سوانح ــ ذ. السعيد عبد العاطي مبارك الفايد

0
18

فقدنا لمة ( الطبلية ) ومعها الدفء العائلي والبركة ٠٠!!
فكيف ينهض مجتمع والأسرة فيه لا تتلاقى حتى يوم العطلة والراحة ؟!٠
بالتأكيد سيظل مفككا دون أدنى شك ٠٠
فقد جعل الله عز وجل الليل لباسا والنهار معاشا، فالنهار للسعي والعمل والليل للخلود والراحة والنوم هكذا ٠٠
فقد تقدم الإنسان قديما وصنع المعجزات والحضارات داخل هذه النظرة والرؤية قبل عصر الكهرباء، وبعدها بعيدا عن المستحدثات التي ضررها أكبر من نفعها ٠٠
ونعود لنقدم لك عزيزي القارئ الكريم بعض الصور السلبية من وراء هذا الحصاد.
فتنظيم مواعيد العمل للجميع يكون بالنهار، وبالليل يسود اللقاء جمع الأسرة – فهذا في اعتقادي المتواضع – أعظم المكاسب والمستحقات.
ومن ثم كانت الحياة بسيطة من قبل خالية من المظاهر والترف الزائد الذي ليس في محله، وأرى أنه مجرد حشو وتقليد ليس من عصب الحياة مطلقا.
وعلى أية حال حدث للمجتمع العربي هزة عنيفة في الثوابت الاجتماعية، بداية من كيان البيت الذي هو عنصر الاستقرار والأمان..
تحولت الحياة إلى مادة مجحفة، الكل بلا استثناء في جميع المهن والحِرف يريد الفوز بأكبر جمع من المدخرات على حساب السعادة، ويحرم نفسه من نعمة الحياة بأن يعيشها في تلقائية لا يكلف نفسه فوق طاقتها، ويرتب عملية أوراقه حسب المتاح ويتعايش في بساطة، فالحياة رحلة قصيرة لا تستحق أن نقطع معالمها، والنتيجة الكل سيخسر، الذي يُعطي الكل على حساب نفسه، وأيضا المستفاد سيخسر أشياءً لا تعوض ولا تقدر بمال، بمثابة الكل في ساقية مثقوبة أو طاحونة مكسور بمعنى الجميع معطل، لكن مجرد وقت دون تحقيق الهدف المنشود، وهو أن يظللنا البيت أكبر وقت، وتجمعنا فيه اللقاءات والأحاديث والمشاهدة في ود و قرب كما كان الآباء والأجداد في تلك المنظومة الإيجابية.
ومن المعلوم والثابت للجميع، صغيرا وكبيرا، غنيا وفقيرا، نحن عيش زمن الصراعات، لكنني هنا أسلط الضوء على صراع البيت مع الوقت على حساب الثوابت..
فقد غابت من حياتنا هدنة من الوقت، ولذا تبدلت أساليب حياة اليوم، ومعها تبلدت المشاعر، وغابت النصائح وفقدنا الكثير من أسلوب الحوار الماتع، والتفاهم الساطع، بل والأهم الدفء العائلي، وغياب الرمز ( الأب ) رب الأسرة في دوامة العمل في أكثر من وردية ليل نهار.
حتى بات مجرد أب ( صندوق مال ) يجمعه وربما تم إنفاقه مثل الدخان في الهواء، و هذا على حساب حاجات عديدة؛ الصحة والتقويم، ولم يتبقَّ له شيء من الوقت إلا اليسير الذي يغط فيه من النوم، ومرارة التعب، والعزلة، حتى يحسبه الجميع أنه لا يريد أن يسمع أو يتكلم أو يشاهد، ويهرب من الأزمات بطرق مصطنعة، وهو مظلوم وبريء كبراءة الذئب من دم ولد يعقوب.
أضف إلى الأولاد من المدرسة في الصباح الباكر، ثم الخروج إلى عالم الدروس الخصوصية، و ما أدراك ما الدروس الخصوصية، حدث ولا حرج، أضرار معنوية ومادية لا تقاس قط.
فلا يرجع منها إلا مع منتصف الليل، وحتى الأطفال لم يسلموا منها، فيعودون مع العشاء يبكون مرارة الفقد الأسري طول رحلة اليوم دون مبالاة..
والمحصلة الكبرى صفر مكعب افتراضي من التعب، لا يتم مراجعة، وكثرة المواد، والانشغال في متطلبات أخرى.
وعن الأم حالتها تغم فهي في دوامة تائهة، تحسب وتطرح وتجمع وتقسم وتستلف كي توفي وتدبر مصاريف الأسبوع، طعام ودروس وأجرة، وتفكر كثيرا في توازن لتوفير الأهم، وبعيد الشر ثمن العلاج الطارئ.
ولا تنام ليلا و لا نهارا، حارس يقظان متعب مجهد، حياة بلا طعم، كلها خطف في خطف ٠٠!٠
وتظل مشاكل الأولاد، وغياب الأب، وحيرة الأم، الكل يعيش ويعاني مسلسل الشتات والصراع، على حساب مستقبل كل فرد قائم بنفسه دون تحقيق أي جدوى.
الكل يعاني من لعنة الصراع والصداع والأوجاع والدموع، حدث جلل يصيب وحدة الأسرة المطمئنة في مقتل، ولا سيما الأسرة الشبابية شكلا ومضمونا وماديا ومعنويا ٠٠٠ إلخ ٠
ناهيك عن سرطان لغة التواصل الاجتماعي، ولعنة ( السوشيال مديا ) التي تكلف الأسرة نفقة باهظة التكاليف، إسراف في الوقت، ونزيف أموال، بجانب ارتفاع أسعار خدم المرافق الحيوية مياه وكهرباء وغاز ومواصلات..
لو حاولت الدولة جعل العمل الحكومي والخاص ينتهي مع الساعة الخامسة عصرا، ولا يسمح بمزاولة أي عمل إلا قطاع الصحة، و بعض المصانع التي لا تتوقف، ويتم تعويضهم بدوريات أسبوعية، راحة كلية من حق الأسرة..
ولا دروس خصوصية بعد هذا الوقت، إنما يخصص للمذاكرة، وحل الواجبات، وممارسة النشاط الرياضي والتثقيفي، وهذا من حق النفس..
ولا يمارس صناعة ولا حرفة ولا مهنة تفرغ من حق الأسرة.
فأي شيء بعد هذا الوقت المعلوم مرفوض.
وتعود لمة الطبلية تجمع شتات الأسرة، وتبادل الحوار، والكل يعرض رؤيته، ويحكي خصائص يومه..
ونجعل العطلات في التزاور والتقارب وصلة الرحم والود..
يجب أن توفر الدولة كل سُبل الراحة للأسرة، فمن حقها حياة كريمة كفلها الدستور، ونساعد كلنا في دعم وتطبيق هذه المنظومة، ونعود إلى الجذور الاجتماعية السوية الأصيلة في توافق جميل، لا مجرد سفسطائية وشعارات، والأسرة في الضياع المستمر، فلا نهضة ولا ازدهار إلا باستقرار الأسرة وتوفير لها ما يحقق السعادة من جديد..
فإذا اجتمعت الأسرة كثيرا على لمة ( الطبلية ) فاعلم أننا على المسار الصحيح السليم.
وعلى الله قصد السبيل.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here