حوار مع الشاعر والكاتب الأردني الدكتور يونس أبو الهيجاء – ذ. نصر سيوب / د. فاطمة الديبي

0
1273

 

 

ــ مَـــنْ أكـــــون: يونس كمال حبيب أبو الهيجاء من مواليد 1981 الأردن، منطقتي هي إربد عروس الشمال، حيث يرقد شاعر الأردن الأول مصطفى وهبي التل (عرار) 1932. أنهيت دراستي الجامعية الأولى في جامعة آل البيت عام 2006، ثم أكملت دراستي العليا في جامعة البحر الأحمر السودان الماجستير والدكتوراه. وأعمل حاليا أكاديمي في دولة قطر.. بدأ مشواري الأدبي منذ كنت في الثانوية، وكانت أولى كتاباتي التي لم أنشرها وكانت عبارة عن قصيدة من ثلاثين بيتاً عموديّاً على البحر الكامل تلخيصاً لكتاب (التربية الروحية) للإمام الغزالي رحمه الله. وانقطعت عن الشعر فترة بسبب الدراسة ثم ما انفكت القصيدة تتبعني فكان أول ديوان لي (على ضفاف المائدة) 2009 مجموعة نصوص كتبت بين 1999و2009 عن عالم الكتب الحديث للدراسة والنشر، استمررت بالكتابة وكانت الحلم المفقود بالنسبة لي. المؤثرات المهمة في حياتي للكتابة أمي في الدرجة الأولى كانت بمثابة جبريل القصيدة الوالهة الحرى، بالإضافة إلى تجربتي الصوفية التي استمرت ما يزيد عن 10 سنوات واطلاعي على الأدب الصوفي بشغف وتمحيص، وخاصة ابن عربي والفتوحات المكية والحلاج وطواسينه وابن الرومي والميثوي المشهور وغيرهم من أئمة التصوف، وكان مفتاحي لهذا شيخي الذي تعلمت على يديه أصول ومنابع الطرق الصوفية وهو الشيخ فيصل بن محمود آل عثمان حفظه الله.

أما ما يتعلق بالأعمال الأدبية:

1 ـ على ضفاف المائدة.. شعر 2009.

2 ـ فسحة للظل.. 2010 شعر عمودي.

3 ـ ضاق الفضاء بفمي 2011 عن وزارة الثقافة الأردنية.                                                       4 ـ كيف يفقهني المقام ؟ 2014؛ حاصل على جائزة دبي الثقافية على مستوى الوطن العربي.

5 ـ آخر الحرف أول الرؤى -2013 في النقد الحديث.

6 ـ مخطوط قيد النشر (نبوء الرمل..).

كان لي الكثير من المشاركات الأدبية في مهرجانات شعرية مثل مهرجان جرش، ومهرجان عرار الشعري، ومهرجان الشعراء الشباب الدوحة، بالإضافة إلى أمير الشعراء حيث وصلت إلى العشرين من أفاضل الشعراء. قدمت عددا من الدراسات النقدية المحكمة المنشورة في المجلات والصحف منها:

1 ـ السمات الفنية والجمالية لتجليات الرؤيا في الشعر العربي.

2 ـ البناء الفني للعمل الإبداعي في الشعر الحديث.

3 ـ ديناميكية النص الشعري وهندسة المعنى.

4 ـ الانحراف المعياري للصورة الشعرية عند أدونيس.

5 ـ الدراماتيكيا وأثرها على بناء القصيدة الحديثة.

أما الجوائز التي حصلت عليها خلال هذه المسافة بين القلب والجرح:

1 ـ جائزة الإبداع الشبابي 2010 عن وزارة الثقافة الأردنية.

2 ـ جائزة الأمم المتحدة عن أفضل قصيدة للقدس 2010 على مستوى الوطن العربي.

3 ـ جائزة مبادرة أدب لتجمع ناشرون عن أفضل نص شعري على مستوى الوطن العربي، (عناة سفر الأرض) عنوان القصيدة.

