العظمةُ والجاه في كشف أسرار اسم الجلالة الله  __ د. مولاي المهدي جواني

0
133
د. مولاي المهدي جواني

 

 

نحاول في هذا المقال أن نربط ما هو عقائدي بما هو نحوي، لما لهما من وثيق الصلة وعظيم الوشيجة، لتأسيس علم إعراب جماليّ جديد يليق بجمال الله وجلاله وكماله سبحانه، نجيب من خلاله ومن هذا الربط عن العلة ذات البعد الروحي العقدي في الأسرار الماسيّة النوريّة في التعامل اللائق المقدس مع اسم الله الأعظم { الله } جلّت أسماؤه وتقدّست صفاته، مع ذكر الحكمة العقائدية من النداء المتميّز لاسم الله الأعظم هكذا يا الله بهمزة القطع على الأشهر ..

 

حقيقة اشتقاق اسم الجلالة { الله } جلّ في علاه وحكمة اختلاف العلماء فيه :

اختلف العلماء في اشتقاق اسم الله تعالى وتباينت آراؤهم وتضاربت أفكارهم، وإذا ما قرأ القارئ الكريم كتاب ” اشتقاق أسماء الله ” للإمام الزجاجي وأردفه بكتاب ” القول المُعتَمَد ” للإمام الأَرْمَيُونِيّ تلميذ الإمام جلال الدين السيوطي يتلمّس ذلكم الاختلاف جليّا، وفي ذلك حكمة عظيمة، نقلها لنا العلامة أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السِّجلماسي في كتابه الماتع وسفره الباتع : ” درر من البسملة “، حيث ساق بعد ذكر أقوال العلماء في اشتقاق اسم الله تعالى حكمة هذا الاختلاف، فنقل عن الإمام الكبير السعد التّفتزانيّ قوله :
” اعلم أنه كما تحيّرت الأوهام في ذاته وصفاته، فكذلك في اللفظ الدال عليه، هل هو اسم أو صفة، مشتق أو غير مشتق، عربيّ أو معرّب ” – انتهى – لقد حارت الأفهام في ذاته فاختلف العلماء في اشتقاق اسمه جلّ في علاه، ولله درّ الشهاب ثم لله درّه في حاشيته على تفسير البيضاوي حيث يقول :

” قالوا : كما تاهت العقلاء في ذاته وصفاته، لاحتجابها بنور العظمة، تحيّروا في … الله لأنه انعكس له من تلك الأنوار أشعة، بهرت أعين المستبصرين “.

 

وهذا يدل على تفرّده سبحانه في كل شيء، حتى قال السادة الصوفية – بتصرّف – :
لا يعلم كيف هو إلا هو جلّ في علاه، لذلك يقول العارف بالله الكبير فيلسوف الفقهاء وفقيه الفلاسفة النظّارة حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابه ” المقصد الأسنى ” : وكلّ ماقيل في اشتقاقه فهو تعسّف .

استدراك تنزيهيّ وتوضيح تقديسيّ :

الاستدراك الجماليّ الأوّل بين السادة الصوفية وسيبويه :

أستدرك مطمئنا على السادة الصوفية قولهم عن الله تعالى :

– “لا يعرف كيف هو إلا هو” ، وذلك لأن مادة المعرفة وجذرها وما يدور حولهما من معان وإسنادها لله تعالى
لا يليق بجلاله البتة، وذلك في نظري راجع لأمور :

يرى العلامة الإمام الأنصاريّ في كتابه المعجمي العظيم الشأن: ” الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة ” أن المعرفة نسبية والعلم مطلق ولذلك لا تجد في القرآن العظيم كله نسبتها لله تعالى، بل ينسب لنفسه العلم اللائق به، كقوله سبحانه : { علمَ الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم }، وكقوله سبحانه : { قد يعلمُ اللهُ المُعَوِّقِين مِنكم }.

من أجل ذلك اشتق اللهُ من العلم دون المعرفة اسمَه العظيم “العليم” الثابت بالدليل السمعيّ، ولذلك أرى أنّ نسبة العلم للبشر وتسميتهم بالعلماء إنما هو من باب المجاز اللغوي فقط وما جرى عليه العُرف التداولي لما بين المعرفة والعلم من سببيّة ومجاورة.

المعرفة “نسبيّة” عند الإمام الأنصاري و”واسطيّة” عند الإمام ابن نُباتة المصريّ :

