عندما كنا صغارا كنت وإخوتي الصبية الثلاث نتسابق لتلمس الأفق في كل رحلة إلى الجبال، لم يكن عمر أكبرنا -أنا- قد تجاوز الثامنة. تلال تتلوها تلال، والشمس تكاد تغرب وتبدو لنا قريبة من أفق السماء في التقائه بالتلة، وألوان الغروب تأخذ بألبابنا، كل ألوان الطيف المشرقة، نتراكض خلف بعضنا لا نشعر بالتعب وقهقهاتنا تسابقنا ليرتد صداها عن صخور التلال، الأماكن هادئة ولا ضجيج إلا ضجيج نفتعله نحن، نبقى هكذا حتى يختفي قرص الشمس وراء تلة عالية أو جبل، لنعود أدراجنا نلهث وقد احمرت وجوهنا وأخذ منا التعب كل قوانا فنرتمي على بطانية مدتها لنا أمّنا أمام كانون النار كي لا يلفحنا الهواء بعد تلك الحرارة التي اكتسبناها من الركض. نتمدد على ظهورنا وننظر إلى السماء وتسرح أرواحنا في ملكوت الله، لا يوقظنا إلا طلب أبينا أن هيا لنعود إلى عمّان. يعز علينا ترك نوافذ السماء المفتوحة لنا عبر النجوم والكواكب ونطلب ولو دقائق أخرى ولكن هيهات. كبرنا وكبرت نوافذنا إلى السماء، وتحولت محاولات لمس الشفق إلى جد واجتهاد لتحقيق أهدافنا والآمال ولكن دون أن نجد يد الوالدة الحانية التي تهيء لنا سبل السلامة، ولا صوت الأب الذي يحثنا على العودة من دنيا الأحلام إلى الواقع الحقيقي المعاش. لكن الطفولة الجميلة بكل زخمها لم تغادرنا يوما، ستبقى مصدر تلك الطاقة المتأججة أبدا.