4 ـ جائزة موقع سواليف للتميز والإبداع 2012 عن وزارة الثقافة الأردنية.

5 ـ جائزة دبي الثقافية 2013 لأفضل ديوان شعر عنوانه (كيف يفقهني المقام؟..)

ــ علاقتي بالشِّعر: الجميل في كل شيء لحظة من جمال هي الشعر..كنتُ كثيراً ما أدفع باللغة إلى مناطق غير مأهولة بالقاموس، لأكشف عن جواهرها التي أخفاها جنيّ الجمال عن بصيرة الإنسان، وكنت أحاول بهذا الدفع أن أنزل ببساطة إلى حديقة هذا الخفاء، لأنعش صورة اللغة في الذات اللغوية، وأقايضها بمماثلة الصورة الحيّة للواقع، لتشتبك لغة القول مع لغة الحيوات، مع هذه المحاولات، بدأت علاقتي بالشعر الذي وضع كلّ إمكانياته تحت تصرفي، لأحرِق مراحل البحث عن التحوّل في اللغتين، هذا من ناحية الكتابة، أما هاجسها فهو الاندفاع إلى خلق صورة للمرآة في نفسها.

ــ حدود العلاقة بين الأدب والحرية: أبحث دائما وأجتهد على تجربتي الخاصة من أجل معاودة قراءة النظم الضابطة لشرعية النص الشعري، هذا النص الذي استهلكته يدُ العابثين، وأخرجته من جنته، من هذا نفهم أن حدود العلاقة بين الأدب والحرية هي علاقة تحكمها رؤية الفعل وردة الفعل، فالأدب هو بالأصل إيقاع كاشف لارتخاء الأوتار، والحرية إعادة ‘دوزنة’ الأوتار، ليخرج اللحن صافياً لا شخير فيه، فإذا ما كان الأدب عازفاً على أوتار متهدّلة، فمن غير المعقول أن تتهيأ الحرية لاستقبال معطياته من مقامات، إذن العلاقة تبادلية، أو تكاملية، أو ارتدادية، تنسجم إذا كانت مسافة الفعل تساوي مسافة ردة الفعل.

 

ــ الإلـــهـــــــــــام: الإلهام يأتي هكذا كالبرق إذ تتصادم الغيمات، أو كالقلب حين يضطرب عند رؤية من نحب. والإلهام رعشة الحمّى إذا ما اختلط الحر والبرد في جسد المريض، والإلهام جبريل القصيدة حين ينزف شاعر ألماً على وجع الشعوب، هو اللحظة الصادمة العابرة في مداد الكهرباء..

ــ الأصول الفكرية لإبداعي: الأصول الفكرية للإبداع تأتّت من قراءات الأدب العربي كاملاً، والفتوحات المكية لابن عربي، وعدد من المؤلفات التي كان لها الحظ الأوفر في تشكيل تجربتي..

ــ سياقات تنشئتي الشِّعرية: سياقات التنشئة الشعرية جاءت في قوالب الحب الإلهي، والمديح النبوي، ومن ثم الحداثة الشعرية التي تجاوزت النسق التقليدي للمعهود عند شعراء العصر..

ــ الأقوى في عملي: جوانب الدفق الشعري التجربة الصوفية أولاً، والوطن فلسطين ثانيةً، والهم العربي ثالثاً، والبيئة الثقافية رابعاً، وكلها كانت تخدم الشعر أولاً وآخراً فهو عندي غاية الغايات..                                                                                                             لذا فإذا كانت القضية وطنية فمن المؤكد فلسطين في ثوبها العربي والإسلامي، وإذا كانت إنسانية فهي زحزحة الظلم، وإذا كانت شعرية فهي معاودة قراءة النظم الضابطة لشرعية النص الشعريّ.