علمنا أن المعرفة نسبية عند إمامنا الأنصاريّ، والآن سنرى أن الإمام ابن نُباتة المصري في كتابه الجليل
” سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ” يذهب إلى أنها تحتاج إلى واسطة، ولذلك سمّيت معرفة، ويرى لها اشتقاقا جميلا جدا يؤكد هذا الطرح، فالمعرفة مشتقة عنده من العَرْف بفتح العين وتسكين الراء ويعني الرائحة الطيبة، وهو من مثلثات قطرب الشهيرة، وقد استلهمه بعض العلماء عنوانا لبعض كتبهم، ومن ذلك كتاب ” العَرف الناشر في شرح وأدلة وفقه متن ابن عاشر ” للمختار بن العربي الشنقيطي، ويقصد بالعَرْف الناشر كما أصّلنا الرائحة الزكية المنتشرة في الهواء طيبًا وعبقاً، فإذا تقرّر هذا علمنا أن الأنف واسطة لمعرفة الروائح، فهذا كوب به شاي عرفناه برائحته بواسطة الأنف، وهذا كوب مملوء لبنا وقد عرفناه أيضا برائحته بنفس الواسطة، ولذلك سُمِّي الدارس السالك في طرقات معرفة الخالق سبحانه بالعارف بالله، لأنه يحتاج إلى واسطة توصله إلى تلكم المعرفة القدسيّة، وهي الوحي والشيخ المربي حتى لا تزلّ قدمه في الطريق، ولأن الله تعالى لا يمكن الإحاطة به إلا بما شاء هو، سُمِّي ذلك السالك الواصل عارفا بالله وليس عالما به، لأنه من جهة أُولى لا أحد يعلم كيف هو على وجه الحقيقة إلا هو، ولأن معرفة الخلق به نسبية من جهة ثانية، وما أراد أن يعلمنا به عنه قد أعلمنا به بشكل نسبيّ بواسطة الوحيين الكريمين بما يتلاءم وعقولنا وما تطيب به قلوبنا، فالناس يعرفون الله ولا يعلمونه، لذلك استدركتُ على السادة الصوفية وقلت من باب أن المعرفة نسبية وواسطية : إنّ الأولى أن يُقال : لا يعلم كيف هو إلا هو، ولذلك كان سيبويه موفقا جدا في مذهبه في كتابه في قوله إن الله تعالى ” أعرف المعارف ” ، نعم هو أعرف المعارف عند خلقه، يعرفون عنه ما أراد لهم هو معرفتهم عنه جلّ في علاه، وللدكتور المفكر الربّاني صبري الدمرداش رحمه الله ورضي عنه صاحب الموسوعة العلمية الراقية ” قطوف من سِيَر العلماء ” كلام يكتب بماء الإبريز لنفاسته في التفرقة بين العلم والمعرفة من الجانب العلمي الماديّ ذي البعد الروحي الفلسفي.

نريد إعرابا يرضي ربنا سبحانه ويوصلنا إلى جنان الفردوس الأعلى ، فجنة عرضها السموات والأرض لأجل كلمة تأدّبيّة مع الله تعالى :

قد مرّ معنا في مقال سابق أن سيبويه رآه الناس في المنام في أحسن حال، ففي رواية الإمام المواق المالكي رآه إمام الصرف والنحو أبو الفتح ابن جني وسأله عن حاله فأخبره أنه في خير حال بسبب أنه قال في اسم الله الأعظم ” الله ” : ” إنه أعرف المعارف “، وفي رواية السجلماسي الهلالي وهو من المتأخرين، أنه رؤي في أحسن حال، رضي الله عنه وأرضاه، فلنتمسّك بهذا الشرب الصافي في الإعراب ولنأخذ به فهو الموصل لمرضاة الله ونعيمه المقيم.

الاستدراك الجماليّ الثاني على علماء النحو واللغة :

أرى الكثير من العلماء يعبّرون عن اسم الله تعالى بكلمة لفظ الجلالة مثلا، وهذا من منظوري لا يصح أبدا تأدّبا مع الله تعالى، فاللفظ مشتق من التلفّظ وهو الطرح والرمي والإخراج، من ذلك قولهم لفظ البحرُ السفينةَ أي طرحها وأخرجها، ولأنّ الحلق يُخرج الحروف ويطرحها خارج الفم سمى العلماء الكلماتِ ألفاظا، ولكنّي أرى أن هذا التعبير يجب عزله فورا عن اسم الجلالة الله، من باب التأدّب معه سبحانه، لذلك يجب استبدال اسم الجلالة الله بِه، لأنّ الاسم مشتق من السموّ والرفعة والعلو، وكلها صفات تليق بالباري جلّ جلاله، دون الصفة الأخرى، وهذه قائمة في علم النحو من المقترحات النورانية جمعتها لكم قارئاتي الفُضليات قارئيّ الأفاضل تأدبا معه سبحانه.

الإعراب التقديسي النوراني بما يليق مع اسم الله الأعظم على جهة الجمال والجلال والكمال :

أحببْتُ اللهَ :

– نقول في إعرابه :

أحببتُ فعل وفاعل واللهَ اسم الجلالة منصوب على التعظيم بدل المفعول به، تعالى الله عن ذلك وتقدّس، وقد مرّ معنا أن الشيخ محمد الغزالي المفكر الداعية المصري الكبير عندما كان طالبا في الأزهر وهو غلام صغير، قد أمره أستاذه – وكان صارما حازما – أن يعرب اسم الجلالة المعظّم في حال النصب على نحو هذه الجملة السابقة، فتفطّن قلبه الذي يفيض إيمانا للأمر، فأثمر ثمرة التأدّب الجماليّ مع خالقه سبحانه فقال : اللهَ اسمُ الجلالة منصوب على التعظيم، وإذا بهذا الإعراب الجماليّ من طفل صغير الذي هابَ مكانةَ الله تعالى وعظّمها، قد أسال دموع الأستاذ المنهمرة مِكثاراً ومِغْزاراً ومِدْراراً على خديه المزيّنتين باحمرار حب الله تعالى والخوف منه، إنها دموع الخشية – يا سادة يا كرام – من مهابة الله الصادرة من تقديسه تأدبا معه
لا إله إلا هو جلّ جلاله.

