خالد المطحون – عبد السلام إفروان

0
1404

خالد المطحون يسند ظهره لحائط مسجد الربطة.. يلف سيجارة الحشيش ويلحس طرفها بلسانه.. يستنشق بعمق ويسترجع أول لقاء بنادية عند “الطريطة د الملاح البالي” حينما كانت تنتظر ملء الدلو بالماء من صنبور الحي، تحجج خالد بغسل يديه.. نظرتها الحالمة يومها نشرت في روحه أنهار فرح وبشرتها الخمرية طرحت أمامه أشجارا مورقة.. ابتسامتها المترعة بالحنان كشفت له متعة السهر كل ليلة.. فك تشابك النظرات الطويلة صوت الماء وهو يفيض خارج الدلو..، أخيرا حصل خالد على عمل بشركة للحراسات الخاصة ورغم أنه لا يتحلى بأي مقومات مادية تغري أي أسرة للموافقة عليه قرر اليوم أن يلتقي بوالد نادية في مقهى “باريس” ليخطبها منه.. حسب الموعد لمحه من بعيد قادما يلتصق جلبابه بساقيه النحيفتين بفعل الريح.. يلف شالا حول عنقه يغطي به العروق الزرقاء وتجاعيد وجهه التي خطها الدهر بأنامله.. دنا من خالد ونظر إلى عقارب الساعة الكبيرة التي ابتلعت معصمه الدقيق.. وبعد تعارف بسيط ضرب له الأب موعدا في الغد لزيارته بالبيت.. مرت تلك الليلة على خالد وكأنه آلة حاسبة يفكر مليا في راتبه الذي يبلغ ألفين درهم، تخدعه حساباته فيعيدها مرة أخرى ويتذكر زيجات أصدقائه الفاشلة، لكن الحب كان يجعله أكثر حماسا.. في الغد استعار بذلة من صديقه وفي طريقه بالفدان لمع حذاءه على درجة لمعان جبهته من تصبب دهن الشعر.. وقف حائرا أين سيشتري حلويات الخطوبة من عند “امفضل” أم من “الرحموني”، طاف بيده في قعر جيبه ليستقر به الأمر عند حلويات عمي أحمد “بالملاح”…

بيت الخطوبة على غير العادة، ستشهد العائلة حدثا هو الأول من نوعه.. قامت الأم تنتقل بين الصالة والمطبخ، استلفت الصحون وكؤوس الشاي المزخرفة من جارتها.. نادية في انتظار الفارس الأزلي الذي سيخلصها من حصار والدها.. طرق خالد الباب بأدب جم. فتح الأب الباب: أهلا وسهلا بني.. يدخل عريس القرن ثم يجلس على طرف الأريكة في خجل.. الأم تدخل الصالة مرحبة تتبعها ابنتها بصينية الشاي.. حاولت أن تتماسك وهي تلقي السلام بصوت خافت.. بدأ الوالد بالتحقيق مع خالد، يطرح عليه الأسئلة التقليدية: العمل، الراتب.. ويجيب خالد بجدية وهو عاقد حاجبيه، ثم يحل صمت يتخلله سحب رشفات الشاي، فتكسر الأم حاجز الصمت بذكر محاسن ابنتها. ثم أرخت نادية عينيها في حياء وقالت له: كنت أود أن أسألك -نظر إليها خالد باهتمام وقال: تفضلي طبعا. – فقالت: هل تصلي الفجر؟.

ابتسم وقد أعجبه السؤال لأنه بدأ يواظب على الصلاة يوم أن قرر الارتباط بها حتى أنه عفا عن لحيته كي يضمن شكل الورع والاستقامة.. بعد أن أوصله والد نادية للباب مودعا، أعطاه موعدا ليأتي بشكل رسمي رفقة والدته.. غادر وهو يكاد يطير من الفرح مستعيدا كل كلمة وكل نظرة.. وتدخل نادية في الدوامة الأزلية التي تصيب كل فتاة بعد يوم الخطوبة.. تجلس فوق سريرها تستمع لإليسا من محمولها سارحة بخيالها في خالد.. هذا الأخير  عزم على أن يتقدم بطلب سلفة عشرة آلاف درهم من (أمانة) حتى يتمكن من تغطية مصاريف الخطوبة؛ وفي اليوم الموعود تحت وابل من الزغاريد يجلس بجوارها وسط العيون المتفحصة ويقوم الهمام بإلباسها الخاتم.. وتمر لحظات الاحتفال على جميع الحاضرين لكنها لا تمر على  خالد، تظل معلقة في زمنه.. لم يتصل خالد المطحون بعد حفل الخطوبة ولم يقم بأي زيارة لمنزل نادية.. فبعد أن رفع صوته على رئيسه في العمل تم طرده وعاد يسند ظهره لحائط مسجد الربطة يلف سيجارة الحشيش من جديد ويتخيل قضبان سجن باب النوادر بعد أن استعصى عليه تأدية مستحقات سلف (أمانة)..

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here