تلتقي النساء بين الحين والآخر في فضاءات مغلقة فيخضن في مواضيع متعددة، يكون اللباس في مقدمتها وألاعيب الرجال ومغامراتهم اللامحدودة، فيكون موضوع الجنس من مستملحات هذه الجلسات، فَيُقْبِلْنَ على البوح بكل شراهة وأريحية، وكل امرأة تبدأ في سرد حكايات طريفة، قد تكون عاشتها بنفسها أو سمعتها من إحدى قريباتها، وقد تتحول الجلسة في معظمها إلى تبادل النكت في عوالم الجنس الممنوعة، وهذا من باب الترف والتخفيف عن النفس، لكن ماذا لو تحولت هذه الجلسات إلى عيادات يتم فيها الكشف عن أسرار مدهشة ومفجعة، تتم من خلالها محاكمة صمت المجتمع وتواطؤه المكشوف إزاء قضية من أخطر القضايا وهي قضية العنف الجنسي.
الرجال هم بدورهم، في أغلب جلساتهم يكون موضوع الجنس هو المفضل إليهم، فيتكلمون عن مغامراتهم مع النساء في أدق التفاصيل، فيكون الحديث عن الجسد بمثابة الوجبة الدسمة لهم حيث تتفتق قرائحهم للخوض في جغرافية هذا الجسد وأسراره المدهشة، فيتكلمون عن الواقعي والخيالي، ويكون عنصري الكذب والإثارة هما ملح كل الحكايات من أجل أن تحقق الجلسة جاذبيتها والتشويق الذي تصبو إليه، لكن لا أحد يستطيع الحديث عن العنف وآلام الجنس الذي يمارسه أو يُمارسُ عليه من بعض النساء بحثا عن لذة وشبق استثنائيين.
لماذا أغلب الجلسات المغلقة أو المفتوحة سواء المنظمة من طرف النساء أو الرجال يكون موضوع الجنس حاضرا فيها بقوة ؟ ولماذا لا زال الجميع يخوض في هذا الموضوع بحذر وتكتم شديدين بين الجنسين ؟ ولماذا المجتمع حريص كل الحرص على جعله موضوعا مقدسا بامتياز ؟
منذ سنوات حكت لي سيدة، ونحن نتبادل أطراف الحديث عن معاناة النساء مع أزواجهن والعنف الذي يمارسه بعض الرجال عليهن من ضرب وسب ومغادرة بيت الزوجية وتهجير وتجويع في بعض المرات، فاحتجت هذه السيدة وقالت : لا يقف الأمر عند هذا الحد، فقد يتعدى إلى أكثر من ذلك عندما يتحول إلى عنف جنسي، وسأحكي لكم واقعة تقول السيدة أنها كانت شاهدة على بعض من فصولها :
” كنت قبل طلاقي أتردد على أحد المساجد كل ليلة خميس بمدينة الدارالبيضاء لمتابعة إحدى الدروس الدينية التي تقدمها إحدى المرشدات، وكانت تمدنا في كل لقاء بمجموعة من النصائح في كل موضوع من المواضيع التي لها ارتباط وثيق بالحياة الزوجية، وبعد أن خضنا في مواضيع كالإنفاق، والخيانة الزوجية، وطاعة الزوج، والاهتمام بالزوج والأولاد، وغيرها من المواضيع… كان موضوع الجنس بين الزوجين مفاجئاً لنا في إحدى الجلسات، وتحدثت هذه المرشدة عن ما هو حلال وما هو حرام كالعادة، وما يلزم الزوجة أن توفره للزوج حتى يحقق إشباعه التام، وكانت معظم مرافعة هذه المرشدة كما ” أسرت لي السيدة ” دفاعها القوي على تحقيق شهوة الرجل واحتياجاته ولم تتحدث أبدا عن احتياجات المرأة بالمرة، وكأن الله خلقها لتكون صانعة للتسلية والمتعة فقط للرجل.
وفجأة والمرشدة لا زالت توصي بالرجال خيرا، وتُؤكد على ذلك، حتى لا يغضب الله عليها، صرخت امرأة بقوة كانت تجلس في الخلف، فنهضت بقامتها الطويلة فتقدمت نحو المرشدة وهي ترمي بعباءتها السوداء، كانت جميلة الوجه وبشعر أسود طويل لا تتعدى الخامسة والعشرين من العمر وقالت وهي ترتجف و تبكي بشدة : ” يا سيدتي المرشدة، منذ مدة طويلة وأنا أتابع دروسك في هذا المسجد، لم أجد سوى تحذيرك لنا بألا نُغْضِبَ الله وأن نمتثل لأزواجنا نحن النساء، ولكن أين هي حقوقنا التي أوصى الله بها لنا ؟ فردت عليها المرشدة : الصبر الصبر يا سيدتي …فانتفضت السيدة وكأنها تحاول أن تنفجر في ذلك الجمع وقالت : يا سيدتي، لقد تزوجت من رجل ” ملتزم ” ، وقد تزوجته نزولا عند رغبة أخي بالقوة، فهو صديق له، ومعه في نفس التنظيم، طلق مرتين ويبلغ من العمر 55 سنة يتوفر على عدة محلات لبيع الخردة، فرض علي النقاب منذ اليوم الأول، وفرض علي مجموعة من الإجراءات الاحترازية مبررا ذلك بأنني جميلة جدا وأن الشيطان سيطاردني حتى يوقعني في المحظور، وقد وافقت على كل شيء، لكن الأمر تعدى كل هذا، وذلك بإيذائه لي في كل علاقة جنسية. سكتت السيدة عن البوح وهي تبكي، فتدخلت المرشدة وقالت : أرجوك أفصحي ماذا تقصدين بإيذائك، فلا حياء في الدين ؟ فرفعت ما تبقى لها من لباس على جسدها الذي كانت تظهر عليه علامات عض واضحة، وقالت يا سيدتي إن هذا الرجل ” الملتزم ” ذو اللحية الطويلة، كان بعد أن يتناول وجبة العشاء يدخلني إلى بيت النوم بالعنف ويشرب حبة تخدير أو هيجان فينزع ثيابي بالقوة ويمارس علي الجنس بكل أنواعه ومن كل الجهات بدون رحمة وبوحشية كبيرة، وكثيرا من الأحيان وأنا أبكي وأستنجد ولكن بدون جدوى. وأمام ذهول الجميع، رمت السيدة النقاب وخرجت تجري من المسجد.
أمام هذه الواقعة وغيرها من الوقائع التي تحدث في جنح الظلام، نقف بالملموس عن علاقات جنسية مختلة بين طرفين غير متساويين، طرف قوي مُستَغِلّ وطرف ضعيف مُستغَلّ، وما يزيد في تفاقم مثل هذه الوضعيات هو التواطؤ على الصمت من طرف الجاني والضحية، وذلك خوفا من الفضيحة، خوفا من العار، خوفا من ظلم ذوي القربى، وبذلك تزداد الهوة تتسع في تفتيت وتفكك المجتمع، ويزداد الألم ليسكن كل مفاصيله، ولهذا فضحايا العنف الجنسي مطالبين في أسرع وقت ممكن بأن يدقوا جدران الخزان بقوة على حد تعبير غسان كنفاني في روايته المشهورة.