البخاري قام بالعديد من عمليات الاغتصاب لمتسولات يَنَمْنَ بالقرب من ولي صالح بإحدى مدن الهامش، وقد تسبب في أكثر من حالة حمل زنا، لم يتم اعتقاله يوما ولا متابعته بجريمة الاغتصاب، لأن لا أحد قام بتقديم شكوى ضده، ولا أحد اهتم للأمر بالمرة، واعتبر الجميع الذين يتناقلون حكاياته أن كل الجرائم المرتكبة مع سبق الإصرار والترصد لا قيمة لها لأنها صادرة عن شخص فاقد للأهلية، أي مجنون.
هل ما قام به هذا المعتوه الملقب ” بالبخاري ” يمكن أن ندرجه ضمن ما يمكن تسميته ” بجرائم الهامش ” ؟ وهل هذه الجرائم تحدث فقط في هذه المناطق دون حدوثها في المناطق الراقية ؟
من الصعب جدا تصنيف الجرائم حسب المناطق، والادعاء بأن هذه تدخل في خانة جرائم مدن الهامش، وهذه تدخل ضمن جرائم المركز، لأنه ببساطة لا نتوفر على دراسات متخصصة في هذا الميدان أي ” الجريمة والمجال “، ولكن كل ما نتوفر عليه هو ما تنقله لنا الصحافة الورقية والإلكترونية بين الحين والآخر عن جرائم مرعبة ومثيرة ومختلفة، أي يشيب لها الولدان كما يقال، لكن الذي يميزها أنها تحدث بمدن الهامش.
لا يمكن أن نجد تفسيرا دقيقا لما يحدث من جرائم بهذه المدن، ولكن ربما العزلة والفقر القاسي، وخواء المجال من كل مقومات الحياة، والاهتمام المبالغ فيه لحياة الأفراد الشخصية دون الاهتمام بالأسرة، والغياب التام لوسائل التسلية والترفيه، والتفكك المستمر لهوية المدن والأحياء، والعطالة القاتلة، والتدين السطحي، كلها عوامل وغيرها، ربما ستساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في حدوث مواجهات واصطدامات عنيفة بين الأفراد، وقد تترتب عنها جرائم خطيرة ومفزعة.
والأمثلة في هذا الباب كثيرة، فبمجرد ما تنزل قطرات الغيث والتي تكون بمثابة هدية من السماء، وفي الوقت الذي يجب أن تعم فيه الفرحة ويسود الاطمئنان بين الفلاحين، حتى تبدأ تتقاطر أخبار مؤلمة بين الأفراد وبعض الفخضات حول الأراضي، وقد تصل في بعض الأحيان المشاحنات إلى وضع خطير جدا لا يمكن تصديقه، والغريب في الأمر أنه يكون في كثير من الأحيان بين أطراف من عائلة واحدة، أو بين أشخاص تجمعهم مصاهرة، وقد نسمع نفس السيناريو يتكرر أثناء عملية الإرث.
ونفس الأمر يحدث أيام الإعلان عن الترشيحات في الانتخابات الجماعية والتشريعية، فقد نعثر على حالات مشينة عمرها عشرون سنة ولا زال أطرافها منقطعين عن بعضهم البعض وقد تكون قرابة قوية تجمعهم، والكل يعرف أن هناك حالات تم فيها استعمال السلاح والسحر وغيرها من الوسائل القاتلة.
قد يقول قائل أن هذه الحوادث ليست بمعزل عن المدن الكبيرة، فهي الأخرى تعيش ربما حالات أكبر وأخطر من ذلك، نعم لا شك في ذلك، لكن لا يمكن أن يكون لها نفس التأثير الذي تعرفه مدن الهامش لسبب بسيط؛ أن مفهوم القبيلة لا زال مسيطرا بقوة بهذه المدن، ونحن نعرف جيدا ما يغلب على القبيلة من تقاليد وطقوس جد محافظة، وهذا يدفعهم لمقاطعة بعضهم البعض لإحساسهم بالإهانة.
والجرائم بالمدن الكبرى أصبحت ترتكب بوسائل جد عصرية، كما أن نوعية الجرائم تحدث في مؤسسات كبرى، وفي فنادق مصنفة، وفي ملاعب وشوارع وعمارات شاهقة، وهذا يعطي صورة واضحة أن ” الجريمة بنت بيئتها “، بمعنى أن المجال يصنع الجريمة التي تشبهه تقريبا في كل شيء، فجريمة الاغتصاب الأخيرة التي تعرضت لها فتاة في الحافلة من طرف شبان مراهقين لا يمكن أن تحدث في مدينة كقلعة السراغنة، لسبب بسيط أن هذه الأخيرة لا تتوفر على النقل الحضري بالمرة، ولهذا فمجموع جرائم الدار البيضاء، لا يمكن أن تشبه بالمرة مجموع جرائم مدينة قلعة السراغنة.
مند أربع سنوات نشرت بعض الجرائد الورقية، خبر رجل قريب من الأربعين، قام بقتل أخيه خطأً بسبب ” دكة شاي “، أي قليل من الشاي لا يتجاوز نصف كأس، فقد غضب الأخ الأكبر فبدأ يضربه حتى وقع جثة هامدة، ولكن ما يميز هذه الجريمة ورغم أنها وقعت في مدينة كبيرة كمراكش لكنها وقعت في حي فقير ومشهور وهو ” دوار المساكين “، وهذا يعطينا صورة جد قريبة وهي أينما كان البؤس والتهميش كانت الجريمة غريبة، وتحدث في كثير من الأحيان بسبب أشياء تافهة، لأن سلطتي الوعي والثقافة تكونان منعدمتان بهذه المجالات المهمشة.
تجدر الإشارة، أن معدل الجريمة في ارتفاع مستمر بسبب التوسع العمراني، والتفاوتات الطبقية الصارخة، وغياب سياسة استباقية وقائية لحدوث الجريمة، ولعل الأرقام التي كشف عنها التقرير الجديد لمندوبية السجون، يظهر بالملموس العدد المهول لعدد السجناء الذي ارتفع من 79 ألف إلى 83 ألف و102 بزيادة 4018 سجينا. وسجل التقرير ذاته أن نسبة 92 ،53 بالمائة من السجناء معتقلون بسبب جرائم الأموال والمخدرات وهذا يبين بوضوح أن هذا الصنف من الجرائم يجد له التربة الخصبة في دوائر مدن المركز أكثر من مدن الهامش.
وعلى ذكر مدن المركز فقد اهتزت مدينة أكادير نهاية الأسبوع على وقع جريمة أثارت استغراب كل من الساكنة والمصالح الأمنية، حيث تم العثور في كل من أكادير وإنزكان وأيت ملول على مشردين مقتولين بطريقة ” هتشكوكية ” وعددهم وصل إلى سبعة مشردين تم تهشيم رؤوسهم بواسطة صخرة، والفاعل كما جاء في الخبر يقوم بانتقاء ضحاياه جيدا، ولحدود كتابة هذه السطور لم يتم اعتقال الجاني.
وبنفس الوحشية، منذ سنتين تعرضت عجوز مختلة عقليا لاغتصاب جماعي بإحدى مدن الهامش. وأول ملاحظة تستشف من هذه الجرائم أن الضحايا هم بدون شك من الفئة الأكثر تهميشا، والتي تعاني كل أنواع الإقصاء الاجتماعي.
كان نيتشه يقول: ” لم يترك الأغنياء للفقراء شيئا سوى الله “، وينضاف إلى ذلك ارتكابهم للجرائم المروعة، وبذلك يظلون سجناء إلى الأبد.