ــ أهمية الشِّعـــر: الشعر بالنسبة لي عالمي الذي أتنفس من خلاله، والروح التي أحيا بها، والحلم الجميل الذي ما انفك عن مراودتي، وهو الغاية والوسيلة للتعبير عن الهمّ الجمعيّ للإنسانية المفقودة..                                                                                                             في الحقيقة كان الشعر في جواي منذ الطفولة ولكن لم أنتبه له إلا بعد أن نفث جبريلُ القصيدةِ روحها في روعي فتمثّلت لي ذلك الكائن الخفيّ..                                                    الشعر هو اللحظة الصادمة والراصدة للأشياء والتي لا تعود ثانية لأن مرورها نزق، هو الرحيق الذي يمتصّه النحل من الوردة، هو الخيال المستبد بواقع هرِم، هو ذلك البناء الروحي للبرق لحظة تفريغ شحنة الغيم، وهو كما وصفه الشاعر الراحل محمود درويش في ديوانه ‘ لا تعتذر عما فعلت’ بـ :”الحدث الغامض، الحنين الذي لا يفسر، والحاجة لاقتسام الجمال العمومي”.

ــ وطني الشِّعري: وطني الشعري هو الجمال أينما كان..

ــ الماضي والطفولة: كل شاعر لابد وأن يبحث عن ذلك الطفل الذي عاشه مراتٍ ومراتٍ، وما زال في صدره يناوشه الحياة على مضضٍ حنيناً للعودة إلى الماضي، وصعوبة ذلك جعله مبدعاً في يومٍ ما..

ــ طقوس الكتابة: والكتابة أولا هي حالة مرتبطة بالأنساق الكونية وارتهانها للحظة صادمة وعابرة في حياة المبدع، وعليه، فأنا أكتب في سياق هذه الحالة، هناك صدمة وعابرة أي ليست مقيمة، لأن الشعر كما أرى لا يؤمن باللحظة المقيمة، لأنها لحظة اشتغال جمعي، والشعر هو إيقاع جواني وفردي، يصطفيه المبدع اصطفاءً خفيّاً، أكتب وأنا منشغل بهذا النزق السريع المباغت، أترصّده، وحين أمسك طيفه العابر، تراني أحيط نفسي بكل مفردات العبث، لأنني أؤمن بأن المادة الأولى للكتابة لا تأتي من نظام صارم يفرضه المبدع على نفسه وعلى حروفه، بل من عبثية يظنها المرء للوهلة الأولى غواية لطفولة لا هدف ولا مسار لها، ولكنها في حقيقة الأمر هي أسرار ناسخة لهيمنة الواقع، تمرّ في شعابه، ثمّ تستوي على ما تريد، لهذا يرتبط النفس الملحمي والأجواء الدرامية بهذه المعاينة، وهذا الانحياز للعبث في المادة الأولى للكتابة.

ــ الكتابة خارج حدود الزمان والمكان: كيف تكون الكتابة خارجة عن حدود الزمان والمكان …. فالكتابة أولاً هي حالة مرتبطة بالأنساق الكونية، وارتهانها للحظة صادمة وعابرة في حياة المبدع، وعليه، فأنا أكتب في سياق هذه الحالة، هناك صدمة وعابرة أي ليست مقيمة، لأن الشعر كما أرى لا يؤمن باللحظة المقيمة، لأنها لحظة اشتغال جمعي، والشعر هو إيقاع جواني وفردي، يصطفيه المبدع اصطفاءً خفيّاً. أكتب وأنا منشغل بهذا النزق السريع المباغت، أترصّده، وحين أمسك طيفه العابر، تراني أحيط نفسي بكل مفردات العبث، لأنني أؤمن بأن المادة الأولى للكتابة لا تأتي من نظام صارم يفرضه المبدع على نفسه وعلى حروفه، بل من عبثية يظنها المرء للوهلة الأولى غواية لطفولة لا هدف ولا مسار لها، ولكنها في حقيقة الأمر هي أسرار ناسخة لهيمنة الواقع، تمرّ في شعابه، ثمّ تستوي على ما تريد، لهذا يرتبط النفس الملحمي والأجواء الدرامية بهذه المعاينة، وهذا الانحياز للعبث في المادة الأولى للكتابة.

