يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
هَجَرْتُ أَحِبَّتِي طَوْعًا لِأَنِّي = رَأَيْتُ قُلُـوبَهُمْ تَهْــوَى فِــــرَاقِي
نَعَمْ أَشْتَاقُ لُقْيَاهُمْ وَلَاكِنْ = وَضَعْتُ كَرَامَتِي فَوْقَ اشْتِيَاقِي
وَأَرْغَبُ وَصْلَهُمْ دَوْمًا وَلَاكِنْ = طَـرِيقُ الذُّلِّ لَا تَهْــوَاهُ سَــاقِي
والظاهر مِن قوله: في آخر الشطر الثاني من البيت الأول: “تَهْوَى فِرَاقِي”، وفي آخر الشطر الثاني من البيت الثالث: “تَهْوَاهُ سَاقِي”، أن الأمرَ لا يعْدُو تكرارًا لِلَّفْظِ ذَاتِهِ بالمعنى عَيْنِهِ، وهو حينئذ مَعيبٌ ولا شاعرية له في باب الإبداع، بل مما لا شأنَ له ولا باعْ، وحبّذا لو كان من التكرار الذي يفيد التوكيد، إذ لا توكيد لهوى الفراق بهوى السّاق ولا العكسُ، وإنّمَا عِنْدِي أنّه كَانَ أحْرَى بِهِ أنْ يَقُول: “لا تَهْوِيهِ سَاقِي” مِنْ هَوَى يَهْوِي أيْ سَقَطَ، بِاعْتِبَارِ رُجْحَانِ سُقُوطِ السِّيقَانِ في هَاوِية طَرِيقِ الذُّلِّ، وكذلك اللفظَتان: “ولاكن، وولاكن” الواردتان تكرارا في الشطرين الأوّلين من البيتين الثاني والثالث، فقد كان بمقدوره الاستعاضة عن الثانية ب: “أمّا”، كأن يقول دون مسٍّ بالميزان: (وأرغبُ وَصْلَهُم دَوْمًا، وَأمّا = طريقُ الذُّلّ لا تَهْوِيهِ سَاقِي) والله أعْلَمُ.