدل من نصه إن هو يقصد أن الإنسان بنسيانه لإنسانيته قد ترك الروحانية جانبا وركن إلى معتقدات أخرى قد حنفت به عن القيم الدينية السليمة إلى ركون إلى ما يتصور أن نجاته لا يكون إلا به وما اعتقاده هذا إلا ضلال وإضلال.
عد بي إلي، ضللت دروب الخطوات،
وابتعدت عن قصب خيمتنا، ولم أر دليلا
يشدني أو وريد.
يبدو هنا أن الشاعر يرجو من الإنسان كإنسان أن يعود عن غيّه، أن يعود إلى دروب الحق. أن يعود إلى كنه إنسانيته حتى يعود الجميع للحق. فهذا الذي حدث من قتل وتفجير وأهوال باعدت بين الإنسان وذاته السليمة، جعلته يشعر أنه ليس هو ذاته لهول ما حدث. إذ فقد إحساسه بوجود هذه الإنسانية.
عُد بكامل الأسماء وذرية آدم، إخوتي
واطرد شبح الغراب الأول من دمنا،
وافرش لحبنا سائر حبه في وردنا،
من منا يا سيدنا وحشي العواطف،
ومن منا الطريدُ؟
وهو إذ ذاك يريد هذه الإنسانية حقيقة لا زيف فيها، كاملة تامة ولكن دون سلبياتها، يريدها خالصة حتى من أول حادثة عنف حصلت منذ بداية تاريخ البشرية على هذه الأرض -والتي يعني فيها قتل قابيل لأخيه هابيل- يود لو اجتُث هذا العنف من جذوره الأولى، من ذكراه، من مجرد وروده في الخيال، لو أننا نستطيع استعادة اللحظات الأولى، تاريخنا كله ولكن خالصا من تلك الذكرى السوداء بكل معانيها، الكاتم لونها والمظلمة ماهيتها فكلنا إخوة، ونريدها أخوة خالية من ذكرى الجريمة الأولى. نود لو تخلُص لنا علاقاتنا من سلبيات الشر، من إبليسية الشيطان، من مكره فينا، كي نعيش بسلام حقيقيّ فوق هذه الأرض والتي هي “تجربة مرهقة” كما وصفها “يوسف الهواري” في قصيدته -يوميات- وكيف لا تكون كذلك وهذا العنف المبثوث فينا يتزايد شراسة يوما بعد يوم حتى بات المطارد طريدا والطريد مطاردا واختلطت الأمور على أصحاب العقول حتى باتوا في ذهول.
ولنتذكر أن الشاعر كتب قصيدته بمناسبة تفجيرات سنة 2011، ترى لو كتب الآن ماذا سيقول والعنف ها هو يولد مزيدا من العنف. يتمدد في شرايين الأرض كلها. لم يعد الأخوان وحدهما هما الخصمان بل الإخوة كافة. وأتساءل، ترى أهذا قدر الإنسان أن يسفك دم أخيه الإنسان وهناك آلاف الوسائل لتفادي ذلك! لِمَ هذا العدوان أصلا، وليس له من داع طالما بإمكاننا تسوية الأمور؟ لكنه الإحساس بالظلم والقهر والعجز التام مقابل الجور وتساوي قيمة الحياة والموت فوق هذه الأرض مع غياب الحكمة عند الظالم والمظلوم، إذ يقتتلان على فانٍ.
قم يا حكيم من عروق جفافنا المعنوي
وأعد لأرضنا ترابها الأول، وهواءها الأول،
وكون قمحها خبزا لأطفالنا،
لن يبقى منا جائع بطيش المسدس لينمقه
هدية لموت جاره،
فالحر يغدو حرا وليس فينا العبيدُ،
قم وتجلَّ بكل سلامك، فينا.
طالما أن هذا العداء لا يبرره واقع ولا يسوغ له عقل ولا يرتضيه وجدان حي ولا نفس سليمة فلِمَ سكوت العقلاء إذاً، لِمَ هذا الصمت الذي يلتزمه الحكماء وأية حكمة تسوّغ لهم صمتهم هذا!
هي إذا دعوة من الشاعر لنبذ العنف من جهة ودعوة للحكماء بأن يحتكموا لضمائرهم ويقوموا في الناس واعظين ومصلحين.