ــ العــوائــــق: من أهم العوائق التي واجهتني في فضاء البحث عن لغتي الخاصة في الشعر هي الذائقة الأدبية لدى العامة من أفراد المجتمع وليس الخاصة من المهتمين بالشعر، حيث تسببت الفجوة المعرفية والثقافية بيني وبين الكثيرين سوء فهم للنص الذي أكتبه، مما حال بينهم وبين سَبْرِ أغواره والولوج إلى عالمه، مما دفعني إلى إعادة النظر في بناء الذائقة الأدبية لدى الكثيرين من خلال دعوتهم إلى القراءة المتمعّنة للأدب العربي قديمه وحديثة، والبحث حول آليات جديدة للنقد الأدبي الحديث تتماشى والتطور السريع في بنية النص الشعري لإزالة الحجب عن عيون الآخرين..

ــ العَـروض والإيقـــاع: كان تعلّمي لموسيقى الشعر قبل معرفتي بالعَروض، حيث كنت أحفظ الشعر مغنّى حتى استقامت أذني على بعض البحور التي استهوتني فنظمت عليها.. وبعد ذلك للوزن موسيقى خاصة في الروح تجبرك على السير باتجاهها حيث أنني أكتب النص موزوناً دون تدقيق ومراجعة إلا بعد الانتهاء منه..

ــ الشِّعر بين الذاتي والموضوعي: المبدع يؤشر ولا يضع حلولاً، هذا في مقام الانحياز إلى الجمال كموطن للنص الإبداعي، أما في مقام الرسالة والهدف منوط به الإحاطة بكل مفردات الوجع الإنساني، أما في مقام صناعة المستقبل، فمنوط به أن يهيئ أرضية خصبة للطمأنينة من خلال تقاطعه مع التحولات والتغيّرات التي تحدث هنا وهناك في عالمنا العربي، عليه أن ينحاز للهم الجمعي، وأن يكون لسان هذا الجمع، لا أن تسترقه الأنا وتضعه في مواجهة مع ذاته التي تتشكّل في الذوات الإنسانية، ولا أقول تضعه في مواجهة مع الآخر، فمواجهة الذات سياط لا حول له عليها ولا قوة، إذن هو بهذه المفردات يشارك في صنع المستقبل صناعة رؤيا تؤشر على عين الأشياء، ليكون المستقبل واضحاً للآخرين، ألا ترى معي أن هذه المفردات هي بالفعل من قاموس الثورة الحقيقة، ألم تكن ثورته الأولى على حالة الجمود التي تعاني منها ذاته كإنسان أمام فقر الكلام العادي والمنسوخ والمتداول، لهذا وثب إلى الأعلى ليرى ويثور.

