ــ ” مَنْ أكون”: من هو المختار حسني سؤال كبير طبعا، في جوابه ما هو إداري محض وفيه ما به تشكلت شخصيته وذاك سؤال صعب الإلمام بكل جوانبه، ولكن بدءا أضع بين أيديكم موجزا لسيرتي الشخصية:
مزداد سنة 1956 بقرية مستكمر ناحية وجدة، المغرب؛ اِلتحقت بالمدرسة الابتدائية بنفس القرية إلى أن نلت الشهادة الابتدائية؛ اِنتقلت إلى الثانوي بمدينة تاوريرت إلى حدود السنة الرابعة (التاسعة حاليا)؛ حصلت على منحة لمتابعة الدراسة بالثانوي (سنوات الباكالوريا) بوجدة (ثانوية عبد المومن)؛ حصلت على الباكالوريا وتابعت التعليم الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس؛ نلت شهادة الإجازة سنة 1981؛ اِلتحقت بالخدمة المدنية أستاذا للغة العربية بمدينة تاوريرت في أكتوبر 1981 وأدمجت في التعليم الثانوي في نفس السنة؛ عملت لسبع سنوات ثم انتقلت إلى الدار البيضاء سنة 1988؛ سجلت بالسلك الثالث سنة 1989-1990 وحصلت على دبلوم الدراسات المعمقة (شهادة استكمال الدروس) تخصص أدب قديم من كلية الآداب بالرباط؛ سجلت دبلوم الدراسات العليا بعين الشق سنة 1994؛ حولت هذا البحث إلى الأطروحة لنيل الدكتوراة ضمن النظام الجديد وحصلت عليها سنة 2000.
ـ “مواقف كوّنت شخصيتي”: ما أكثر المواقف التي لا يتسع لها المقام والتي كان لها الأثر البليغ في تكوين شخصيتي؛ منها ظروف العائلة الصعبة، والمآسي، وظروف الدراسة القاسية التي أرغمتني على مواجهة الحياة وحيدا بعيدا عن الأسرة وأنا لم أتجاوز الثانية عشرة من عمري.. والكلام في هذه الظروف يطول..
ــ “الكتابة غواية”: الكتابة غواية وأية غواية؛ لست أدري كيف انغمست في الكتابة.. ولكن بصعوبة بالغة.. كيف نبت هذا الإحساس في النفس؟ هل من سماعي للموسيقى والغناء منذ الصغر؟ أظن أن هناك رابطا خفيا بين هذا وذاك.. ومن أين يأتي هذا التوتر للفنانين والمبدعين دون غيرهم؟ لم أكن أفكر في أن أصبح باحثا ولكن تفكيري في أن أصبح شاعرا كان قويا رغم الظروف الشحيحة والإحباطات المتتالية.. أما كون قدمي راسخة فشرف لا أدعيه فأنا بالكاد أعرف ناقدا أو باحثا بفضل ما نشرته في بعض المنابر العربية والمغربية. أما الشعر فلم أنشر منه إلا النزر اليسير ولست معروفا لولا هذا “الفايس” الذي عرفني على أصدقاء أجلاء لا تهمهم غير الكلمة الجميلة الصادقة بعيدا عن بهارج الواقع المر..
ــ “عودتي إلى الشعر”: ليس لي في الشعر باع ولا تاريخ طويل.. ما كتبته قديما محاولات تخلصت من أغلبها ولم أكن أنظم الشعر إلا لِماما كتبت بعضا منه في القضايا العربية والإسلامية.. وأذكر أن مجلة العالم اللندنية نشرت لي بعض القصائد، ولكن مؤخرا منذ عامين تقريبا وبجانب اهتمامي بقضايا عربية طارئة عدت إلى الشعر عودة الولد الضال إلى حضن أمه ومن باب الحب الذي تعتبر المرأة بوابة مثالية له أنى توجهت ركائبه.
