من باب الإنصاف وإحقاق الحق لصاحبه:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآلِه ومَن والاه.
وبعد؛
فإنَّ على مَن يتصَدَّى للنقدِ الأدَبيِّ أن يكون مُلِمَّاً بقواعده ومتخلِّقا بآدابه.. فلا يتكَلَّمُ إلَّا بِعلمٍ مَعَ تأكُّدِهِ مِن مَعلومَته… وذلكَ معَ توقِّعهِ صُدورَ الخطأ مِنهُ في نَقدِه، وليكن سيرُهُ حسبَ قاعدة: ( رأيي صوابٌ يحتملُ الخطأ.. وقولُ غيري خطأ يحتمل الصواب)…
وعليه أن يتعامل مع النصِّ كعملٍ بَشريٍّ لا بد وأن يعتريه النقص والزلل.. فهو لا يتعاملُ معَ قرآنٍ مُحكَم.. وليكن نقدُهُ موجَّهاً للنَّصِّ لا لشخصِ الكاتب… وعلى المُنتَقَدِ نَصُّهُ أن يتحلَّى بالصبر والتواضع وأن يتزيَّن بالأدب… وأخذهِ الحقَّ والرّضا به… وإلَّا تساوَى الأُدباءُ والجهّال… وليضَع نُصبَ عينيه أنَّ نصَّهُ ليسَ مَعصوماً وكذلك هو.. ولا مقدَّساً ليرتفعَ على النَّقد.. .
ولقد قرأتُ قصيدةَ الأخت الشاعرة يُسرَى هزَّاع – حفظها الله – أكثر من مرة وبتمعن.. ووجدت أنَّ الحقَّ معها فيما دارَ الخلافُ حولَه، من أن هناك بعض الأبيات مكسورة الوزن في قصيدتها بسبب تسكينها لحروف لا يجوز فيها التسكين.. ولبيانِ ذلك بلا مجاملاتٍ زائفَةٍ، أو تَشَدُّدٍ باطلٍ، أو تحيُّزٍ لطرفٍ على حسابِ طرَفٍ أقول وباختصار:
– أماكن الخلاف في القصيدة: فكما قال الشاعر شرف عبد الناصر – حفظه الله – في نقده وانتقادهِ لها: ( وموغلٌ نصله في عمق نبضاتي ) به خلل في الوزن ( بسبب تحريك الباء في نبضات)، وقوله في نقده لِـ : ( دربي وراحلتي ) الياء هنا متحركة وليست ساكنة وهذا خلل بالتفعيلة ، وكذلك كلمة ( بابي ) الياء متحركة وبالتالي بها خلل أيضا، كذلك قولك:
( هلا أعود إلي نبضي وضحكاتي ) به خلل عروضي فالحاء متحركة. انتهى كلامه.
رَدِّي: أولاً: فالبنسبة لـ (نبضاتي) فقد جاء في كتاب: العاميُّ الفصيح وهو من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة: نَبَضَ: من معجمهم: جسّ النَّبْضَ. وجَسَّ الطبيبُ نَبْضَ المريض.والنَّبْضُ معروف عندهم. انتهى.
وجاء في كتاب العين للخليل الفراهيدي: والبَرق يَنْبِضُ أي يلمَعُ لَمَعاناً خفيفاً. ا.ه.
قلتُ: وتجمع على نبَضات ونبْضات، مثل: رِحْلَة: رِحلات، وإن كان المجمع قد جعل جمعها على: نَبَضات ورَحَلات وأقرَّها وتبَنّى هذا الرّأي.
وعليه فإنَّ الأخت يسرى أصابت في قصيدتها وزناً ومعنى، والناقدُ أخطأ.
ثانياً- بالنسبة للياءات: ومن خلال تخصصي في علم القراءات القرآنية… فليس في الكلمات الواردة ياءات زوائد.. بل هي تسمى: ياءات الإضافة، :
جاء في كتاب: إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر لشهاب الدين أحمد بن محمد ابن عبد الغني الدمياطي – دار الكتب العلمية – لبنان – 1419ه- 1998م .الطبعة : الأولى- قال: (وهي ياء زائدة آخر الكلمة فليست بلام الفعل وتتصل بالاسم وتكون مجرورة المحل نحو ( نفسي ذكري ) وبالفعل منصوبة المحل نحو ( فطرني ليحزنني ) وبالحرف منصوبته ومجرورته نحو ( إني ولي) فإطلاق هذه التسمية عليها تجوز حيث جاءت منصوبة المحل كما ترى، ويصح أن تحذف وأن يكون مكانها هاء الغائب وكاف المخاطب فتقول في نفسي وفطرني: نفس وفطر ونفسه وفطره ونفسك وفطرك، وقد خرج عن ذلك نحو ( الداعي وأتهتدي وإن أدري وألقي إلي وقل أوحي إلي )، ثم إن الفتح والإسكان فيها لغتان فاشيتان في القرآن وكلام العرب، والإسكان فيها هو الأصل
الأول لأنها مبنية والأصل في البناء السكون، والفتح أصل ثانٍ لأنه اسم على حرف غير مرفوع فقوي بالحركة وكانت فتحة للتخفيف.
