المقهى الأدبي الأوروعربي وتجارب الكيانات الكيدية – أحمد حضراوي

0
1231

لم أعوّد القارئ الكريم على مثل هذه الكتابات التي أشرح فيها واقع التدني الذي بلغه بعض المنتمين زورا وبهتانا للشعر والأدب، غير أنه لا بأس أحيانا من نقل الصورة الحقيقية إليه دون زيادة أو نقصان، فمنذ أن أخذت زمام المبادرة في قلب العاصمة الأوروبية بروكسل واتخذت قرار التميز بكيان ثقافي إبداعي مختلف عما كان رائجا أو ما هو رائج ولا يخرج عن إطارات عدة، إما مؤسساتي تابع لدولة أو منظمة أو حزب أو طائفة مدعوم بكل وسائل الدعم الممكنة من مقرات وهيآت وأموال طائلة، أو اعتباطي ارتجالي شِللي يجمع بين أسماء ترفض الانفتاح على العمل الجاد وتطعيم نشاطها بأسماء شعرية أو أدبية وازنة حتى لا تعكر عليها (صفو) أدائها المتواضع. إذاً منذ اتخاذي أول خطوة لإطلاق مشروعي الثقافي الإبداعي الفني وأنا أتعرض للصدمة إثر الصدمة والخيانة إثر الخيانة من أحد هذين النوعين من المتربصين بالفعل الثقافي الجاد ولا أقول الفاعلين الثقافيين.
لزمت الصمت لسنوات وتورعت عن الحديث عن مثل هذه النوعية المريضة من الناس، أولا لأني تعلمت من تجارب الحياة أن خير جواب يليق بمثل هؤلاء هو العمل في صمت حتى تتحدث مسيرتك وحدها عن إنجازك فتخنسهم وتعيدهم بخيبتهم إلى جحورهم النتنة، ولأني متيقن أولا وأخيرا أن المجال الثقافي يطهر نفسه بنفسه من خلال الاحتكاك بالساحة وبالآخرين، فيرفع المُجيد ويضع الهزيل، لأن الإبداع عملية ذاتية تفرض نفسها بنفسها دون حاجة إلى ماكياج البهرجة التي تصاحبه خاصة إذا كان إنتاجا ذهنيا فكريا كالكتابة الروائية والشعر.
الشاعر المُجيد والكاتب والفنان هو أولا مبدع، قد يؤسس مقهى أدبيا أو صالونا أو منتدى أو سمه ما شئت من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، وقد ينظم الأمسيات والندوات والملتقيات والبرامج التلفزيونية من جهده وماله الخاص، ويمكن لمن في قلوبهم مرض وحسد له وغيرة منه أن ينجحوا في الاستيلاء على كل إنجازاته التي قضى الأيام والليالي الطوال في إنجازها ويركبوا عليها، غير أنهم لا يمكنهم بأي حال من الأحوال أن يسلبوه قصيدته وخطه الكتابي الإبداعي، كما أن استحواذهم على كل مقرات أنشطته واستمالة بعض من جمهوره بشكل أو بآخر خاصة بالنميمة والوشاية الكاذبة وتلفيق التهم دون دليل أو برهان، لن يجعل منهم لا كتابا ولا شعراء ولو تلقبوا بعده بكل لقب رنان طنان. الشاعر الحقيقي لا يحتاج إلى لقب شكلي كرئيس كيان أو منظمة أو إعلامي أو غيرها، فهو شاعر بطبيعته وصفة الشعر أعلى مرتبة لديه من أي صفة أخرى، الشاعر لا تتفوق عليه إلا صفة النبي، أما الأشباه فيحتاجون إلى جملة طويلة عريضة أمام أسمائهم لتغطي على ضعف مستواهم وتعوضهم عن إحساسهم بالنقص أمام فحول الشعر والكتابة.
لو تمعن هؤلاء (الأشباه) في الاسم الذي اخترته للمشروع الأدبي الثقافي الذي أطلقته ببروكسل بعد تفكير طويل وقراءة مستفيضة لجميع التجارب المشابهة في الوطن العربي خاصة المغرب لأدركوا أن سر نجاحه في اسمه، فهو ليس مرتبطا بمكان ولا مرتبطا بأشخاص -إلا الذين يرتبطون به وبفكره ويؤمنون بها ويعملون جاهدين على إنجاحها ويضحون من أجلها بالغالي والنفيس-، فمنذ أول لحظة أدركت أن لا أربعة جدران ستضمه وتحتويه، وأن ليس كل من سولت له نفسه أنه كاتب وشاعر وفنان سيستمر فيه، ذلك أن المقهى الأدبي -المقهى الأوروعربي حاليا- مدرسة قد يتخرج منها العبقري كما قد يرسب فيها البليد الغبي، غير أنه مما خبرته في حياتي أن الوعاء الفارغ هو دائما من يحدث صوتا عاليا.