ــ الشِّعر والوطن العربي: تقع المشكلة على محاور ثلاثة، الأول: كثرة المدّعين للشعر الذين أضاعوا هيبته، وسيطرتهم على كثير من منابر الحِراك الثقافي في عالمنا. والثاني: الجمهور الغائب عن الفعل الثقافي أمام سطوة المنجز التكنولوجي الهائل، والذي استحكم فيه فعل المادة الجاهزة، المادة الإعلامية القادرة على ملء الفراغ الكبير الذي تعاني منه شريحة كبيرة من الجمهور، لهذا هو ليس على استعداد لتفعيل منطقة التفكير والانشغال بممارسة التحليل والمراقبة التي تحتاج إلى ذهنٍ صافٍ لتلقي المادة الإبداعية. أما المحور الثالث فهو الفعل المقصود والممنهج الذي تمارسه الأنظمة العربية لإخماد روح الإبداع وعدم سريانه في شرايين الناس، ربما تقول لي أن بعض النصوص وصلت للجمهور، إذن الجمهور موجود وحاضر بقوة، أقول لك: إن هذا الجمهور الذي تراه في أمسيات بعض الشعراء المرموقين، كان حضوراً جسديّاً وليس روحيّاً، ودلالة ذلك، التصفيق غير المبرر لكلمة فلسطين مثلاً، أو شتم الحكام، أو غيرها من المفردات، فالتصفيق هنا لم يكن للشعر، ولا لنص شعري خارق، بل لشيء في نفس يعقوب، المأزق الحقيقي للثقافة هو أننا لا نجيد تفعيل صورة الحداثة في قالبها التراثي، والعكس صحيح، فنحن في مسلكنا الثقافي دائماً ما نحاول تغليب طرف على آخر، كما أننا ما زلنا نتمسك بالصورة النمطية للأشياء في عقلنا العربي، فالمثقف الحقيقي ليس مسموحاً له أن يضع يده على جديد مبتكر، أو يغير صورة نمطية راسخة عن الثقافة والإبداع، فأنت لا تستطيع أن تشكك مثلا بنظرية الطلل في الشعر العربي، أو غير ذلك من الأمور التي يعتبرها الكثيرون أموراً ناجزة رغم أن ليس من قدسية لها. من هنا أصبحت الثقافة أمراً مبنيّاً على التقليد والمحاكاة والتبعية، مما وضعنا في مأزق ثقافي حقيقي، جعلنا نستورد الكثير من النظريات من العالم الغربي، والخروج من هذا أرى أنه يكمن بالانفتاح على العقل وتربيته على خلخلة السائد من المفاهيم ومجابهتها بالتحولات التي تكمن في جذورها، والاشتغال على تشكيل بنية ثقافة تتصل بالواقع ومكوناته ومعطياته، دون المساس بمعتقد الأمة وهُويتها الثقافية، المأزق هو أننا في محاولتنا للتجديد والابتكار ننسى تراثنا، أو نخرج عليه، أو نتصيّد عثراته للنيل منه، والخروج من هذا المأزق بالانفتاح على العقل كما أسلفت في موازاة الانفتاح على التراث من أجل أن يكون جذراً ضارباً في أعماق التربة الحقيقة التي تهيؤها قدرة المثقف على عقد قران حقيقي له شروطه وشواهده.

ــ اللغة الشِّعريــة: اللغة الشعرية العالية هي أهم أداة يمتلكها الشاعر الناجح لمالها من مقاييس تجعلها تعلو على لغة الأدب حتى..

ــ الشِّعر والالتـــزام: الشعر والالتزام الإيمان بفكرة وترجمتها إلى عمل ممارس والدفاع عنها حتى الموت، والالتزام بالشعر بعيداً عن المصطلح لمفهوم الالتزام فهو احترام الذات الشعرية وتوابعها وأدواتها، وعدم الخروج عن الأصول العربية في البناء الفنيّ للنصّ الشعريّ، والسعي نحو التغيير والتجديد والابتكار.

ــ الشِّعــر والتصــوّف: أنا أجزم إن لم يكن التصوف رافداً للشعر العربيّ فهو المنبع الرئيس له.

ــ الشِّعرية الحديثة: أرى أن الشعرية الحديثة هي اقتراح حركة ما داخل النص، مثل حركة الأفعال، وحركة الجملة، وانتشال الضمير من عتبته القاموسية، ليصبح الأثر الشعري واضحاً في نقل الصورة النمطية المعتادة للواقع أو للحدث، من عالم مرئي بالبصر إلى عالم مرئي بالبصيرة.

لا أعتقد أن مكونات النص الشعري هي مجموعة من الحالات التي تنفرد بها كل حالة لإنشاء صورة لها في النص، بل لإثبات أنها لا تحيا بغير مؤثرات المكون الآخر، فالوزن مثلا ليس مطلوبا منه أن يقيم له صورة تستند على تفعيلة من البحر، بل ليقتبس من الإيقاع الداخلي ما يشي بوجوده، واللفظ ليس له أن يبرر صورته كحاضن للجملة، بل كيف تشكل الجملة صوته ونسق بنائه، فإذا ما اعترك المبدع هذا المضمار، سيتفرد، ويبدع، لأنه عندئذ سيكون دكتاتوريّاً مع المكونات، ولن يسمح للعناصر أن تتشكل وفق مساحاتها المعرفية.

ــ الشِّعــــر والنثـــر: لنبدأ أولاً بالنثر رغم ما يحويه من جمال لغوي وبنائي وبياني إلا أنه يبقى قاصراً عن الإتيان ولو بآية شعرية، وأنا شخصيّاً رغم أن لي أصدقاء من الشعراء الكبار الذين كتبوا قصيدة النثر أحترمهم وأحترم تجربتهم، إلا أنني لا أعترف بها كقصيدة شعرية، وأسميها بالنثر الفنيّ. وبخصوص القصيدة العمودية فهي الجذور الرئيسة للشِّعرية العربية، وهي الأم التي تمد أبناءها بالروح الشعرية العربية الأصيلة، وما يتعلق بكلاسيكيتها هذا مرجوعه لفهم خصائص هذا البناء الرائع في القصيدة العمودية، وما يُعاب على بعض الشعراء هو الإيغال بالوضوح وكشف المستور والبعد عن الحداثة بمفهومها الأصيل والذي يأتي عن الصدق فيما يُقال لا بالمعنى الزمنى للفظ الحداثة، فهناك نصوص عربية قديمة تتسم بالحداثة الشعرية. أنا أحب النفس العمودي ببنائه الكلاسيكي وروحه الحداثية ولغته العالية، ولكل فنٍّ متذوقوه. وبالنسبة لقصيدة التفعيلة فهي النمو الطبيعي للقصيدة العمودية، وليست بالبناء الخارج على الموسيقى العربية، بل هو عصب المادة الموسيقية في سلالاتها المختلفة وقلّما من يتقنها، وشخصيّاً أفضّل استخدام القافية العربية في قصيدة التفعيلة عند نهاية كل دائرة شعرية، حتى يتأتّى للمتلقي فهم الوقف، وربطه بالمعنى، والمحافظة على النَّفَس الموسيقيّ العربيّ..                                                                                                       لهذا قالت العرب إذا أردت أن تعرف قدرة الشاعر انظر عموده..

ــ كيف أفهم القصيدة: علينا أن نكتب ما يليق بنا وبالأجيال التي ستأتي بعدنا، علينا أن ننظر إليهم بعين المستقبل البعيد، لينظروا إلينا بعين الحاضر،كيف أفهم القصيدة، فأنا لا أؤمن بالخط التنازلي أو التصاعدي للفكرة، أو لحدث النص، أو للتصور الدلالي ذي الوجهة الواحدة، لأن هذا وحسب ما أؤمن به، يقود إلى أن يتعامل المبدع مع لغة ذات بناء قاموسي صارم، أو لغة تكاد تتوالد من خشبية ذهنية قاسية، كما يقوده إلى اجترار الوزن اجتراراً تعسفيّاً، أنا أفهم القصيدة من باب أنها حياة متكاملة لجنين يخلق ولا يستطيع العيش بمفرده، بل في محيط له مؤثراته وتحولاته وتغيراته، يولد، وينمو، ويكبر، ويضارع الواقع، ويتأمل، ويسافر، ويعود محملا بكلّ منازل الرؤيا، القصيدة هي بناء كامل لحياة جنين ولد في عوالم كثيرة.

ــ منطقة التوتر بين الشعر والنثر: لابد لكل نص شعري مهما علا في لغته واستعاراته وانزياحاته من محطات نثرية يمر بها فتكون بمثابة الميزان الخفي، لئلا يقع الشاعر في الغموض، ويكون بين مستويين اللغة العالية الشفيفة، واللغة النثرية الجميلة، ووجود هذه المحطات في النص الشعري ليس إلا مفاتيح يضعها الشاعر قصداً ليستطيع المتلقي من خلالها سَبْرُ أغوار النص وقراءته..

ــ الــوزن ضــابـــط: ليس الوزن قيداً على المبدع المتمكن من الموسيقى الشعرية، على العكس بل هو الضابط السليم لمسار اللغة الشعرية، حيث يتأتّى للشاعر الحق الوزن دون تكلّف، وأقول أنا شخصيّاً حين يتشرّب الشاعر الوزن ويصبح نفساً صاعداً عن روحه …

ــ الشِّعـــر جنــون: الجنون رتبة لا يمسّها إلا المطهّرون..

ــ لكل قصيدة تجربة شعورية: لابد لكل قصيدة من تجربة شعورية معينة، وبالتالي فهي الضابط النفسي لاضطراب المفردات وعشوائية اللغة الممتعة..

ــ النص مـرآة صـاحـبـه: النص مرآة صاحبه في فكره، وتوجهاته، ومشاعره، ومعطياته، ورؤاه..

ــ بين الشِّعر العمودي والتفعيلي: أكتب الشعر عموده وتفعيلته، ولكلّ منهما جوّه الخاص، وتوجهاته الخاصة وجمهوره..

ــ التعليم والذائقة الأدبية: في التعليم أولاً لابد من إعادة النظر في المناهج الدراسية التي هي بعيدة كل البعد عن الواقع التعليمي المرير، ولابد من إعادة بناء الذائقة الأدبية وطرق تغذيتها من جديد، وإعادة النظر في منهجية وآليات النقد..

ــ الشعر العامي وجمود الشعر الفصيح: الشعر الشعبي أو العامي نمط شعري معروف منذ القدم، وظهوره ليس لعلاقة بجمود أو انتشار الشعر الفصيح، وكذلك النبطي فلكل منهما أجواؤه الخاصة وإرهاصاته، ولا أتفق مع نظرية جمود الشعر الفصيح بل على العكس هو أكثر مرونةً وامتداداً وحفاظاً على اللغة الأم، هو الأصل والآخر فرع..

ــ الشِّعر ومواكبته للقضايا العربية: نعم استطاع الشعر الفصيح من مواكبة العصر، وتطور القصيدة العربية من العمود إلى التفعيلة دليل ذلك، لاتساع رؤى الشاعر الحداثي، ومرونة معطياته، ومواكبة ما يرنو إليه الشعر من استيعاب العصور والأجيال القادمة.

ــ العـــــولـــمــــة: العولمة مفهوم شامل لا يمكن حصره بتوجه، أو أيديولوجيا، أو فكر معين..

ــ فوائد الشبكة العنكبوتية: الشبكة العنكبوتية فتحت الكثير من الأبواب، وخاصة في التقاء الأدباء والشعراء والمثقفين، وهي الآن محلّ لتفريغ الشّحنات الكثيرة التي لا يمكن أن تستقر في مكان واحد، وفوائدها كثيرة على الساحة الثقافية والأدبية..

ــ المرأة في شعري: المرأة في شعري ثلاث نساء فقط؛ أمّي، وظلّها، وانعكاس صورتها في المرآة..

ــ طمــوحــاتـــــي: والله سؤال الطموحات والآمال صعب بعض الشيء؛ لأنني من الذين يتركون التدبير لصاحبه، فأنا رجل وشاعر مسلّم..

ــ هواياتي الأخرى: هوايتي الأخرى غير الكتابة والمطالعة هي السباحة..

ــ الــــحـــــــــــــب: الحب هو أن تفنى به عنك، بحيث يكون هو لا أنت..

ــ قصيدتي المستحيلة: القصيدة المستحيلة هي المتوقعة دائماً..

ــ أَحَبُّ نصوصــي إلـيّ: كثيرة هي النصوص التي أحبها، لأن لكلّ منها حالته الخاصة وذكرياته..

 

د. فاطمة الديبي / ذ. نصر سيوب
د. فاطمة الديبي / ذ. نصر سيوب

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here