وقد انحصر الكلام في هذه الياء في قسمين الأول متفق عليه وهو ضربان: الأول مجمع على إسكانه وهو الأكثر، نحو: ( إني جاعل واشكروا لي وإني فضلتكم فمن تبعني فإنه مني ). وجملته خمسمائة وست وستون.
الثاني ما أجمع على فتحه وذلك لموجب وهو إما أن يكون بعدها ساكن لام تعريف أو شبهه، ووقع في إحدى عشرة كلمة في ثمانية عشر موضعا، منها: ( نعمتي التي وحسبي الله بي الأعداء ) أو يكون قبلها ألف نحو ( هداي ) ووقع في ست كلمات، أو ياء نحو ( إلي وعلي ) ووقع في تسع.
القسم الثاني: ما اختلف في إسكانه وفتحه ووقع في مائتين وثنتي عشرة ياء وتنقسم باعتبار ما بعدها ستة أنواع لأنه إما همز أو غيره والهمز إما قطع وهو ثلاثة باعتبار حركته، أو وصل. وهو إما مصاحب للام أو مجرد عنه). انتهى كلامه. وبعدها ساق الأمثلة على ذلك.
وأقول: فإنه يجوز في هذه الياء التحريك والتسكين..
وعليه فقد أصابت الأخت الشاعرة يسرى هزاع وزناً ومعنىً، وأخطأ الأستاذ الناقد.
ثانياً:
تقطيع التفعيلات عند الشاعر شرف عبد الناصر: (نبضاتي // /0/0 فقد تم تحريك نون مستفعلن و ( دربي ـمفعول به ( دربي وراحلتي /0////0 ///0 ) فهل تستقيم مع مستفعلن فعلن أو مستفعلن فاعل ؟) ونبضي ..وضحكاتي /0/0/// /0/0
هل تستقيم هذه مع مستفعلن فعلن ) وأغلقت بابي ولا /0/0//0 ////0 هل تستقيم مع مستفعلن فعلن ؟ ) وبابي : منصوبة والضمير مفتوح وبالتالي تحرك الياء وإذا حركت تغيرت الفعيلة ، كان الأولى أن تكون الكلمة في موقع رفع حتى لا تحرك الياء ). انتهى كلامه.
وعلى ما تقدّم من كلامي على الياءات يكون تقطيع التفعيلات للأستاذ الناقد خطأ كله لأنه بني على خطأ في القراءة، وما كان مبنيا على باطلٍ فهو باطلٌ جملةً وتفصيلا.
ثالثاً: ضَحِك وضحْك.. بتسكين الحاء أو بتحريكها.
جاء في كتاب: أدب الكاتب لعبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي الدينوري – المكتبة التجارية – مصر – الطبعة الرابعة، 1963م – تحقيق: محمد محيى الدين عبدالحميد.
قال: باب أبنية المصادر فَعَلَ يَفْعِلُ: – باب فَعِلَ يَفْعَلَ –
يجىء المصدر من هذا على فَعَلٍ نحو : ….. فَعِلٍ نحو : ضَحِكَ ضَحِكاً ولَعِبَ لَعِباً وعلى فَعَالة نحو زَهِدْتُ زَهَادَة وسَئِمْتُ سَآمة وقَنِعْتُ قَنَاعَةً وعلى فُعْلَة نحو : شَهبَ يَشْهَبُ شُهْبَةً وكَهِبَ يَكْهَبُ كُهْبَةَ وصَدِئ يَصْدَأ صُدْءَةً وعلى فِعْل نحو : عَلِمَ يَعْلَم عِلْماً . انتهى.
وقال الشريف الرَّضيّ في قصيدةٍ له:
وكُلُّ بَاكٍ عَلى شَيْءٍ يُفَارِقُهُ … قَسْراً، فيَقتَصُّ من ضِحْكٍ وَمن جذلِ .