وتأتي لفظة حكيم هنا كدعوة لكل من هو حكيم بالفعل كي يتدخل في تنقية النفوس ليس في ظاهر القول فقط بل في عمق أعماق إنساننا. في خلايا دمه التي تغذيه ككل، تغذي وجوده وكينونته. إنها دعوة من حكيم تحدث إلى حكماء لا زالوا صامتين رغم كل ما يحدث. فالصمت هنا منتهى الرعونة.
وهي دعوة كذلك للعقلانية فينا، للحكمة، للمبادئ والقيم، للمعايير الإنسانية التي نوّمتها وخدرتها أطماعنا وقيمنا السلبية فكانت أنفسنا لها أكفانا وبعثها إحياء وقيامة لها. كانت كما أرض حبس عنها الغيث فجفت وتشققت ولن يعيد لها رطوبتها إلا غيث من حكمة الروحانيات فينا. وهل هذه الحكمة التي يود شاعرنا أن تقوم فينا هي مجرد ألفاظ لغو لا تجدي نفعا ولا تؤدي إلى فعل محسوس ملموس في حياة الناس؟! أبدا إنما هو يريدها حكمة سلوك إنساني تتحقق في واقع الناس ولا تلاك في الأفواه أو تختزل في مجلدات على أرفف كما الأكفان. يريدها روحا تسري في الأرض بين ما تعيش عليها وفيها من مخلوقات عامة والإنسان الذي يعيش هذه الحكمة ولا يتشدق بها. نعم نريد ترجمتها إلى طهارة في الأرض وفي فضائها كله، نريد تطهيرها من تلك الجرائم كلها، نريد استعادة طهر الأرض قبل أول جريمة حدثت، وأول صرخة مظلوم، وأول اعتداء ظالم على من تسامى على الإيذاء، ودفع الشر بالشر! فإن كانت أجسادنا طعام الأرض فأقله أن لا نجعل من الدماء مشروبا لها يسكر تربتها.
كثيرا ما كنت أتساءل بيني وبين نفسي، ترى كيف تصبح طبيعة النبات والحيوان والإنسان ذاته إن تغذت الأرض على جثث الظالمين وكذلك المظلومين فنبت الزرع، وتغذى عليه الحيوان ثم أصبح من هذا وذاك غذاؤنا. تُرى ما تأثيرها علينا نحن كبشر وهل من فرق بين غذاء أرض من جثث مظلومين أو ظلمة؟ وهل ينتقل ما بهم من فساد إلينا ومن ثم إلى أرواحنا؟
ربما لهذا يود شاعرنا كنوف أن يقوم الحكيم الذي فينا ليعيد لأرضنا ترابها الأول، وهواءها الأول، الطاهرين فلعل وعسى أن يصبح قمحها خبزا لأطفالنا، خبزا مغذيا لا ساما للأجساد، مسمما للنفوس، محولا لها من الفطرة السليمة إلى إبليسية في الأرض تنشر الخراب والدمار في كل زاوية من زوايا الأرض بل وفي باطنها!
عندها وعندها فقط سيذوب العنف، يتساقط، وينتهي، فلا يحتاج أحدنا إلى مسدس ليقتل به جارا له، أو أخا قريبا أو بعيدا.
لا تتوقف دعوة الشاعر هنا بل تمتد لتؤكد أن قيامتنا العاقلة الواعية في وجه الشر والعنف تنهيه وتقضي عليه، وهي بالتأكيد تحرر لنا، مطلب حرية حقيقية وليس مجرد ادعاء. فالحرية نوعان، تحرر من قيد وهذه حرية سلبية، وتحرر من أهواء النفس وقيمها السلبية. والأولى مقدمة للثانية، والثانية حرية مسؤولة وليست مجرد فوضى في الحراك كما ذرات الغبار في الهواء تجري أينما حملها الريح وجرى بها.
نعم كنوف نريد حرية بنّاءة، حرية تحترم الإنسان الذي فينا، أخوتنا، قيمنا، روحانياتنا، تلك الطهارة الأولية، عندها فقط نكون نحن بشرا سويا أحراراً كما أراد لنا الله عبادا له في الدنيا لا عبيد شهواتنا ولا عبيدا لغيرنا، أحرارا في اختياراتنا المبنية على الحكمة وما الحكمة إلا الصائب من الأحكام والحسن من السلوك ولنقل أجمله. عندها نعيش السلام كما أراد وتمنى شاعرنا “محمد كنوف”.