الغريب أن معروف الرصافي في كتابه “السيرة المحمدية” صنع من محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلها!!! ونسب إليه قدرات خارقة ﻻ تنبغي لبشر… فقط كي ﻻ يرتضيه نبيا يوحى إليه من السماء. وتقبل أن يكون عيسى وموسى عليهما السلام أنبياء وتقبل جميع اﻷنبياء الماضين ولم يرتضها لمحمد صلى الله عليه وسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: “وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين”، سورة النمل.
وقال تعالى: “إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون”.
والغريب أيضا أنك عندما تقرأ كتابه تجد فيه الكثير من العلم المفيد ولكن في نفس الوقت تدرك الكم الهائل من المتناقضات التي وقع فيها كتابه ومنطقه، فتارة تراه يصف محمد بالنبي وتارة يصفه بمدعي النبوة، وتارة يصفه بالرسول، وتارة بمختلق ومفتري على الله ومؤلف للقرآن، فتراه يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم قوﻻ خطيرا يختلط فيه على القارئ ما بين التكذيب والتصديق، فمثلا يقول: فقال لهم “إني رسول الله إليكم” ويفسرها كالتالي: أني أنا أعرفكم بالله وبقدرته المطلقة وسننه الثابتة وأخضعكم لسلطانه وأقدركم على اكتساب مواهبه الكمالية في هذه الحياة، “(فكأنما) ﻻحظ” فكأنما” قدرة الله لما وهبتني هذه الموهب اللدنية” جعلتني رسوﻻ إليكم أدعوكم لمعرفة الله والخضوع لسلطانه”. ويكمل ليقول: “فمحمد صلى الله عليه وسلم بهذا الاعتبار السامي الشريف صادق في قوله أنه رسول الله”. فبرأي الرصافي أن النبي صلى الله عليه وسلم من تلك المواهب أدرك من تلقاء نفسه قدرته على هداية الناس دون دعوة من إله السماء أو وحي ملكوتي يوحى إليه أو نزول جبريل على قلبه، فدعا الناس من باب الموهبة المميزة والمسؤولية التي ألقيت على عاتق الموهوبين ﻻ أكثر وﻻ أقل! كفانا الله وإياكم شر النفاق.. ويسرح الرصافي دونما شعور منه بملكوت القرآن وآياته وتفسيرها وموافقتها للعقل والمنطق، وتراه مذهولا بفيض الجمال الذي أتى به كتاب الله. فتارة يصفه بكلام الله ومعجزة السماء، وتارة يصفه بقرآن محمد صلى الله عليه وسلم.. ثم ما يلبث أن يعود للاستخفاف برسالة النبي وإلقاء الضوء على مالم يقتنع به من تفسير المفسرين الخرافيين واحتساب أخطائهم وضعف علمهم على القرآن ونبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، فيصدق من تخارفهم ما ﻻ يصدق لينسبه إلى الدين اﻹسلامي للتقليل من شأن الرسالة المحمدية، ويهزأ أحيانا ببعض اﻵيات وينكرها، ويدعي أنها تخالف منطق العقل. وتراه تارة يميل لفئة دون أخرى فيقول كلمة حق أريد بها الباطل. وتارة ينكر الدين كله وﻻ ترى لمعنى الدين مكانة لديه، وتارة تراه يتغزل بملكوت الله وقدرته اللانهائية، ويخلط الحق بالباطل كمن يخلط البر بالشعير والحذق بالتمر. ﻻ أعرف حين كتب الرصافي هذا الكتاب ما الذي كان يريد أن يقوله وبماذا كان يفكر وإلى ماذا أراد أن يصل؟ هل كان يسعى حقا للبحث عن الحقيقة كما قد يدعي بعض من يتبعون هذا النهج الفكري، وهل كان إظهار الحق ونور الرحمن هو غايته فعلا!!! أم أن شيطانه استولى عليه وزين له عمله ليراه جميلا..؟؟ نسأل الله الهداية والبصيرة لمن أرادها حقا وسعى لها سعيها.
-أنصح بقراءة الكتاب الذي ينطوي على (762) من الصفحات، فقط للتبصر والفائدة، فالحكمة ضالة المؤمن ﻻ يضره من أي مأخذ أخذت ما دام قلبه مطمئن باﻹيمان، ففي الكتاب الكثير مما ينفع الناس لمن أراد أن ينتفع وقلبه مطمئن لما أنزل الله من نور هديه على نبيه والمؤمنين، مع التعوذ أثناء القراءة من مضلات الفتن وشياطين اﻹنس والجن.. فالرجل صاحب علم غزير وفلسفة عميقة وﻻ نريد أن نبخسه حقه. ولكن!.. على كل حال نسأل الله الهداية فهو الهادي الموفق وهو أعلم بالمهتدين..-.