ــ “بداية الكتابة والنشر”: عدد كبير من النصوص كتبتها منذ سنوات الدراسة الأولى وكان يطّلع عليها أصدقاء الدراسة في الغالب، وكُتب عليها الضياع لأنها لم تكن يوما مقنعة لي وإن أبدى الأصدقاء الإعجاب بها.. وما حفزني على النشر هو تتبّعي لبعض المجلات وسماعي لبعض برامج الشعر فكنت أتوق كأي إنسان إلى أن أنال اعتراف الآخرين بأن ما أكتبه يستحق أن يُقرأ.. وكان أن نشرت في زمن الانتفاضة بعض قصائدي ـ التي فقدتها الآن ـ في مجلة العالم اللندنية، وطبعا كان فرحي كبيرا بذلك. ثم نشرت قصيدة أخرى في مجلة المشكاة المغربية، وفي جريدة التجديد ولم أسع بعد ذلك إلى الآن إلى نشر شيء من شعري خاصة وأني كنت هجرته مليا سنوات البحث والتحصيل.. ولا أُطلع أحدا على شعري إلا في القليل النادر وللخُلّص من الأصدقاء، وللشعراء فيما يعشقون مذاهب..
ــ “طقوس الكتابة”: طقوسي بسيطة جدا؛ أجلس بالمقهى فيمر خاطر أو قافية أو إيقاع كأنه الوحي، فيحدث أن أقبض على خيط منه لأنسج القصيدة وسط ضجيج الناس والتلفزة على هاتف محمول لا يعرف العربية، وفي الطريق إلى المنزل غالبا ما تحدث بعض التعديلات قبل أن أكتبه على صفحتي وغيرها في “الفايس”.
ــ “الحب”: الحب يمنحنا الكثير من الحرية والقوة.. به نستطيع تشكيل شخصية الفرد/الإنسان الذي نعدّه للغد.. وبه فقط نستطيع أن نخلّصه من كثير من الشرور وأن نمنح للحياة معنى..
وفي الحب العفيف تقلبت روحي
ففقت هوى جميل بله غيلان
تضاعف فيّ حب الكون قاطبة
بعشق حبيبة يسري بشرياني
أدين بدينه أنى يكون له
مرام، فالهوى ديني وإيماني
وكما قال ابن عربي:
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
ــ “حقيقة الشعر”: ليس على الشعر أن يدخل ساحة المعارك بوجه سافر.. وإن فعل: فسيكون شعر مرحلة يموت بانصرامها.. الشعر ملتزم بالإنسان أولا ولا دخل له بطريقة مباشرة بأصحاب الأهواء والمصالح والصراعات السياسية.. فهؤلاء صنيعة من لا قبل لهم بالإبداع. هناك مسافة دائما بين الإبداع والإيديولوجيا.. الإبداع مثل الدين هو الأشمل والأسبق دائما عن الإيديولوجيا والعلم والسياسة.. وما لا يبدو موقفا شعريا من القضايا في عين السياسي قد يكون هو الموقف السليم.. لأن الشعر والإبداع عموما ليس من وظيفته نقل الواقع وإنما نقل النفوس والأذواق إلى مراتب أسمى لتصنع واقعا أكثر رقيا من مدخل الفن أولا لا من مدخل المواقف الحزبية والإيديولوجية الزائلة.. فالظروف الراهنة ينبغي ألا تنسينا هذا الهدف النبيل للفن والذي به خلد الشعراء الكبار على المستوى العالمي.. أما الموقف الشعري العارض إزاء هذه القضايا التي تهمنا جميعا فتحصيل حاصل/فلابد للمصدور أن ينفث.
ــ “الشعر والنثر”: قال بول فاليري: “الشعر رقص والنثر مشي”؛ فقد ترقص وأنت تمشي أو تمشي وأنت ترقص.. وكلنا نسعى للرقص خالصا لوجه الشعر.. وذاك حلم كل شاعر.
ــ “تنشئتي الشعرية”: تحديد جميع العوامل الكامنة وراء ظهور شاعر أمر دونه خرط القتاد. هناك دائما مناطق مظلمة تتعلق بالموهبة وما يعرف بالإلهام.. غير أن التنشئة الاجتماعية يمكن أن تمدنا ببعض الأجوبة حول مساهمتها في تغذية تلك الموهبة وصقلها عبر الزمن، أما دون هذه الموهبة فمن الصعب إيجاد هذا الشاعر ولو كان الأمر كذلك لكان العقاد مثلا شاعرا.. من الممكن أن يكون الريف بحياته الفطرية وأهازيجه ومواسمه وأفراحه وأحزانه ومعتقداته وجلساته العائلية الحميمية وكل ما يلهب الخيال في أجوائه، أول بذرة في مشروع “صناعة” شاعر، تليه بعد ذلك مراحل الدراسة خاصة الأساسية التي كان فيها للشعر وحفظه وإنشاده داخل الفصل بطريقة جماعية نصيب كبير، بالإضافة إلى الغناء والموسيقى.. ربما كان الناقد الملم بجوانب حياة الشاعر الأقدر على الإمساك بالخيوط التي تحرك القصيد..
