اعترافات نقدية لشاعر – د. جميلة الكجك

0
1086

أعترف لك أحمد حضراوي أنني عندما أتلقى كلمات أي من قصائدك لأول وهلة أقف مشدوهة كمن تنظر إلى اشراقة الشمس بعد صعودها من فوق التلال، ولو عاودت النظر يراودني الشعور ذاته. أكاد أفقد فقهي بالكلمات في سياقها رغم أن كل مفردة تبدو جوهرة فائقة الجمال وحدها سهلة الإلتقاط لكن نظمها الفريد دوما يجعلها آيات للجمال أكثر فرادة وتميزا. لتصبح كلل صناعة جواهرجي يتقن صياغة مجوهاته.
جراح للمشاعر أنت بمبضعك الدقيق تحز الجرح حتى تصل إلى العمق منه تكشف عليه.. تستخرج ما به من مشاعر مؤلمة ثم تعيد خياطته، تحييه.
في كل مرة أشعر أنني آخر من يفهمك فالكل فاهم يستعوب ما قلته من أول لحظة وأنا وحدي أراك امامي تصعد الجبل ولا حيلة لي ألا الركض خلفك وأنفاسي تتقطع وتبقى المسافات كما أفق السماء وأنا أقف على شاطئ البحر أتأمل لا غير! لكنني لا أريد البقاء على الشاطئ أنظر فأكتفي، أمتع الذهن بالجمال كما يبدو لي، بل أود الغوص حتى القاع ولا أعتقد أن للروح قاعا أبدا، بل هي فضاء ممتد. ولذا علي أن أكون غواصا مرة، نسرا محلقا أحينا، فراشة تحوم حول مصباح روحك لكنها تدرك أين تتوقف حتى لا تحترق، عرافة لا تترك أية دلالة قد تقودها إلى فك الخيوط المتشابكة من حولك تك التي تحجز روحك فيها لتكون أنت كما هو أنت لا غيرك.
أتمنى السباحة حتى ذاك الافق وأنا أدرك أنني لن أصله وإن كان على مرمى نظرة فهو دوما في ابتعاد كلما اقتربت منه.
وأعلم انك إنما تنفث وجعا من عمق الجراح التي لا تندمل أبدا، إذ تنكأها وأنت تحاول مداواتها!
أنا هنا كمن مر على بئر في صحراء توقف ليرتوي وعندما أراد السقيا تنبه إلى وجود شخص “ما” في تلك البئر، بدل أن يساعده على الخروج بالحبال نزل ليصعد به فغرق معه والبئر عميق لا قاع له، أقله ليس على مرمى النظر!
ولست نادمة أبدا، إلا أنني قد نسيت وجعي مقابل شدة إحساسي بوجعك فكأنما انتقل الوجع الذي بي إلى عضو آخر في جسدي ربما هو أكثر حساسية.
ولكن لم توجعنا الحياة؟ وهل في الموت راحة؟ لست متشائمة إنما هذه حقائق نقاوم شدة أثرها فينا كي نمر بسلام قدر الإمكان رغم كثرة كلاليبها التي تتناوش نفوسنا وأشواكها التي تدمي خطواتنا!
فهل هذا انتقام العزيز الجبار..
وهو يعلم مدى ضعف الإنسان وشدة جهله أم هي ثمرة معصيته أم تكفير ذنب! أم لذعة المرار قبل الحلاوة! أيعقل أن يكون كل ذلك مجرد هراء؟!
ما نحن، ما البشر، ما الإنسان، ما أنت وما أنا؟! وما..
ما نحن إلا ما قلت “أحمد”، فراشة التأويل تعشق النور ولكن لا بد تحترق به إن أرادت حق اليقين، ولا حق دون انغماس بالتحقق.
كل ما سبق شيء من عاصفة الأفكار من وحي تفاعلي مع قصيدتك
هل نتلذذ بعذاباتنا؟ هل تعذيب الذات والشعور بالألم له لذة ما؟!
أنا واحدة من الناس تعاني دوما من ألم عضلات جسمها بسبب الرياضة، لم أشعر يوما بأن لهذه الآلام لذتها لكن المفاجأة ماحدث قبل أيام قليلة، عندها فقط شعرت أن بعض الألم إن كان نتيجة تحقق هدف ما لذيذ حقا. رفضت الإستماع لابنتي وقفزت عن سور بارتفاع ثلاثة أمتار لأجرب لياقتي وقدرة تحملي، وها أنا أعاني من آثار هذه القفزة على عضلات ساقي وجوانبي لكن الغريب كان شعوري اللذيذ بالألم وفرحي بتفوق روحي على جسدي. كثيرة هي الآلام التي نعيشها متقصدين إذ تحيي أرواحنا وتنجينا من موت الحيوية فينا ونحن أحياء. من هذا القبيل قصيدك أحمد حضراوي.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here