وأقول: هنا جاءت (ضحك) مسكنة الحاء ليستقيم الوزن.. فالبيت من قصيدة على وزن البحر البسيط كما هي قصيدة الشاعرة يسرى هزاع.. وعليه فإنه يجوز فيها التحريك والتسكين جمعا وإفرادا…
وبالتالي فقد أصابت الأخت الشاعرة يسرى هزاع.. وأخطأ الأخ الناقد.
ويبقى هناك خطأ لم يتنبه له أحد من النقاد العتاة، وهو في قول الشاعرة: ( لا نورسٌ صادحاً في درب قافيتي ).
فكلمة ( نورس ) يجب أن تكون مقتوحة على الاستثناء .. وأنا قبل قراءتي للتعليقات ظننت أن الخلاف عليها كله لا على الزون.. لأفاجأ بأنهم لم يذكروها أصلا… فعلمتُ أن القوم من أهل التَّطَفُّلِ ليس إلَّا.. لذلك سأبينها بالتفصيل لتتمَّ الفائدة.
لا: نافية للجنس تعمل عمل إنَّ: نقول: ( لا رجلَ جالسٌ ). مبني في محل نصب وشبه الجملة في محل خبر… متعلق بخبر محذوف…. مبنية على ما تنصب به إذا كانت نكرة.. وإذا كات معرفة بالإضافة فتعرب على الإضافة.
وفي شرح الآجرّوميَّة قال: لا النافية للجنس لأنها تختص بالنكرات لذلك قال ابن مالك في الألفية:
عَمَلَ إِنَّ اجْعَلْ لِلاَ فِي نَكِرَهْ … مُفْرَدَةً جَاءَتْكَ أَوْ مُكَرَّرَهْ. ا.ه.
وعليه فيجب أن تكون العبارة هكذا: ( لا نورسَ صادِحٌ ) حسب ما بينت الشاعرة في
استخدامها لِـ ( لا ) في النصّ. فهي هنا تعمل عمل ( إنَّ ) تماماً.
وهناك استخادمٌ آخر لِـ ( لا ) ولكننني متأكد مِن أنَّهُ لم يَخطر في بالِ الشاعرة بتاتاً في الشطر الذي أشَرْتُ إليه.. فقد قال أخي الأكبر الشاعر والأديب محمد بن محمود الفرارجة:
جاء في كتاب النحو الوافي لِـ (عباس حسن): ﻻ كتابُ في الحقيبة. (بالرفع).
ﻻ مصباحُ مكسوراً. (برفع مصباح).
وعليه يكونُ معنى التركيب مُحَتِّمٌ لأمرين:
الأول: نفي وجود كتاب واحد .. وﻻ مانع من وجود كتابين، أو أكثر .
والثاني نفي الواحد ونفي ما زاد عليه .
ونظرا لنفيها الواحد سماها النحاةُ: ( ﻻ ) التي لنفي الوحدة أي الواحد، وقالوا: هي إحدى الحروف الناسخة التي تعمل عمل (كان) الناقصة.
أما النفي الصريح العام فيوجب أن نضبطها بشكل يؤدي هذا الغرض فنقول: ﻻ كتابَ – بفتح الباء -. ونقول: ﻻ مصباحَ مكسورٌ (بفتح الحاء ورفع الراء ).
كذلك: ( ﻻ مهم ﻻ عمله فائز ) . .. ( ﻻ راغباً في المجد مُقَصِّرٌ ). فالاسم منصوب والخبر مرفوع . فهي تنفي الحكم عن كل فرد من أفراد جنس الشيء الذي دخلت عليه نفيا صريحا وعاما، ومن أجل ذلك يسمونها ﻻ النافية للجنس، ولها ( 6 ) شروط منها: شمول النفي لجنس اسمها كله وإﻻ فلن تعمل عمل إنَّ، مثل: ﻻ كتابٌ واحدٌ كافياً .
– أن يكون المقصود نفي الحكم عن الجنس نصًّا ﻻ احتماﻻً .
– أن يكون اسمها وخبرها نكِرَتَين فلا تعمل، نحو: ﻻ القوم قومي وﻻ الأعوانُ أعواني.
– عدم وجود فاصل بينها وبين اسمها مثل: ( ﻻ في النبوغ حظ لكسلان وﻻ نصيب ). (فهي هنا تكررت). انتهى.
هذا ما أردتُ بيانه إحقاقاً للحقِّ وإنصافاً للمُحِق ودَفعاً للظلم … فإن أصبتُ فبتوفيق الله وفضله… وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان…