ما يميز الاتحاد الأوروبي في تعامله مع الأزمات في الشرق الأوسط، أنه يشبه البرلمان الكبير بأعضاء دوله، وسياسته التشاركية، والرؤيوية الموحدة حول ما يجب القيام به في علاقته مع العالم، ولكننا نتحدث هنا حول علاقة الاتحاد الأوروبي بالشرق الأوسط، كدور منوط به مأمول من قبل شعوب ودول هذه المنطقة.
فهناك عناصر أسست في إطار هذا التأثير تجاه الشرق الأوسط، من ضمنها العامل الجيو سياسي، حيث اجتماع كل من الاتحاد الأوروبي، والشرق الأدنى، ودول شمال أفريقيا على حوض المتوسط، ما جعلها هدفاً سهلاً وقريباً للهجرة المكثفة، ثم ما نشهده من تأثر دول الاتحاد مباشرة بتداعيات محاربة الإرهاب وداعش، الذي ما أن يكون بداية نشأته من دول الصراع، حتى يضع أوزاره في شوارع أوروبا، ما يدفع باتجاه بناء شراكة حقيقية مع دول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي للخروج برؤية واحدة لمعالجة الإرهاب بكل الوسائل، والمجالات العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
كذلك كان للتاريخ الاستعماري لأوروبا دور كبير في تداخل ثقافة المستعمر بثقافات الشعوب المستعمرة، والتي ما زالت إلى الآن تمتلك فاعلية التأثير في بعض شعوب دول الشرق الأوسط منها لبنان، وسوريا، والمغرب العربي، وبعضها ظل ارتباطه بتلك الثقافة ارتباطاً إيجابيا أثر على السلوك الجمعي في تلك المجتمعات، ولن نتجاهل في هذا السياق الشعور الأوروبي بأخطاء الماضي التي ارتكبها وما تمخض عنها من اتفاقية سايكس بيكو المنطلق التاريخي لموجة الإرهاب الدولي التي يشهدها العالم حالياً.
وعندما نتناول العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، نتناولها ضمن عناوين أساسية تعمل وفقها دول الاتحاد منها الإصلاح السياسي، وحقوق الإنسان، والسلم الإقليمي بين دول المنطقة، وتعزيز ثقافة التبادل السلمي للسلطة، وهذه عناوين يمكن من خلالها قياس مدى فاعلية هذه السياسة الخارجية للاتحاد تجاه مناطق الشرق الأوسط، إن كانت ذات جدوى بكل الوسائل التي تستنفذها، أم فقدت فعاليتها إذا ما تابعنا المقاربات الأوروبية في كافة المجالات آنفة الذكر تجاه دول المنطقة، والتي تشهد مؤخرا انحداراً كبيراً على المستوى السياسي، والأمني، والحقوقي ما يضع سياسة الاتحاد الأوربي موضع التساؤل، والتشكيك، إن كانت بالفعل أولويات الاتحاد كما يعلن ويعمل، أم أن أهداف وغايات ووسائل هذه السياسة هي التي تحتاج إلى تصويب من خلال انتقاء الأدوات المناسبة لتحقيقها على أرض الواقع.
فمنذ عملية برشلونة التي تسمى الشراكة الأورومتوسطية “بورميد” في العام 1995، بدأت فلعياً سياسة الاتحاد تجاه المنطقة وحوض المتوسط لتعزيز علاقات أوروبا مع بلدان حوض المتوسط غرب آسيا وشمال أفريقيا، حيث مازال لدى أوروبا أملاً كبيراً في مشروع الشراكة من أجل المتوسط الذي تم إقراره في العام 2012، رغم ما يواجهه هذا المشروع من أزمة مالية سببتها الديون، والتغيرات التي جرت بعد انفصال بريطانيا عن الاتحاد بعد فترة من الشد والجذب أربكت دول الاتحاد وقد فتح ذلك الباب واسعاً لأن تبحث كل دولة على حدة عن حلول تناسب مصالحها إزاء الأزمات التي تعصف بالاتحاد.
ولكن عملياً وبكل أسف يجب أن نوضح بأن أوروبا اضطلعت بدور غير مباشر في زعزعة الاستقرار بالمنطقة، خاصة بعد دعم مجموعة دول الخمس زائد واحد للاتفاق النووي الإيراني، وقد بدا هذا الدعم ظاهرياً لتحقيق التقارب، ولكن في الحقيقة ساهم في تعزيز دور إيران في المنطقة التي استغلت ذلك لتأجيج الصراعات الطائفية هذه الأيام.
لذا أصبح من الواجب على قادة أوروبا تصحيح سياساتهم إيجابياً تجاه المنطقة، والعمل على إعادة تقييم أولوياتها المتعلقة بمتطلبات استقرار الأوضاع، ما يخلق توازناً يقلل من حدة الإزاحات في المنطقة بفعل السياسة الغير واضحة من قبل الولايات المتحدة، وتدخل روسيا مؤخرا ومزاحمتها على تثبيت ذراع ضاربة لها في المنطقة، في ذات السياق بدأنا نشعر في مقابل تعطش روسيا وإيران لترسيخ تأثيرهما في المنطقة وإيجاد موطئ قدم والدفع بكل الوسائل لخلق شراكة يدفعون مقابلها أثمان باهظة سياسيا وعسكريا واقتصاديا، نرى في الجهة المقابلة عزوفا أوروبيا عن الانخراط في حلول للوضع السياسي المتفاقم في المنطقة، على الرغم من تأمل قادة وشعوب المنطقة من تدخل أوروبي فاعل يضطلع من خلاله الاتحاد بدور أكثر تأثيرا،ً لذا يبرز السؤال الرئيسي هنا لماذا أمام هذا التزاحم لدول العالم على حجز مكان لهم، وامتلاك أدوات قوية في المنطقة للتأثير والتدخل في تشكيل السياسات والتحكم بقواعد اللعبة، يتخذ الاتحاد الأوروبي موقعا أكثر بعداً وأكثر برودا في التعاطي مع الإشكالات والأزمات التي لو فعّل فيها الاتحاد ثقله السياسي والتاريخي لأنجز على كافة المستويات ؟
يجب على قادة أوروبا النظر جيداً إلى المنطقة، والعمل على تقييم أولوياته، وأزماته بشكل صحيح، كي يتفادى نتائج كارثية حيث يعاني في هذا الوقت مشاكل هيكلية عدة ظهرت تجلياتها مؤخرا في انفصال بريطانيا عنه، ما صاحب ذلك اهتماماً متزايداً من قبل بعض الدول الأخرى التي قد تحذو حذوها.
كل ذلك يجعل المتابعين يستشرفون مستقبلاً مقلقا وغير مستقر للاتحاد، ومن المتوقع أن تستمر مثل هذه الموجة بعد أن أثبت الاتحاد عدم جدوى سياساته، في حال عدم قدرته على مواجهة أزمة الهجرة الحالية الناتجة عن الصراع الدائر في سوريا وعن الصراعات الطائفية التي تعصف بالمنطقة.
أخيراً نرى أنه من الواجب على أوروبا أن تدرس من جديد معطيات ومحددات ما تحتاجه المنطقة، وأن تعي التحديات التي تعصف بها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي لم تعد أولوية على جدول الأعمال الإقليمي، بسبب التهديدات الوجودية الكبرى التي تواجهها الدول العربية من قبل إيران وداعش وفي ظل العناصر الإقليمية الحالية وما استجد من خلط للأوراق وغياب الرؤية المستقبلية المتعلقة بالاستقرار السياسي، يتعين على أوروبا محاولة الاقتناع باحتياجات سكان المنطقة، على النقيض مما يحدث حاليا من تعامل وفق جدول أعمال يعكس ماضيها الاستعماري، وفي حال استمرار أوروبا في العمل بشكل فردي مستقل عن رغبات الجهات الإقليمية الفاعلة، فإن ذلك بالتأكيد سيؤدي إلى تأزم الوضع بشأن أكبر، في منطقة تعاني من عدة تحديات معقدة وهو ما قد يعرض أوروبا ذاتها لفوضى محتملة.