ــ “ماذا يعطيني الشعر؟”: يعطيني الشعر أقصى قدر من الحرية لبناء عوالم حالمة أو مدينة فاضلة تتحقق فيها كل القيم النبيلة.. به يحافظ الشاعر على وقدة الخيال وبه يحمل الآخرين إلى عوالمه إن هم أصاخوا إليه.. به وبالإبداع عامة تتجدد الحياة وتتطور وتنكسر القيود في النفس البشرية، وانعدام الإبداع ليس له إلا رديف واحد هو الموت تقليدا واجترارا وضياعا..
ــ “الشعر/الفن والسياسة”: لا سياسة ولا اقتصاد ولا فكر ولا علم يمكن أن يتقدم عن الفن.. الفن أولا ثم تأتي بعد ذلك جحافل العلم والاقتصاد والسياسة كما تشي إلى ذلك بحق الدكتورة خالدة سعيد.. ألم تكن الثورة الفرنسية من ثمار الأدب؟
ــ “القديم والمعاصر”: في الشعر كما في النثر أحببت القديم والمعاصر على حد سواء ودون تفصيل، لأن كتاباتي المنشورة تظهر ذلك. غير أن ثقافتي الأجنبية ضعيفة ولم أمِل للقراءة بها إلا لمصلحة البحث، كما فعلت في بعض ما ترجمته عن اللغة الفرنسية ونشر بعضه في المجلات وبعضه الآخر في الأطروحة..
ــ “الأسطورة والعفوية”: لا أستعمل الأسطورة كثيرا؛ صحيح رغم أن بعض قصائدي تستحضر بعض الأساطير. اخترت نمطا من الشعر أرتاح إليه لأنه يعبر عن شخصيتي وليس من الواجب جلب الأساطير خاصة اليونانية لا لشيء إلا لأن الآخرين يوظفونها.. هذا بغض النظر عن طرائق التوظيف وجدواها. فأنا أميل إلى شعر سهل يتسم بالعفوية ويقبض على المشاعر في حينها ويعنى بالإيقاع ويستحضر التراث العربي الذي يعتبر الأولى في تجديد الهوية وربط المتلقي بماضيه وحاضره ومن خلالهما بمستقبله.. فلكل طريقته ولكل شعر مذاقه الخاص والتنويع إبداع.. ونحن في حاجة لقراءة شعر يأخذ بأيدينا خطوة خطوة ولا يصدمنا بالمعميات.. فخطوات التجديد والتجريب كانت متسارعة جدا صعد بها أصحابها على البرج العاجي وفقدوا المتلقي.. فما جدوى شعر لا يقرأه أحد، وما جدوى إبداع ينفر القارئ من الإبداع؟
ــ “الأولويات”: الأولويات في الحياة تتبادل درجات السلم حسب الظروف فكل مرة تطفو هموم شخصية أو معيشية أو وطنية أو عربية إلى السطح.. والتفكير في هذه لا يعني التفريط في تلك.. والوفاء للشعر أرقى من الوفاء لأقفاص الأحزاب والإيديولوجيات..
ــ “مشاريعي”: مشاريع كتاباتي فيها تحقيق ورغبة في إعادة شرح الدواوين وجمع ما ند من الأشعار، كما فعلت مع بعضها ونُشر في أعداد من مجلة الذخائر اللبنانية. ويبدو أنني الآن وجدت ذاتي في الشعر.. ولا أدري ما يأتي به قادم الأيام..
ــ “عربية المغرب العربي”: مهما كانت مواقف المشارقة من لغتنا العربية فهم إخواننا ولهم سابق فضل علينا، فإن صدر عنهم ما يدل على استعلاء فإننا نتقاسم معهم وزر الموقف، لأن وسائلنا الهزيلة لا تطلعهم بما يكفي من إنتاجاتنا ليقتنعوا بالفعل لا بالكلام بأننا جميعا نخدم هذه اللغة، وأن المماحكات في هذا الجانب ليست في صالح أحد.. فدعنا نقل كلمتنا ونمشي.
ــ “الكتاب المغربي”: للمشرق العربي فضيلة السبق والريادة والإجادة لظروف أسعفته وليست لدي شخصيا عقدة التتلمذ عليهم.. وقد كان وما يزال نسبيا تيسير النشر والترويج له من الأمور التي تجعل ثقافته تنتشر بجانب ما له من تاريخ شهرة في كافة المجالات.. ولسنا كذلك على المستوى المغاربي إلا بشكل محتشم.. لن نلوم إخواننا المشارقة على عدم سعيهم الحثيث للاطلاع الواسع على كل ما يكتب هنا.. ولكن علينا يقع جانب كبير من المسؤولية في سوء إدارة الكتاب على ما يعانيه من فقر في القراءة لعوامل متعددة..
ــ “ظروف النشر في المغرب”: أما ظروف النشر في المغرب فيبدو لي أنها سيئة، فهي لا تراعي غير الجانب التجاري. بالإضافة إلى شبه انعدام للمتلقي..
ــ “مؤلفاتي ومفهوم التناصّ”: المؤلف الأول مستل من أطروحتي لنيل الدكتوراه عام 2000، فيه جانب نظري وجانب تطبيقي عن مفهوم التناص لدى الغرب والعرب قديما وحديثا تناولت فيه بالدراسة شعر الرباوي والأمراني وبنعمارة. أما الكتيب عن الرباوي؛ فدراسة مطولة لقصيدتين ضمن مفهوم التناص دائما ومحاولة رصد كيفية اشتغاله داخل النصين.. أما التناص عموما فهو استحضار خطابات مختلفة في نص من النصوص وتطويعها لصالح الرؤية التي يحملها النص. فالنص لا يظهر إلى الوجود إلا وقد مر ببيئات مختلفة من الخطابات تترك بصماتها فيه، والناقد هو الذي عليه أن يكتشف تلك البصمات وكيفية تفاعلها مع مكونات الخطاب الجديد.
ــ “الحلم العربي”: لا حياة بدون حلم ولا ثورة تؤتي أكلها بين ليلة وضحاها فهذه بدايات تغيير ومخاض عسير ينبغي تغذيته بإبداعنا داخل هويتنا العربية في كافة المجالات وبشكل هيكلي. يقظة في بداياتها، إذا فرطنا فيها فسيكون مصيرها إلى خمود، مثل مصير إسهامات مفكري وأدباء ومناضلي عصر النهضة العربية.
ــ “شكر وتقدير”: أشكر أصدقائي الأفاضل على كرم الضيافة وأحيي فيهم هذا الاهتمام بلغة الضاد وبالشعر والإبداع العربي، خدمة لروح هذه الأمة التي لابد ستنهض يوما لتستأنف الطريق:
إذا سكتت شهرزاد صباحا
عن الحكي أو عن كلام مباح
لكم يا مصابيح دربي ورود الصباح
لكم عطر نَوْر الأقاحي
ولحن الخلود
وشرب الصَّبوح
وقربان عشقي
وكل كلام جميل متاح
فلا قر عينا بعشقي رقيب ولاحي
فتحت لكم واحة الود
فاسعوا بساحي
وجولوا بصدر
فرشت حقوله وردا
لإيقاع خطو يديم انشراحي.
تزين وقتي
وماست غصون اختيالي
بوشي الوجوه الملاح
وقفت عليهم ودادي
وتخفض روحي
لهم في الهوى من جناحي
بهاليل غر
وإن نطقوا بكلام فدرُ
يكون لجيدي وشاحي
شغلت فؤادي بذكرهم
عن قدود الغواني الملاح
فعمتم صباحا
وعمتم مساء
فقد فتّح الود منكم ورود ارتياحي
وسقيا لوردي بفتيان صدق
شفيت بودهم من جراحي
فأنجد عطري
بنجدة صحب خفيضي الجناح