 

الله تعالى مقدّس عن وصفه بالفاعلية، فيُقال في مثل خَلَق اللهُ الخلق : اللهُ اسم الجلالة مرفوعٌ على التعظيم، فتقديسه سبحانه على جهة الكمال والجمال والجلال أولى من الحكم الإعرابي وأجلّ منه ومن مصطلحاته التي يجب أن تُطوّع لصالح تقديس الله وتعظيمه على الوجه الذي يرضيه عنا سبحانه، إذ النحو وعلوم اللغة كلها تظلّ خادمة لقُدسيّته، وما خلق فينا النحو وألهمنا أدواته إلا ليعرّفنا بذاته من خلاله، فغدا هذا التطويع آكدَ من غيره.

وقس عليه أيضا إذا قيل : خُلِقَ الخلقُ على أعظم صورة، فليس الفعل خُلِقَ يعرب فعلا مبنيا للمجهول، بل هو معلوم بالضرورة سبحانه، وكفانا هنا حكاية العجوز مع الإمام الرازي أو الغزالي في رواية أخرى لمّا قال لها تلامذته المتجمهرون حوله : هذا إمامنا جمعنا لنحتفل به لأنه اكتشف ألف دليل على وجود الله، طأطأت رأسها أسَفا ثم قالت لهم أوسعوا لي حتى أرى أستاذكم، فلما وقفت أمامه، قالت له بصوت اليقين وكلامِ الحق المبين : بئس ما فعلت يا هذا، لقد شككت في الله ألف شكّ، لذلك احتجت إلى ألف دليل، أمّا أنا فلا دليل عندي على وجوده سبحانه، متى خفي اللهُ حتى يحتاج إلى دليل !!. ليجعل المعربون هذه القصة الحكيمة نصب أعينهم، فليس الفعل مبنيا للمجهول حاشا لله، بل هو مبني لما لم يسمّ معلومُه بالضرورة المرفوعُ على التعظيم، ولا يقال لما لم يسمّ فاعله كما قال الإمام ابن هشام الأنصاري المصري وغيره، فالله تعالى منزّه عن الاتصاف بالفاعلية، فإن ذلك لا يكفي في نظري في تقديس من أثنى على نفسه ثناءً لا يبلغه أحد من خلقه أبدا.

 

الأبعاد الدلالية الجمالية في نداء اسم الجلالة :

نداء اسم الجلالة الله هو الوحيد بين الأسماء العربية الذي تفرّد في النداء بجواز عدم إسقاط همزة وصله، فاسم الله تعالى كما ذهب السجلماسي الهلالي وغيره أصله “إله” فدخلت عليه “ال” التعريف فصار هكذا الله، لكن اسم الله تعالى هو الاسم الوحيد الذي تتحول همزة وصله في النداء إلى همزة قطع مرقّقة كما قال ابن الجزري في مقدمته، فتقول في الدعاء يا الله، فما القراءة الدلالية لهذا الأسلوب، وهل لها من أبعاد جماليّة ؟

أرى أن اسم الله تعالى الله المتفرد بجميع صفات التقديس المطلق من أراد الوصال به والاتصال بجوده وكرمه فليقطع علاقته بكل شريك أو مخلوق، فهمزة الوصل الأصلية فيه تشير إلى الحب الأصليّ الأصيل في قلب الداعي المؤمن الهائم بصلة الله، هذا القلب الطامع إلى قربه وجوده، يتجلّى حبه وطمعه في كرم الله في حال النداء، و يشترط في دعائه حتى ينعم بذلكم الوصال تحقيق مقام القطع الذي تشير إليه الهمزة في ندائه، فهي تشير إلى وجوب قطع قلب الداعي لكل رجاء دونه سبحانه، وكما يجب عليه تحقيق مقام القطع يجب عليه تحقيق مقام ثالث وهو قائم يدعو ربّه، ذلكم هو ترقيق قلبه وخلوّه من كل فخامة الكبر وكبرياء الزهو، ذلك الخلوّ هو ما تدعونا إليه الآية الكريمة : { ادعوا ربّكم تضرّعا وخُفية } ، ولذلك جاء في الدعاء الذي أخذناه بالواسطة عن شيخنا الإمام مولاي أحمد أبا عبيدة رضي الله عنه وأرضاه، حيث يقول :

اللهم اكفنا ما أهمّنا وما لا نهتمّ له، وآتنا من الخير فوق ما نرجو، واصرف عنّا من السوء فوق ما نحذر وعلّق قلوبنا برجائك “واقطع رجاءنا عمّن سواك”.

اللهم آمين ، ? وهنا نَثْنِي عِنان القلم ونُمسك ? .

? والله أعلم و أعظم وأعلى وأحكم جلّ في علاه ?

 

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here