تعرض المقهى الأدبي منذ انطلاقته الأولى بل وحتى قبل انطلاقته بقليل لمحاولات توجيه أو انقلاب أو اختراق، مرت في مجملها من ثلاث مراحل:
١- مرحلة كسر العظام: وتمثلت في محاولة وأد تجربة المقهى الأدبي بكل الوسائل الممكنة، سرقة مقر أنشطته، التواصل مع أفراد المقهى فردا فردا ومحاولة التأثير عليهم للانفضاض عن مؤسسه ورئيسه عبر النميمة والغيبة وتلطيخ السمعة وتشويهها والاتهام بكل التهم الممكنة من قبيل ما يعجز الشيطان ذاته أن يأتي به من خبث ومكر، نجح بعضها في إبعاد طاقات مهمة عن المقهى الأدبي وفشل بعضها الآخر، غير أن تجربة المقهى الأدبي استمرت وما زالت مستمرة.
٢- مرحلة المنافسة والتربص: وتمثلت في إنشاء كيانات موازية في نفس مقرات المقهى الأدبي التي استطاع الحصول عليها بشق النفس ولخلق الفتنة بين أعضاء المقهى الأدبي الذين يحتارون أحيانا في أمرهم فيحشرون هنا وهناك رأبا للصدع ومحاولة منهم عدم إغضاب أي طرف، بل وخلق الفتنة في الوسط الأدبي البلجيكي برمته، تنتهي دائما باندثار ذلك الكيان الموازي اندثارا كاملا وعودة أعضاء المقهى الأدبي -المغرر بهم- إلى الحاضنة الأولى باستثناء الانقلابيين الذين يقبعون في جحورهم متربصين بفرصة أخرى للانقضاض على هذا المشروع الثقافي الذي خلق المفاجأة في قلب أوروبا وما زال.
٣- المرحلة الثالثة: وهي إعلان التوبة ظاهرا للعودة إلى المقهى الأدبي ومحاولة تدميره من الداخل بعدما فشلت الضربات من الخارج، غير أنه كلما تم جمع عام لأعضاء المقهى الجادين لنقاش عودة هؤلاء إلى حضنه يكون الإجماع على رفضهم، ذلك أن من خان مرة سيخون أخرى وأخرى وأخرى.
هذا عن تجربة المقهى الأدبي مع بني جلدته من المغاربة، أما تجربته مع الإخوة المشارقة فكانت بداية مع فئة من المصريين -ومصر براء منهم- الذين حاولوا الركوب على المقهى ونشاطاته واختراقه لصالح جهات استخباراتية لتوجيهه لخدمة طرف مصري ضد آخر مباشرة بعد الأحداث العصيبة التي عرفتها مصر قبيل الانقلاب العسكري وبعده، ثم كانت محاولة مع بعض الإخوة السوريين -وسوريا براء منهم- الذين لم يستسيغوا كيانا ثقافيا يقوم عليه مغاربة، ففي معتقدهم أن المغربي يجب أن يكون دائما في الصف الأخير من الإبداع وتابعا ومسبحا بحمدهم ومقدسا لهم، أما إن كان له مشروعه الثقافي المستمد من مغربيته الخالصة فلا بد أن يهدم على رأسه. ومن هنا لم تصمد تجربة مغربية في وجه هذا الزحف المقيت وتم اختراق كل الكيانات المغربية الهزيلة والتي كان معظمها قد انشق عن المقهى الأدبي فصارت تابعة لنموذجها المشرقي، ويا عجبا تنضوي تحت لواء مشرقي لا يعرف أن الفاعل يرفع فينصبه أو يجره ولا يعرف أن خبر كان ينصب فيرفعه، وتأبى أن تعود إلى جادة الصواب فتضع يدها في يد ابن بلدها!
ثم تظهر فجأة كيانات عراقية -والجواهري والرصافي براء منها-وهمية لا وجود لها أصلا في الساحة البلجيكية ما عدا على صفحات الفيسبوك، كل هم أصحابها أو بشكل أدق “صاحبها” هو التجوال في المحافل الثقافية التي يقوم بمعظمها مغاربة، بيمينه جهاز كاميرا يلقط به هذه الأنشطة يصوبه إلى خلفية تصويره التي هي عبارة عن لوحة قماشية عليها شعار منظمته الوهمية، يصحبه شخص أو شخصان كل مرة وكأنه يدفع لهما مقابل نفس التصريحات التي يدلون بها وينسبون فيها كل نشاط يحضره ضيفا لمنظمته التي لا نعرف عنها إلا الاسم، فمرة بروكسل ومرة لييج ومرة باريس وأحيانا كثيرة لندن. لماذا لندن، لأن لندن هي قاعدته الطائفية الخلفية، ووكر “قُمِّهِ” التي يقبض منها صكوك المال التي يبددها على مريديه الذين يتوهمون أنه سيكون مصدر تمويل لهم ولأنشطتهم، بينما هو مجرد صوت طائفي يوظف المال لبناء مشروع ملاليه في قم وطهران والضاحية الجنوبية من بيروت. وهنا يحق لنا أن نسأل: أليس كل من قاموا بأعمال إرهابية في بروكسل وباريس ولندن ومدن أوروبية أخرى مغاربة؟ مجرد سؤال استنكاري. فلابد وأنه قد تسرب بين اللاجئين إلى أوروبا من العراق وسوريا إرهابيون من القاعدة وداعش، فلماذا كل من قاموا بعمليات إرهابية في أوروبا يحملون فقط الجنسية المغربية؟؟ ألا يمكن أن يكون من ورائهم مثل هؤلاء الخبثاء الذين يخترقون كل كيان مغربي وخاصة إن كان ثقافيا، لتمرير خطاب كراهيتهم تجاه البلدان التي أجارتهم من الحرب والجوع والعطش، ولماذا يسلطون جام هجومهم على المثقف المغربي؟ هل لأنه فهم نواياهم ودوافعهم وكشف مخططهم؟ فليؤكل هو أولا ليقول آخِراً المغترون: أُكلنا يوم أُكل المقهى الأدبي الأوروعربي.
غير أن المقهى الأدبي الأوروعربي ليس بالثور الأبيض ولن يؤكل بحول الله ومنته، بل هو أسد من أسود الأطلس الكبير، تلقى كل محاولات اختراقه وتوجيهه بذكاء ومرونة. كانت أولى محاولات اختراقه من طرف منظمات يسارية متطرفة تجاوزها بأقل الخسائر، ثم حركات إسلامية متطرفة نفثها بكل ترو، ثم حركات ثقافية شيعية حاولت اختراقه وإغراءه بكل ما أوتيت من ترهيب وترغيب، فكسر شوكتها بكل حكمة، ثم خاض خوضهم من حن إلى خيانتهم بعدما فشل في توجيه المقهى الأدبي الأوروعربي إلى فكره اليساري المقبور ومنظمته المتطرفة التي ينتمي إليها، فلم يجد سبيلا إلى إطلاق مشروعه “أكذوبته الشعرية”  إلا بالسطو على المقر الذي دفع ثمنه مسبقا أعضاء المقهى الأدبي الأوروعربي كافة. فكما هو معلوم لم يتلق المقهى الأدبي دعما بعد من أي جهة كانت ذلك أنه رغم قدم نشاطاته فإن لم يمؤسسها إلا مؤخرا عملا بقاعدة: “ابن أولا ثم هيكِل”. فما كان من دأب من طبعه الخيانة وقد أؤتمن على تبرعات أعضاء المقهى الأدبي إلا أن يسطو على آخر مقر استقر به، وقد كان لزاما تسجيل المقر باسم أحدنا فسجلناه باسمه ثقة منا فيه لأنه شاعر، لكن هل يخون الشاعر!؟ وسيستمر المقهى الأدبي وستسقط التجارب الكيدية لأنها بكل بساطة تحمل جينات الفشل بل والموت.
المقهى الأدبي الأوروعربي مستمر، كل ما سيتم تغييره هو عنوانه، وسيتم إعلان مقر جديد له مع الإعلان عن دورته الـ (36)، وقد يتم الإعلان خلالها عن مفاجآت من قبيل الملتقى الأوروبي الثالث.
لماذا لم تسقط تجربة المقهى الأدبي ولن تسقط؟ لأنه استطاع أن يتحول من مبادرة فردية إلى مبادرة جماعية ومن ثم إلى مؤسسة. مؤسسة جذعها في بروكسل وجذورها ليست فقط في بلجيكا بل في بلدان أوروبية وعربية.  تساهم كلها برجالها ونسائها بكامل جهدها في أن يبقى واقفا صامدا أمام كل عثرة، وأي كيان انتقل هذه النقلة المباركة إلا وأصبح إرثا حضاريا ملتصقا بالهوية العربية في قلب أوروبا.
المقهى الأدبي كيان يركز على خلق الذات المبدعة التي تستمد قيمتها مما تنتجه من إنتاج فكري، والتي يكون آخر همها هو المنصب، لذلك شهد القاصي والداني لشعرائه وكتابه وفنانيه بالاحترافية والتألق والنبوغ، وتتم دعوتهم للمحافل الوطنية والعربية والأوروبية.

ملاحظة: المقهى الأدبي الأوروعربي كيان منفتح على بلده، ويفتح ذراعيه لكل المبادرات التي تأتيه من داخل الوطن ويمد يديه لها سواء كانت وزارات أو مؤسسات أو هيآت، أو التي تأتيه من خارج الوطن من سفارات أو قنصليات، ومن كان في قلبه حرج من هذا فالمقهى الأدبي الأوروعربي لا يهتم بحرجه، وبه وجب الإعلان.

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here